يتهكم الكثيرون حين سماعهم بالمصطلحات الطبية من أنفلونزا الطيور للخنازير ومن ثم الجمال (كورونا)، ويبدأون في دفاعهم عن الحيوانات البريئة، ورفض أن يكون لها أي دور في تفشي الأمراض، وبحكم صحراويتنا وثقافتنا الشرق أوسطية فقد تركز دفاعنا عن الجمال وتركنا الطيور والخنازير للذهاب إلى الجحيم، وفي الحقيقة أن الأنفلونزا التي نستهتر بها، ونحاول أن نستهين بقدرتها القاتلة كانت من أخطر الأمراض تاريخياً على الإنسان، ولا تزال سببا رئيسيا في موت ملايين البشر، والتاريخ يشهد بدءا من القرن الخامس عشر والآلاف الوفيات في روما مروراً بجائحة الأنفلونزا عام ١٨٣٠ ومن ثم الأنفلونزا الروسية عام ١٨٩٠، ولا يزال وباء ١٩١٨ أو الأنفلونزا الإسبانية هو الأعنف على الإطلاق في تاريخ البشرية مع وفيات تتجاوز ٥٠ مليون نسمة، وكانت بحق أم الجوائح (على وزن أم المعارك) ولكنها كانت معركة خاسرة للجنس البشري أمام الفيروس القاتل، خسر الجنس البشري العديد من المعارك الأخرى من عام ١٩٥٧-١٩٧٧ وكانت جميعها بأسباب فيروس الأنفلونزا الذي يتحور وينتقل وتشتد خطورته مع وجود ناقل جديد، وكانت الطيور هي الناقل في ذلك الوقت وفي العصر الحديث كانت أنفلونزا الخنازير H1N1 التي ظهرت بجنوب الولايات المتحدة والمكسيك بعام ٢٠٠٩ هي الأشد فتكاً بوفيات تعد بالآلاف على مستوى العالم، من ناحية علمية مملة يختلف مرض سارس الذي ظهر عام ٢٠٠٣ والكورونا ٢٠١٢ عن فيروس الأنفلونزا جينياً ومخبرياً ولكن الأعراض لا تختلف كثيراً، خلق الله الفيروسات من ملايين السنين ووهبها ملكة التطور والتكيف والمقاومة مع مرور الزمن وكل ما أصابت ناقل جديد وتحورت جينياً تصبح أكثر فتكاً وهذا سبب تسمية أغلب الجوائح بأسماء النواقل أو الوسائط التي تعيش فيها الفيروسات ردحاً من الزمن، أما طيور أو خنازير أو غيرها من الحيوانات، وقد تكون أنفلونزا الضبان شيئاً جديدا نراه بالمستقبل ويرحم الله بها هذه الحيوانات الأليفة الهادئة من جور الصيادين المتعطشين لقتل الحياة الفطرية، وأخيرا يجب أن نعلم أن التطعيمة الموسمية ضد الأنفلونزا هي الوقاية الأمثل.
* طبيب سعودي
* طبيب سعودي