-A +A
د. رشيد بن حويل البيضاني كاتب سعودي RAlbaidhani@
قيل: إن «السفر مصدر للمعرفة والتجربة، لا غنى عنه للشاب والكهل على حد سواء»، قاله العالم والفيلسوف الإنجليزي «فرنسيس بيكون».. وأقول: «السفر» مربياً للشخصية ومُعلِّماً، ومهذباً لطبع الإنسان ومُثقِّفاً، ومن يسافر تتغير نظرته للحياة، فتنتقل نفسه من شعور إلى آخر.. إذن؛ هل كل من يسافر يتعلَّم ويتفتح ذهنه لاكتساب معارف جديدة؟ وكيف نجعل من السفر أكثر تسامحاً وفهماً للثقافات الأخرى؟

•• •• ••


حين يتنفس المسافر حكايات أمكنة تليدة وأزمنة قديمة زارها؛ تحتل أعماقه لذة معرفة يقينية بتحصيله علماً لم يتعلمه من الكتب.. ومن يمتلك طاقة الكشف عن الطبقات النفسية للأزمنة الغابرة لبلدة مر عليها؛ يصبح خلَّاقاً وكأنه يستمع لإنشاد طائر بعزفه الشجي.. أما من يدمِّر سفرته بقلم أحمر دون بصيرة بمعالم بلاد قصدها؛ ففي غاية البساطة يستجلب خيبة الحياة وانكسارها في عينيه.

•• •• ••

بين خريطة بلدة ودودة تستقبل زائريها بولع، وخريطة مسافر تعج بنشاط فكري ومعرفي؛ هناك جوَّاب يجوب البلدان لاكتساب مهارات خاصة.. وبين مرتحل لا يريد الخروج من رحلته بصمت، وآخر لا يجيد سوى التحديق في الفراغ؛ لذة معرفية أو متعة حمقاء.. وبين طائف للبلدان وسائح بالحواضر تباين نضوج؛ إنسان يطوي متعة معرفة لنهار طويل، وآخر يمر نهاره كاملاً لا يتعلم شيئاً.

•• •• ••

في وقت يترحل فيه بعضنا من المحيط للمحيط؛ سائح يعلم أين المسير وأين المصير؟! وآخر يتقلَّب على جمر من نار.. ومن يجعل من رحلاته غيمة تعبر سريعاً ليخرج منها بلذة معرفية؛ سيعيش حياة مطمئنة يقضي أيامها بجمال الدنيا وشمسها الدافئة.. أما السائح الذي يحيا تحت مظلة القِيم ومكارمها؛ فسيعيش في بلاد الغربة حياة بسلس العبير وإن تأزمت عليه الدنيا وكشَّرت.

•• •• ••

وعند كلام «الإمام الشافعي»: «وسافر ففي الأسفار خمس فوائد»؛ تأكيد أن السفر مثل حديقة تظهر قيمتها عندما يبتلع الشتاء أزهارها.. وأولئك الساذجون المخادعون لذواتهم الذين يجعلون من رحلاتهم السياحية انتحاراً؛ يصيبون العقلاء بالتشنج والغثيان، والحصيفين بتلف الأعصاب، والراشدين بضغط الدم.. فإذا أنشأ هؤلاء شفرة تفصيلية للتهرب من القِيَم؛ سيصابون بتلف دائم لرقابة ذواتهم، كحبة فستق مغلقة على ما في جوفها.