عملية صناعة الإعلام ليست سهلة بما يكفي ليفهمها العامة من الجماهير، فهي تتضمن العديد من الأسرار والتحديات. ومن أصعب جوانب هذه الصناعة الحساسة نقل المعلومات التي تتعلق بمشاعر الجمهور بشكل حيادي ومهني.
في الوطن العربي نجد أن التعاطف الإعلامي هو الأساس، بينما نقل الحقيقة يأتي في المرتبة البعيدة، وفي حين اعتاد المشاهد على هذا الشكل الإعلامي وتشرّب ثقافته، أصبحت المهنية الجانب المرفوض. لم يقتصر هذا الرفض على القنوات الإخبارية أو الصحافة التي تمارس الإعلام المهني والطرح المعتدل، بل حتى في عالم التواصل الاجتماعي تكون الحقيقة قاسية والتعاطف هو العكس والأكثر رواجاً.
دفعني لكتابة هذا الطرح، ما تمر به قناة العربية من هجوم غير مبرر ولا عادل، لسبب بسيط وهو أن القناة وقفت في صف المهنية لا في اتجاه تدليس الحقائق، في حين أن هناك من وجد الفرصة في أحداث (غزّة) لجذب المزيد من المشاهدين واستغلال مشاعر الجمهور لأهداف سياسية واقتصادية واجتماعية.
منذ تأسيس القناة وحتى اليوم وغداً، لن يتوقف النقد تجاهها، وهذا يقف في صف حيادها، فكلما تشبثت بنقل المعلومة وفق معايير عالية من الجودة والدقة زاد هجوم المؤدلجين عليها، لن تقول «العربية» إن «حماس» أبطال، في حين أن قيادتها تتخذ من الفنادق الفاخرة خارج حدود القطاع مكاناً لها، ولن تقول إن «حزب الله» في لبنان أوجد حلاً سياسياً، بينما الواقع مختلف، وقس على ذلك عزيزي القارئ في نقل قضايا الوطن العربي، إذ كان لأزماته دور كبير في صنع التعاطف والتطرف في آنٍ معاً.
في آخر الأمر هناك خلط كبير بين المطالبة الجماهيرية بنقل القصة الصحفية بحيادية، وبين نقلها وفق مطامع الجماعات السياسية، ويجب على المتلقي الواعي ألا يسمح بتحريك عواطفه وتوجيهها نحو تلك المطامع المتناحرة.