محاذير في تصوير الأموات وحالات الاحتضار
محاذير في تصوير الأموات وحالات الاحتضار
-A +A
القاضي عبدالله بن محسن الصاعدي*
امتن الله على خلقه من بني آدم أن كرمهم على سائر خلقه، ومن كرامته بأن حفظ لهم أنفسهم وأعراضهم وأموالهم بأن تصان وتحفظ من الاعتداء عليها ماديا أو معنويا بغير وجه حق، وجعل هذه الكرامة ممتدة إلى حين مماته حتى يوارى في الثرى، ولهذا قرر شرعنا الحنيف قاعدة من قواعده الكلية وهي «أن حرمة الميت كحرمة الحي»، قال صلى الله عليه وسلم «كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا»، قال ابن حجر رحمه الله في شرحه لصحيح البخاري: «يستفاد منه (أي الحديث) أن حرمة المؤمن بعد موته باقية كما كانت في حياته»، والموت لا يهدر كرامة المعصوم أبدا، بل كرامته باقية، ولهذا اختلف أهل العلم كثيرا في مسألة تشريح جثة الميت للاستفادة العلمية وكذلك التبرع بأعضائه من أجل الحفاظ على حرمته وكرامته.

واستجد في هذا الزمان أمر ممجوج فطرة ومحرم شرعا ومجرم نظاما وهو تصوير الأموات حال وقوع الحوادث، سواء مرورية أو بسبب جوائح سماوية ونحوها، أو تصويرهم حال احتضارهم أو إصابتهم، كل ذلك لأجل سبق صحفي _ زعموا _ أو لأجل زيادة حسابه وكسب عدد من المتابعين الجدد ليكون من المشاهير الذين يشار إليهم بالبنان وكثير منهم هم خواء.


وفي تصوير الأموات أو حال الاحتضار أو المصابين محاذير شرعية ونظامية:

أولا: لما تقدم من أن حرمة الميت كحرمة الحي، فلا يجوز الاعتداء عليه بأمر لم يرتضه فكان أنه لا يرتضي أحدا أن يصوره في حال حياته أو صحته في وضع لا يحبه أو فيه ظهور لعورته، فكذلك حال موته، فإن له حرمة معتبرة ولهذا نص كثير من أهل العلم، أن الميت يتأذى مما يتأذى منه الحي لعموم الأدلة التي جعلت حرمة الميت كحرمة الحي.

ثانيا: إن فيه أذى لأهل الميت أو المصاب، وإدخال الهم والغم على قلوبهم وهتك لحرمة أهليهم، ونهى الله سبحانه عن أذية عباده المسلمين، فقال سبحانه ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ وهذا يشمل الإيذاءَ الحسي والمعنوي، بالقول أو بالفعل، ومنها ما نحن فيه.

ثالثا: كفل النظام للناس الحفاظ على أنفسهم وأعراضهم وسمعتهم فسن من الأنظمة ما تحفظ لهم حقوقهم، وتوعد من يتعدى عليها بالعقاب الرادع والجزاء الشديد، ومن ذلك ما جاء في نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية في مادتيه الثالثة والسادسة، فقد جعلت من يخوض في الحياة الخاصة لأحد من الناس بالنشر والترويج انتهاكا لحرمته وحرمة القيم والآداب العامة وتصوير الأموات أوالمحتضرين فيه انتهاكا لحرمتهم الخاصة التي جعلها الشرع كحرمة الحي وحرمة ذويهم.

ولهذا يحق لذوي الميت التظلم لدى الجهات المختصة بحقهم الخاص للمطالبة بحقه التي انتهكت حرمته، وبالأذى الحسي والمعنوي الذي تسبب فيه من انتهك حرمة ميتهم بتصويره ونشره بين العالمين، والله من وراء القصد وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

* رئيس محكمة رابغ سابقا

alsaidi.ksa@gmail.com