استل طوق حياته، وقذفه ليحوط به ثمرة عمره.. عبدالعزيز..
لم يتأخر لحظة وهو يراه يستجير به، لينتشله من ماء غمره حد الموت، وقف على حافة الردى متدثراً بعاطفة الأبوة ومتمنطقاً بحزام الإيثار والتضحية، استبقى خلفه حزناً غشى أحبته، وذكريات لن تمحوها تصاريف الأيام، طوّح بعيداً بكل نظريات علم النفس التي تعلمها في دراسته التخصصية عن غريزة حب البقاء، لكي يبقى من يحب، هبّ إلى الموت لعله يهب الحياة لطفله الصغير، لم يثنه تلاطم الأمواج وغدر الماء، أن يجود بنفسه متأملاً أن تكون فسحة من أمل ينقذ بها جسداً غضاً طرياً لم يعتد عداد سنواته على الدوران بعد.
إيهٍ يا عبدالله..
علمتنا الحياة أن مادة الأبوة تحوي منهجاً صعباً لا ينجح فيه الكثيرون، ولكنك اجتزت امتحانها على حد الموت بكل اقتدار.
إيهٍ يا عبدالله..
حتى في موتك لم تخلع عنك عباءة التدريس، ولكن هذه المرة، كان مدرج الطلاب أكبر بكثير..
كان مجتمعاً يشبهك وتشبهه، صفحات السوشيال ميديا، مواقع الأخبار، كل من قرأ أو تناهى إلى سمعه ملحمة وفاتك..
الجميع يذكرك بالخير ويترحم عليك وعلى عبدالعزيز أن يكون شفيعاً لك ولأسرتكم عند الله..
يا رجل.. أي خبيئة كانت بينك وبين الله لتغادر هذه الدنيا بهكذا احتفاء يخلد ذكراك عند من عرفك ومن لم يلقاك أبدا..
ويا لها من مفارقة أن يكون العزاء في منزل والدك..
في حي «الشهداء»!