كم هو ساذج ذلك الإنسان الذي لا يفرق ما بين الإنسان وفكره، والأشد من ذلك أن نقرأ النصوص والكتب على حسب كاتبها وليس على حسب ما نجده من متعة معرفية نرفع بها الجهل عن أنفسنا، بل ويزداد الأمر فحشا، حينما لا يلتفت لك الناس إلا إذا ظهرت في شاشة التلفاز -ولو كومبارس- لكي يتعرفوا بك ككاتب أو مؤلف أو مفكر، فتفتح لك الصحف والبرامج أذرعتها ولو كنت خالي الجعبة، ولعل هذه المقدمة اللطيفة تقدم مؤشرا ولو يسيرا عن التراكم السلبي الذي تعج به الساحة المجتمعية من نقودات وأطروحات ثقافية تبتعد كل البعد عن الفكر وأقرب أن تكون لشن النعرات والدعاء بدعوى الجاهلية، تراشق ما بين الأفراد في الإطروحات وهمز ولمز يجعل المتأمل لوضعنا يظن أننا نأخذ بالثأر ولسنا في صدد النقد المعرفي الموزون، ما أوثر عن أرسطوا أنه قال: «إذا أردت أن تتجنب النقد فلا تكتب حرفا، ولا تقل حرفا، بل ولا تكون موجودا على هذه الأرض»، وفي هذا كناية عن أن الخروج من مأزق النقد أمر يستحيل وقوعه.
العقدة لا تكمن في النقد، فهو أمر طبيعي ومطلوب وصحي أيضا، ومن عمل في الجانب الأكاديمي أو اجتهد في أطروحته البحثية لنيل درجة الدكتوراة - مثلا - يعلم علم اليقين أنه دون النقد لن ينال الدرجة العلمية أبدا، فالنقد هنا أشبه بصقل الذهب على محك اللهب، وقل من يصمد أمام اللهب. وقد قال نورمان بيرل: «أكثرنا قد خدعه المدح حتى صدق أنه على حق وهو غير ذلك، إن من يحفظك كثيرا هو من ينقدك وليس من يثريك باللطافة»، المصيبة في أن يتحور النقد في جانب الفكرة متجها صوب الكاتب، وكأن كاتبها يريد أن ينتقم لنفسه لكن بأسلوب المثقفين والمؤطرين للفكر الإنساني. كيف سننتج مفكرين ومثقفين من الأجيال القادمة ونحن نبث المشاحنات والدفاع عن النفس والتحقير من الآخرين وفق ما نكتب، إلى متى ونحن في حضيض «المطففين»، إلى متى ونحن نجتر أقدام بعضنا البعض نحو المشاحنة وليس وفق الانسجام، أما زالت العقدة الإبليسية المغروسة في أغلب أفرادنا «أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين».
مما ذكر المؤرخون أن الإمام الرازي مر وخلفه تلاميذه وكانوا كثرا، فسألت عجوز أحد التلاميذ من هذا الذي تتبعونه، فقال ألا تعلمين من هذا؟ هذا الإمام الرازي، هذا الذي له ألف دليل على وجود الله...!
فردت العجوز، بل هذا الذي لديه ألف شك في وجود الله، فوجود الله لا يحتاج إلى دليل!
فلسفة بسيطة تثبت أن الذي ينافح عنك عملك وليس ما تقول، فكم من متصدر للأقوال لم يقدم للمجتع شيء، وكم من صامت أثر في متحدثين.
* أكاديمي وباحث – جامعة أم القرى
Kkattaf2014@gmail.com
العقدة لا تكمن في النقد، فهو أمر طبيعي ومطلوب وصحي أيضا، ومن عمل في الجانب الأكاديمي أو اجتهد في أطروحته البحثية لنيل درجة الدكتوراة - مثلا - يعلم علم اليقين أنه دون النقد لن ينال الدرجة العلمية أبدا، فالنقد هنا أشبه بصقل الذهب على محك اللهب، وقل من يصمد أمام اللهب. وقد قال نورمان بيرل: «أكثرنا قد خدعه المدح حتى صدق أنه على حق وهو غير ذلك، إن من يحفظك كثيرا هو من ينقدك وليس من يثريك باللطافة»، المصيبة في أن يتحور النقد في جانب الفكرة متجها صوب الكاتب، وكأن كاتبها يريد أن ينتقم لنفسه لكن بأسلوب المثقفين والمؤطرين للفكر الإنساني. كيف سننتج مفكرين ومثقفين من الأجيال القادمة ونحن نبث المشاحنات والدفاع عن النفس والتحقير من الآخرين وفق ما نكتب، إلى متى ونحن في حضيض «المطففين»، إلى متى ونحن نجتر أقدام بعضنا البعض نحو المشاحنة وليس وفق الانسجام، أما زالت العقدة الإبليسية المغروسة في أغلب أفرادنا «أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين».
مما ذكر المؤرخون أن الإمام الرازي مر وخلفه تلاميذه وكانوا كثرا، فسألت عجوز أحد التلاميذ من هذا الذي تتبعونه، فقال ألا تعلمين من هذا؟ هذا الإمام الرازي، هذا الذي له ألف دليل على وجود الله...!
فردت العجوز، بل هذا الذي لديه ألف شك في وجود الله، فوجود الله لا يحتاج إلى دليل!
فلسفة بسيطة تثبت أن الذي ينافح عنك عملك وليس ما تقول، فكم من متصدر للأقوال لم يقدم للمجتع شيء، وكم من صامت أثر في متحدثين.
* أكاديمي وباحث – جامعة أم القرى
Kkattaf2014@gmail.com