-A +A
أحمد علي أبوعمرو الغامدي - أستاذ علم النبات المشارك بجامعة حائل aaboamr2@yahoo.com
استبشرنا خيراً بصدور قرار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، بإنشاء مجلس للمحميات الملكية برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، فهو قرار تاريخي يأتي في الوقت المناسب، انطلاقاً من أهمية الحفاظ على ما تبقى من مكتسباتنا الفطرية والطبيعية التي تعرضت للتدهور الشديد خلال العقود الماضية، وأملاً في تحقيق مفهوم السياحة البيئية المستدامة الداعمة لبرامج السياحة الوطنية القائمة على البيئة الطبيعية والهادفة لتحقيق المزيد من الوظائف، ومصادر الدخل الوطني، في ظل توازن بيئي مطلوب يقلل الآثار السلبية المحتملة على التنوع الحيوي والبيئة الطبيعية لبلادنا.

ورغم وقوع غالبية المناطق السعودية ضمن نطاق الأراضي الجافة وبعضها ضمن شديدة الجفاف، إلا أنها تنعم بتنوع أحيائي نباتي وحيواني ثري وفريد من نوعه (2800 نوع من النباتات، 79 نوعاً من الثدييات، 99 من الزواحف، 432 من الطيور، 3099 من اللافقاريات)، ولكن نتيجة لعوامل عدة منها: التمدد الحضري العمراني والزراعي وأنشطة التعدين والكسارات، وما تيسر من سهولة الوصول لأعالي الجبال وللمناطق الداخلية من الصحاري بفضل السيارات الحديثة، ومانتج عن ذلك من ممارسات جائرة كالرعي والاحتطاب والصيد، فقد تعرضت الحياة الفطرية بكل مقوماتها إلى ضغوط رهيبة تسببت في هروب واختفاء وانقراض العشرات من النباتات والحيوانات حيث اختفت أشجار وشجيرات كثيرة كالغضى والأرطى والقرَضْ والضبر واللبخ والرقّع ودم الأخوين، والروثة والشيح والقيصوم والجعدة والزعتر وغيرها، واختفت المفترسات البرية كالأسد والنمور والفهود العربية وقطعان الوضيحي والظباء والأرانب والوبر والنعام وغيرها من الطيور والزواحف.


الاهتمام السعودي بالبيئة والحياة الفطرية بدأ مبكراً على يد المؤسس الملك عبدالعزيز، الذي عرف بدوره المهم في إنقاذ الوضيحي (المها العربي) من الانقراض حينما أمر بشحن عدد منها للولايات المتحدة الأمريكية، بهدف الحفاظ عليها وإكثارها ومن ثم إعادتها لمواقعها الطبيعية، ثم أكمل المسيرة من بعده أبناؤه الكرام حتى تم تأسيس الهيئة السعودية للحياة الفطرية عام 1986م في عهد الملك فهد بن عبدالعزيز وبإشراف واهتمام مباشرين من الأميرين سلطان بن عبدالعزيز وسعود الفيصل، وعملت الهيئة على إنشاء المحميات تباعاً حتى بلغ عددها 16 محمية موزعة في جميع أنحاء المملكة، وأعدت الهيئة الإستراتيجيات الوطنية للمحافظة على التنوع البيولوجي بشقيه النباتي والحيواني وساهمت بفعالية في الاتفاقيات والمحافل الدولية ذات العلاقة.

ويأتي الأمر الملكي الكريم بإنشاء المحميات الملكية كامتداد طبيعي وتاريخي لنظام الأحمية (جمع حمى) المتبع منذ العصور القديمة وحتى عصرنا الحاضر، وهي مواقع يتم تخصيصها للمحافظة على الغطاء النباتي الطبيعي وتنميته واستغلاله، وبالتالي المحافظة على أوجه الحياة الفطرية الأخرى، فضلاً عن صون التربة وحمايتها من التعرية والانجراف وبالتالي الحد من آثار التصحر، فمنها ما كان مخصصاً للرعي خلال مواسم معينة، ومنها ما كان محصوراً لحصد الأعشاب في مواسم الجفاف، وأحمية أخرى للاحتطاب وجمع الأخشاب وأخرى لنحل العسل وهكذا.

ومن شواهد اهتمام القيادة السعودية بالبيئة والحياة الفطرية صدور موافقة مجلس الوزراء على الإستراتيجية الوطنية للبيئة الشهر الماضي أي قبل شهر واحد فقط من صدور الأمر الملكي الكريم بإنشاء المحميات الملكية، وهذه الإستراتيجية التي أعدتها وزراة البيئة والمياه والزراعة مشكورة تتمحور حول رؤية محددة وهي: بيئة سعودية مزدهرة ومستدامة تحظى بأعلى درجات الرعاية من الجميع، واشتملت ركائز الإستراتيجية، على عدد كبير من المبادرات حيث كان للمحافظة على الغطاء النباتي ومكافحة التصحر والمحافظة على الحياة الفطرية النصيب الأوفر منها.