-A +A
أمل هادي A77mal_H@
من أعلى بنايات الحي تشكَّل لقاء السحاب.. وقفت ليلتي على قيد البرواز وصوتك يناديني لتنسج المشاعر مقالاً هما عنوانه.. على أنغام الأغنيتين أيقنت أن الإنسان توليفة من المشاعر المتنافرة، وعمره عبارة عن تحويشة ذكريات سيئة وحسنة، وأن الكائن البشري هش مهما بلغت سطوته وقدرته.

في كل نهار يكون الإنسان ذاك الراسخ العنيد، وفي المساء يهزمه الصوت والصورة.. يتألّم بالذكريات أكثر مما يتألم من الموقف نفسه!.


عن هذا المشهد الحيّ يقول محمد عبده: «حبيبتي (أو للأسف حبيبته!) لا صرتي الصورة وجفونه البرواز وشلون ينسى». وكأن البرواز عبارة عن قضبان يحرس ذكريات الصورة من الهروب.. مع كل رفة جفن يجدها وكأنها مقرونة بـ«أنفاسه»، وتسجن الصورة لتثبت أن الأخلاء نفس واحدة في أجساد متباعدة.

يسترسل محمد عبده قائلاً: «لجل أنسى جرحك واستريح ببكي، وبعد البكى ببكي»؛ تخلد فكرة هذا الوجود الصورة ليصبح النسيان مُعضلة، ويفسح المجال للحنين لـ«يتربص» بصورة شيطانية ليس لديه فيها صاحب ولا ينظر للعواقب، يسرق الوحدة، يخطف البهجة، ينبش نياط القلب بِلا رحمة.

رغم هذا استجمع فنان العرب قواه في: «وأكيد في لحظة بتجي وبيجف دمعي»، ولكن ما حيلتي وصوتك يناديني.. يناديني تذكر.. لم يكن الحنين هو المتسبب الوحيد بزيارتك ولا البرواز بل لأنك جيتي من النسيان ومن كل الزمان.

كنت أرى أن البرواز هو الطريقة التي تؤجج الحنين، ولكن صوتك يناديني يفقد بها الإنسان أمله فيعود عاجزاً عن النسيان، تضربه هذه الحقيقة بغمرة من الجحيم ليعاود الذكرى في كل مرة بسبب جرح خفي لم يبقَ أي شيء بعده يعزيه ويواسيه.

أعود للاستماع لمحمد عبده مرة أخرى وهو يعاهد نفسه قائلًا: «بتمرني الدمعة الأخيرة تاخذ معاها صورتك وتطيح»، ولكن «حبيبتي ما بيدي حيلة».. ما أعجز أهل الهوى على الهوى ينتظرون الدمعة الأخيرة وهم يعلمون أن اللقاء أمد والفراق أبد وكل شيء يشيب ويشيخ ما عدا الصوت والبرواز.