ثمّة مناسبات تسمياتها متقاربة في دولٍ متباعدة، غير أنّ مضامينها تتعدّدُ ومعانيها تختلفُ باختلاف المكان والزمان والإنسان، ومن تلك مناسبة «اليوم الوطنيّ» الذي تحتفل به دول العالم، مظهرةً اعتزازها بتاريخها وأرضها، ومشدّدة على تماسكها، ومشيدة بتضحيات أسلافها.
أمّا اليوم الوطنيّ للمملكة العربيّة السعوديّة فرمزيّتهُ متفرّدة، ودلالتهُ مختلفة؛ إذ إنّه كُتب بلُغَةِ الإرادة والتحديات والهمة والطموحات، في لحظة قسوة الطبيعة وتفشي الجهل وذروة الأطماع الدوليّة والإقليميّة والحروب العالمية. في هذه اللحظة الحاسمة من التاريخ، شرعَ الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود طيّب الله ثراه -بعد التوكّل على الله- ببناء مشروعه الوطني الكبير، بالجهد والصبر والحنكة والعزم، وبرسم مستقبل أُمةٍ وشعبٍ طال انتظارهما، مُدركًا حجم التحديات والصعوبات التي ستعترض سبيله، فكانت قصة توحيد المملكة العربية السعوديّة الخالدة في ضمير التاريخ، وفي نفوس أبنائها، وفي نفس كلّ مُحبّ للخير وصاحب فطرة سليمة من الأمة والعالم أجمع.
من أبرز ما يميّز اليوم الوطني في المملكة العربيّة السعوديّة، ويجعله مختلفًا أنّ فيه قد نهضَ وطنٌ بإرادة وطنيّة أصيلة شجاعة من داخله، وبحُبّ وحنان من قادته، لكلّ مكوّن من مكوّنات الشعب، وأنّ حدوده قد رسمت بأيدي ملوكه وحكّامه الميامين، ورجاله المخلصين؛ لذلك فاليوم الوطنيّ ليس مناسبة عاديّة، وحدثًا عابرًا، بل هو حالة عبور متجدّدة، وإنقاذ لأمة وشعبٍ من تيه الجغرافيا، وضياع التاريخ، وهوامش الحضارة إلى جادة الخير، وبوصلة الجغرافيا والتاريخ، وصناعة المجد والحضارة وقيمها الإنسانيّة.
معاني اليوم الوطنيّ أكثر من أن يحيط بها مقال، وميزاته أكثر من أن تحتويها سطور، ومع ذلك فمن الصعوبة بمكان تجاهل رأسمال الوطن الحقيقيّ، المتمثّل بالإنسان، وهو ما حرص عليه الوطن وحكامه منذ توحيد البلاد؛ فصان كرامته وحفظ حقوقه، وأنكر ظلمه، وكان السعي الدؤوب والاستثمار الأصيل في بناء الإنسان المتحضّر الذي أمسى مضرب المثل، ومحطّ الأنظار في كلّ الميادين الأرضيّة والفضائيّة، في التخطيط والبناء، والرؤية والعطاء، فمنذ توحيد المملكة العربيّة السعوديّة كان همُّ ملوكها الأكبر هو إعلاء قيمة الإنسان، وتأمين سبل عيشه الكريم، ورغد حياته التي تليق به، ونشر قيم العدل والسلم والسلام داخليًّا وإقليمًّا وعالميًّا، وحماية مكتسبات الوطن والذود عن حماه، والوقوف بحزم وعزم في وجه أيّ تهديدٍ يعرض له، وعدم التنازل عن حقوقه ومكتسباته.
إنّ كلّ ما يُرى اليوم من نهضةٍ وإنجازات متلاحقة لم يكن لها أن تكون لولا تلك اللحظة الفارقة في التاريخ، لحظة توحيد المملكة العربيّة السعوديّة التي تتابع هطول خيرها وبشرها حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله الذي أتمّ مسيرة البناء والحزم والعزم، وعضيده ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان رئيس مجلس الوزراء حفظه الله صاحب الرؤية، وملهم الشباب فعلًا وقولًا: أنْ لا شيء مستحيل في وجه السعوديّة والسعوديين، بعد الاستعانة بالله والتوكّل عليه، فكانت ثمرة رؤيته وإلهامه ما يشهده الوطن والمواطن من تنميةٍ وإنجازاتٍ أذهلت العالم شرقًا وغربًا في كلّ الميادين والحقول، والتي لن تبرح التقدّم والإذهال بإذن الله في ظلّ قيادتهم الحكيمة، وهمّة أبناء الوطن البعيدة، ومادام طويق يعانق عنان السحاب.
لذلك فاليوم الوطنيّ في المملكة العربيّة السعوديّة طاقاتٌ لا تنضب من معانٍ لا تنفد، إنّهُ تأكيد للحظة حضاريّة فارقة في التاريخ العربيّ والعالميّ المعاصرين، وتأكيد لقيمٍ راسخة ومتجدّدة في نفوس شعبها الوفيّ، وفي ظلّ رؤى قيادتها الرشيدة، في كلّ عام وفي كلّ مطلع شمسٍ، بهذا يحقّ لكلّ مواطنٍ ومقيمٍ على هذه الأرض الطيبة المباركة، وكلّ أصيل في الأمة وإنسانيّ في العالم أن يحتفل بهذا اليوم الذي كان ومازال وسيبقى بإذن الله بهجةَ أرضٍ وفرحةَ شعبٍ.
د. رائد بن ثنيان الصّبح