لم تعد وسائل الإعلام كما في سابق عهدها محدودة الاتجاه، ومتواضعة المضمون الموجه للجمهور.. تعاني من قلة الإمكانات التي تغطي من خلالها ما يحيط بالعالم من تقلبات، وما يعانيه من صراعات، ألقت بتبعاتها على سياسات واقتصادات الدول وتطوير بنيتها التنموية وديموغرافيتها، التي لم ينلها التطوير والتغيير، حيث يقننا الزمان والمكان الذي تبحر من خلاله الرسالة الإعلامية في حدود النطاق الجغرافية الذي تغطيه وتنتشر من خلاله.
واليوم مع ما تشهده وسائل الإعلام.. من نقلة نوعية.. استطاعت التنمية أن تتفيأ ظلال الإعلام، وتصبح شريكاً له، وتأخذ هذه التوأمة مساحات كبيرة من النقاش في أروقة الأمم المتحدة وسوح الجامعات ومراكز البحث العلمي، ومن أبرز إرهاصات هذه النقاشات العلمية ولادة كتاب الخبير الأمريكي وليبور شرام «وسائل الإعلام الجماهيرية والتنمية الوطنية» والذي تعاطى مع هذه القضايا من منظور المقاربات «السوسيو اتصالية»، وأوجد حراكاً ديناميكياً اجتماعياً لدعم آليات الاقتصادات الوطنية.
وأوصي بإعادة قراءة هذا الكتاب مستصحبين خلاله واقعنا الحالي.. وكذلك كتاب «أصوات متعددة وعالم واحد»، ومن قرأ الكتابين وعلم إسقاطات آثارهما يعلم أن قضايا التنمية تمثل لدى بعض الدول الغربية خطوطاً حمراء، فالكتاب الثاني أبرز إشكالات تنموية تمس قضايا العالم الثالث بيد أنها تسير عكس دوران فلك الإعلام الغربي الذي ناصب العداء نتائج هذه اللجنة التي شكلها البروفيسور أحمد مختار أمبو مدير عام منظمة اليونسكو آنذاك، وقد عرفت هذه اللجنة باسم «لجنة شون ماكبرايد»، وهو أيرلندي الجنسية حاصل على جائزة نوبل للسلام.
كما شهد الوقت الحالي.. بروز قضايا التغير المناخي التي أفرزت لنا العديد من الكوارث البيئية والإنسانية، راح ضحيتها نتيجة للفيضانات والزلازل والبراكين ملايين من البشر والحيوانات والأشجار نتيجة لتغول الإنسان على التنوع البيولوجي الذي نشاهده، والذي يعتبر نتيجة تراكمية لمدة لا تقل عن 4.5 مليار سنة من التطور.
وعكست لنا شاشات القنوات الفضائية ومواقع التواصل العديد من القصص الإنسانية المؤلمة لبعض الأطفال والشيوخ، ومدامعهم تروي كثبان الربع الخالي.. وحينما تصور للجمهور الكاميرات واقعهم الذي يرفع شكواه لمحاكم الضمير الإنساني المتشاغل بقضايا أخرى؛ تزيد من تدمير البيئة من أجل التربح المؤقت.. ومع هذا وذاك ستتكرر ذات المأساة وتعيد سيناريوهاتها إن لم نساهم ونتعاون مع بعضنا في المحافظة على الموارد الطبيعية التي تتناقص كل فترة وأخرى حسب تقارير الأمم المتحدة، التي حذرت كل سكان الكوكب من نقصان هذه الموارد، وحتى أنها ستكون موطن صراع دولي للاستحواذ عليها.
وقد نشرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعةFAO«» تقريراً، أبرزت خلاله عدد الأشخاص الذين سيعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد خلال هذا العام 2023، والذي قد يرتفع إلى 193 مليون شخص، والناظر لواقع الأحداث التي تعكسها وسائل الإعلام اليوم من حروب وصراعات وكوارث طبيعية سيدرك أن الرقم يكاد يتخطى الـ 200 مليون شخص.
واتخذت المملكة في هذا الصدد.. بفضل قراءتها للمشهد، وحنكتها بمعرفة تداعيات هذه القضية على الساحة العالمية.. اتخذت خطوات إيجابية لمعالجة قضايا التنمية المستدامة؛ وذلك عبر إطلاقها العديد من المشاريع التنموية.. كان آخرها إعلان ولي العهد تأسيس منظمة عالمية للمياه يكون مقرها المملكة العربية السعودية، وكذلك مشاريع الطاقة النظيفة والمتجددة، وأضخم هذه المبادرات «مشروع نيوم» الذي سيغير الخارطة الذهنية للاستثمارات في العالم، وإسهامه بقوة في مستقبل التنمية المستدامة بالمملكة.