ما كتبه الفيلسوف الدنماركي سورين كيركجارد عن العباقرة عندما قال: «هناك شعرة رقيقة جداً تفصل بين العبقرية والجنون». مقولة استرعت انتباهي! واتضح لي أن هناك الكثيرين يربطون العبقرية بالجنون. وقد عرف التاريخ مبدعين أصيبوا بأمراض الفصام ووجداني ثنائي القطب، منهم شكسبير، سارتر، نيتشه، ديكينز، هوجو وهيمنجواي، ولكن حياتهم كانت بعيدة كل البعد عن المعاناة، فلكل منهم تاريخ حافل بالإبداعات الأدبية. وقد يكون هناك جزء من الحقيقة في ربط العبقرية بالجنون، فقد جاء على لسان العرب قديماً لابن منظور أن هناك مكانا في البادية اسمه «عَبْقَر»، كثير الجن، يقال في المثل: «كأَنهم جِنُّ عَبْقَر»، والمراد به نسبة كل شيء غريب يصعب عملُه إِلى هذا المكان فيقولون عَبْقَرِيٌّ. وعندما قام الأديب طه حسين بدراسة ديوان المتنبي، تبين له أنه كان يعاني من الاكتئاب طيلة حياته الذي قاده إلى الجنون، وهذا يتوافق مع ادعائه للنبوة في تلك الحقبة الزمنية. وفي نظري المعاناة لا تنجب إبداعاً، بل هي حالات فردية اعتمدت على التقارير والدراسات الطبية، فهناك العديد من الناس يعانون من المشكلات النفسية ولم تظهر لديهم أي موهبة. ويظل السؤال والجدل قائمين بين مد وجزر لإثبات مقولة «الفنون ضرب من الجنون» دون الوصول إلى نتيجة حاسمة.