مع توجه الدولة في رؤيتها الطموحة 2030، وإصرارها على تنويع مصادر الدخل، ولكون السياحة واحدة من أكثر الصناعات نموا واتساعا وتأثيرا على الناتج المحلي لأي وجهه سياحية؛ أصبح التركيز على تطوير صناعة السياحة في السعودية مطلبا مهما، وهو ما تعمل عليه الدولة الآن في مشاريعها السياحية النوعية، من خلال صندوق الاستثمارات العامة والهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني.
فمشروع البحر الأحمر من وجهة نظر سياحية، مشروع طموح وحضاري وتنموي من الدرجة الأولى، ومن المتوقع إذا ما تم التخطيط له وإدارته باحترافية عالية أن يُحدث نقلة نوعية في مفهوم السياحة بشكل عام والبحرية بشكل خاص، ليس فقط محلياً بل وعالمياً.
هذا المشروع يقع على واحدة من أكثر المناطق الطبيعية جمالاً وتنوعاً في البحر الأحمر بصفاء مياهها وشعابها المرجانية، والحمم والجبال البركانية القريبة منها، وتنوع الحياة الفطرية والبحرية فيها، ومن المواقع الأثرية المهمة كمدائن صالح.
حتى الآن لا نعرف على وجه الدقة طبيعة المشاريع التي ينوي صندوق الاستثمارات وهيئة السياحة والتراث إقامتها على الجزر الـ 50 الكائنة على مساحة 34 ألف متر مربع بين أملج والوجه. ولكن إذا ما تم تطوير هذه الجزر بأنماط وتنوع سياحي كبيرين يتناسب مع احتياجات السائح السعودي والخليجي أولا بجميع فئات المجتمع من متوسطي وعالي الدخل، والأجنبي ثانيا، فإن نسبة لا بأس بها من المليارات التي تهاجر سنويا في السياحة الخارجية سوف تنفق في السياحة الداخلية.
هذه النفقات لاشك سوف تكون عوائدها كبيرة على الناتج المحلي وعلى مستوى دخل الفرد، وإيجاد فرص استثمارية ووظيفية كبيرة، التي من المتوقع أن توفر أكثر من 35 ألف وظيفة يفترض أن يكون التركيز فيها بالدرجة الأولى على السعوديين ذكوراً وإناثا.
ربما كان الحديث في الفترة الماضية عن الإيجابيات المتوقعة من مشروع جزر البحر الأحمر، ولكني هنا فضلت الحديث قليلا عن بعض المعوقات التي قد تواجه هذا المشروع وغيره من المشاريع غير التقليدية.
فعلى الرغم من المنافع الاقتصادية الكبيرة في تطوير وجهات سياحية نوعية مثل مشروع البحر الأحمر، إلا أن هناك مجموعة من المعوقات التي بالإمكان معالجتها في السنوات القادمة؛ اجتماعية وثقافية وتنظيمية وبنية تحتية ومستوى تعليميا وغيرها، ولكني سوف أركز على خمسة عوائق رئيسية من وجهة نظري كباحث مختص في الشأن السياحي.
العائق الأول: ضعف البنيه التحتية والفوقية السياحية في المدن والقرى المجاورة لجزر البحر الأحمر، بل حتى في المدن الرئيسية مثل تبوك والمدينة المنورة وينبع وجدة.
فجميع هذه المدن القريبة من المشروع تنقصها الخدمات السياحية الأساسية التي تساعد السائح على الاستمتاع والراحة والمكوث لفترة أطول في المنطقة، وتضمن الاستدامة (Sustainability) وإعادة الزيارة (Visit Repeat)، مثل: أنشطة جذب سياحي متنوعة، ومراكز خدمة السياح، وخدمات طرق كمحطات ونزل ومطاعم ودورات مياه نظيفة، بالإضافة إلى الحدائق والمدن الترفيهة العامة والخاصة، وخدمات النقل والمواصلات الحديثة والمنظمة.
العائق الثاني: وهو أحد الأسباب الرئيسية في هجرة السائح السعودي للخارج (Outbound Tourism)، فغلاء الأسعار للخدمات والمنتجات السياحية في السعودية يفوق كثيرا نظيراتها في الدول الأخرى، لن أتحدت كثيرا عن هذه المشكلة فقد أُشبعت نقاشاً وكتابة من المختصين، ولكن أقول باختصار: على الرغم من إدراكنا لها إلا أن المشكلة ما زالت قائمة ومستمرة ودون إيجاد حلول جذرية لها سيبقى السائح السعودي يفضل السفر للدول الرخيصة مكتملة الخدمات السياحية عن قضاء إجازته في الداخل.
العائق الثالث: ربما يعود للعادات والتقاليد والروابط الاجتماعية القوية بين أفراد المجتمع، التي جعلت كثيرا من الأسر السعودية تجد عدم الارتياح الكامل في السياحة الداخلية، بعكس ما تجده في الدول الأخرى. فمثلا قد لا تستطيع المرأة ممارسة كثير من الأنشطة السياحية العادية؛ كركوب الخيل أو ركوب الدراجات الهوائية أو النارية، أو اللعب في وسائل الترفيه الأخرى بأريحية، كما لو كانت تمارسها في الدول الأخرى خوفا من نظرة المجتمع لها بأنها خرجت عن المألوف أو غير اللائق اجتماعيا. أضف إلى ذلك الفضول وحب الاستطلاع الذي يمارسه كثير من الناس بالنظر لكل تصرفاتك وأفعالك أثناء التنزه مما يقيد حرية الأسرة ويقلل درجة استمتاعها بالرحلة.
العائق الرابع: ضعف مخرجات التعليم السياحي والفندقي في الجامعات والكليات السعودية بما في ذلك كليات التميز التي تم التعاقد من خلالها مع مراكز عالمية أثبتت فشلها حتى الآن في السوق المحلي.
فمشروع عملاق مثل جزر البحر الأحمر والقدية وغيرها من المشاريع الكبيرة بحاجة إلى كوادر بشرية من الجنسين؛ مؤهلة ومدربة على أعلى مستويات التدريب الفني والمهني.
فمخرجات الجهات التعليمية الحالية لا تواكب التطور السريع في الخدمات السياحية وتعتمد في غالبها على التدريب النظري مع إهمال كامل للتطبيق العملي الذي يساعد على صقل المهارات واكتساب الخبرات العملية قبل التحاق المتدرب بسوق العمل، لذلك لا بد من وضع خطة إستراتيجية تكاملية بين وزارة التعليم والمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني من جهة وهيئة السياحة والتراث الوطني من جهة أخرى لتطوير خطط ومناهج تعليمية حديثة تواكب التطور السريع في هذه الصناعة ودعم الجهات التعليمية بمراكز محاكاة للتدريب العملي أثناء الدراسة.
العائق الخامس: نظرة المجتمع السعودي للسائح الأجنبي وطريقة تعاملنا معهم، فالسياحة ليست فقط وجهات سياحية متنوعة وخدمات، بل هي أبعد من ذلك، فتعامل المجتمع المحلي مع السائح بإنسانية ورقي واحترام، وإشعاره بأنه في بلده أهم بكثير من الأنشطة والفعاليات السياحية التي سافر من أجلها. وجميعنا يعرف كيف ننفر من السفر لبعض الدول المعروفة بخشونة تعامل أو عنصرية شعبها تجاه السائح العربي أو المسلم. لذلك لا بد من وضع أنظمة وقوانين تضمن حقوق السائح أياً كان محليا أو أجنبيا، وتضمن التعامل الراقي الذي أوصانا به ديننا الإسلامي وقيمنا الأصيلة، بالإضافة إلى توعية وتثقيف المجتمع بأهمية تطوير صناعة السياحة وأثرها على الدخل الوطني وتحسين مستوى المعيشة للأفراد.
معالجة هذه المعوقات من الآن سوف يضمن بإذن الله نجاح واستدامة مشروع البحر الأحمر والمشاريع السياحية الأخرى في المملكة.
* رئيس قسم السياحة والفنادق بجامعة أم القرى
alialgassim@
فمشروع البحر الأحمر من وجهة نظر سياحية، مشروع طموح وحضاري وتنموي من الدرجة الأولى، ومن المتوقع إذا ما تم التخطيط له وإدارته باحترافية عالية أن يُحدث نقلة نوعية في مفهوم السياحة بشكل عام والبحرية بشكل خاص، ليس فقط محلياً بل وعالمياً.
هذا المشروع يقع على واحدة من أكثر المناطق الطبيعية جمالاً وتنوعاً في البحر الأحمر بصفاء مياهها وشعابها المرجانية، والحمم والجبال البركانية القريبة منها، وتنوع الحياة الفطرية والبحرية فيها، ومن المواقع الأثرية المهمة كمدائن صالح.
حتى الآن لا نعرف على وجه الدقة طبيعة المشاريع التي ينوي صندوق الاستثمارات وهيئة السياحة والتراث إقامتها على الجزر الـ 50 الكائنة على مساحة 34 ألف متر مربع بين أملج والوجه. ولكن إذا ما تم تطوير هذه الجزر بأنماط وتنوع سياحي كبيرين يتناسب مع احتياجات السائح السعودي والخليجي أولا بجميع فئات المجتمع من متوسطي وعالي الدخل، والأجنبي ثانيا، فإن نسبة لا بأس بها من المليارات التي تهاجر سنويا في السياحة الخارجية سوف تنفق في السياحة الداخلية.
هذه النفقات لاشك سوف تكون عوائدها كبيرة على الناتج المحلي وعلى مستوى دخل الفرد، وإيجاد فرص استثمارية ووظيفية كبيرة، التي من المتوقع أن توفر أكثر من 35 ألف وظيفة يفترض أن يكون التركيز فيها بالدرجة الأولى على السعوديين ذكوراً وإناثا.
ربما كان الحديث في الفترة الماضية عن الإيجابيات المتوقعة من مشروع جزر البحر الأحمر، ولكني هنا فضلت الحديث قليلا عن بعض المعوقات التي قد تواجه هذا المشروع وغيره من المشاريع غير التقليدية.
فعلى الرغم من المنافع الاقتصادية الكبيرة في تطوير وجهات سياحية نوعية مثل مشروع البحر الأحمر، إلا أن هناك مجموعة من المعوقات التي بالإمكان معالجتها في السنوات القادمة؛ اجتماعية وثقافية وتنظيمية وبنية تحتية ومستوى تعليميا وغيرها، ولكني سوف أركز على خمسة عوائق رئيسية من وجهة نظري كباحث مختص في الشأن السياحي.
العائق الأول: ضعف البنيه التحتية والفوقية السياحية في المدن والقرى المجاورة لجزر البحر الأحمر، بل حتى في المدن الرئيسية مثل تبوك والمدينة المنورة وينبع وجدة.
فجميع هذه المدن القريبة من المشروع تنقصها الخدمات السياحية الأساسية التي تساعد السائح على الاستمتاع والراحة والمكوث لفترة أطول في المنطقة، وتضمن الاستدامة (Sustainability) وإعادة الزيارة (Visit Repeat)، مثل: أنشطة جذب سياحي متنوعة، ومراكز خدمة السياح، وخدمات طرق كمحطات ونزل ومطاعم ودورات مياه نظيفة، بالإضافة إلى الحدائق والمدن الترفيهة العامة والخاصة، وخدمات النقل والمواصلات الحديثة والمنظمة.
العائق الثاني: وهو أحد الأسباب الرئيسية في هجرة السائح السعودي للخارج (Outbound Tourism)، فغلاء الأسعار للخدمات والمنتجات السياحية في السعودية يفوق كثيرا نظيراتها في الدول الأخرى، لن أتحدت كثيرا عن هذه المشكلة فقد أُشبعت نقاشاً وكتابة من المختصين، ولكن أقول باختصار: على الرغم من إدراكنا لها إلا أن المشكلة ما زالت قائمة ومستمرة ودون إيجاد حلول جذرية لها سيبقى السائح السعودي يفضل السفر للدول الرخيصة مكتملة الخدمات السياحية عن قضاء إجازته في الداخل.
العائق الثالث: ربما يعود للعادات والتقاليد والروابط الاجتماعية القوية بين أفراد المجتمع، التي جعلت كثيرا من الأسر السعودية تجد عدم الارتياح الكامل في السياحة الداخلية، بعكس ما تجده في الدول الأخرى. فمثلا قد لا تستطيع المرأة ممارسة كثير من الأنشطة السياحية العادية؛ كركوب الخيل أو ركوب الدراجات الهوائية أو النارية، أو اللعب في وسائل الترفيه الأخرى بأريحية، كما لو كانت تمارسها في الدول الأخرى خوفا من نظرة المجتمع لها بأنها خرجت عن المألوف أو غير اللائق اجتماعيا. أضف إلى ذلك الفضول وحب الاستطلاع الذي يمارسه كثير من الناس بالنظر لكل تصرفاتك وأفعالك أثناء التنزه مما يقيد حرية الأسرة ويقلل درجة استمتاعها بالرحلة.
العائق الرابع: ضعف مخرجات التعليم السياحي والفندقي في الجامعات والكليات السعودية بما في ذلك كليات التميز التي تم التعاقد من خلالها مع مراكز عالمية أثبتت فشلها حتى الآن في السوق المحلي.
فمشروع عملاق مثل جزر البحر الأحمر والقدية وغيرها من المشاريع الكبيرة بحاجة إلى كوادر بشرية من الجنسين؛ مؤهلة ومدربة على أعلى مستويات التدريب الفني والمهني.
فمخرجات الجهات التعليمية الحالية لا تواكب التطور السريع في الخدمات السياحية وتعتمد في غالبها على التدريب النظري مع إهمال كامل للتطبيق العملي الذي يساعد على صقل المهارات واكتساب الخبرات العملية قبل التحاق المتدرب بسوق العمل، لذلك لا بد من وضع خطة إستراتيجية تكاملية بين وزارة التعليم والمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني من جهة وهيئة السياحة والتراث الوطني من جهة أخرى لتطوير خطط ومناهج تعليمية حديثة تواكب التطور السريع في هذه الصناعة ودعم الجهات التعليمية بمراكز محاكاة للتدريب العملي أثناء الدراسة.
العائق الخامس: نظرة المجتمع السعودي للسائح الأجنبي وطريقة تعاملنا معهم، فالسياحة ليست فقط وجهات سياحية متنوعة وخدمات، بل هي أبعد من ذلك، فتعامل المجتمع المحلي مع السائح بإنسانية ورقي واحترام، وإشعاره بأنه في بلده أهم بكثير من الأنشطة والفعاليات السياحية التي سافر من أجلها. وجميعنا يعرف كيف ننفر من السفر لبعض الدول المعروفة بخشونة تعامل أو عنصرية شعبها تجاه السائح العربي أو المسلم. لذلك لا بد من وضع أنظمة وقوانين تضمن حقوق السائح أياً كان محليا أو أجنبيا، وتضمن التعامل الراقي الذي أوصانا به ديننا الإسلامي وقيمنا الأصيلة، بالإضافة إلى توعية وتثقيف المجتمع بأهمية تطوير صناعة السياحة وأثرها على الدخل الوطني وتحسين مستوى المعيشة للأفراد.
معالجة هذه المعوقات من الآن سوف يضمن بإذن الله نجاح واستدامة مشروع البحر الأحمر والمشاريع السياحية الأخرى في المملكة.
* رئيس قسم السياحة والفنادق بجامعة أم القرى
alialgassim@