-A +A
تركي الحربي
حدثت ثورة ثقافية وفكرية عند بعض الشعوب العربية، طيلة القرن الماضي، وكانت عبارة عن انتشار واسع للثقافة المصرية، عند باقي الشعوب العربية وحتى بعض الأفريقية والأوروبية، بسبب الإنتاج الغزير والمتميز بالإعلام والسينما المصرية، حتى أن بعض الشعوب العربية صارت تعرف جيداً كثيرا من التقاليد والتراث واللهجة المصرية.

شكلت صناعة السينما في مصر الدخل الثاني للخزينة المصرية بعد زراعة وإنتاج القطن، لهذا أولت الحكومة المصرية بالاشتراك مع القطاع الخاص وصناع السينما، الأولوية الكبرى والاهتمام البالغ لقطاع صناعة الأفلام، بحرصهم على الجودة، وكذلك الحرص على نقل الصورة الأجمل عن واقع حياة وثقافة وتراث شعب أرض الكنانة.


أما في مطلع القرن الحالي، وحتى يومنا الحاضر، حدثت ثورة فكرية وثقافية أخرى، حصل فيها تبادل بالمراكز بين مصر وشقيقتهم السعودية، وجاء ذلك بصورة مفاجئة، كان للأقدار نسبة ضئيلة بما حدث، والنسبة الأعظم كانت بسبب الهمة والجدية بالعمل الدؤوب للقيادة والشعب السعودي، وبما تمتع به السعوديون من التروي والحكمة والصبر بلا كلل وملل، لأجل بلوغ الغاية بشكل تدريجي وتصاعدي. وتم تسليم راية الانتشار الثقافي من قبل السلف (المصريين) إلى الخلف (السعوديين)، الذين نالوها بأحقية واقتدار وعن جدارة واستحقاق، وكما كان الإعلام والسينما هما السببان اللذان أوصلا المصريين إلى انتشار ثقافتهم، كذلك كان لهما نصيب الأسد بانتشار الثقافة السعودية، مع الاختلاف بطرق معطيات العصر.

منذ بدأ استخدام الشعب السعودي للشبكة العنكبوتية، وهم يتركون فيها بصمة واضحة وحضورا واسعا لهم، وتحديداً عن طريق إغراق مواقع الويب بمحتوى اللغة العربية، مختوما بماركة سعودية، وتزايد إنتاج المحتوى العربي الذي يقوم به السعوديون بالإنترنت بشكل تصاعدي، حتى وصل حد الاكتساح. في بداية الأمر كان نشر الثقافة السعودية بالإنترنت عن طريق التدوين ومواقع التعارف وهي الصورة التقليدية لما كانت عليه الشبكة العنكبوتية في ذلك الزمان، وبعد التطور السريع بالتكنولوجيا والإنترنت على مستوى العالم، تزايد عدد المستخدمين السعوديين للشبكة، ومن جميع الأعمار والفئات، مما أحدث ثورة فكرية وثقافية داخل المجتمع السعودي، وزاد من انتشار الثقافة السعودية على مستوى العالم، وبشكل واسع وسريع، مواكبا سرعة تطور التقنيات الحديثة، عبر صناعة محتوى إعلامي في مواقع التواصل الاجتماعي، وبأساليب وطرق إعلامية حديثة، أطلق عليها لاحقاً اسم الإعلام الجديد. مع أن هناك شعوبا عربية تتفوق على الشعب السعودي بعدد السكان مثل مصر والعراق والجزائر، ولكن تميز الشعب السعودي بصفة خاصة وهي أن غالبية الشعب السعودي في سن الشباب الذي لم يتجاوز الثلاثين من العمر، ومن أجله تفوق السعوديون على باقي الشعوب العربية، وكذلك على الكثير من شعوب العالم الأخرى.

إن الشباب السعودي الممتلئ بالحيوية والنشاط، يتطلع دائماً ليكون الأفضل والأجدر بين شعوب العالم بمواكبته لكل المستجدات في عالم التكنولوجيا والابتكارات العلمية الحديثة وفي جميع مجالات المعرفة، لذلك أصبح جميع سكان المملكة من الصغار والكبار، يتمتعون بحيوية ونشاط الشباب.

أصبح استخدام مواقع الإنترنت وتحديدا مواقع التواصل الاجتماعي، أمراً أساسياً عند الشعب السعودي، بسبب أنه الوسيلة الأكبر والأسهل لاكتساب المعرفة ونشر الثقافة والتراث، وحتى عند الجهات الرسمية والقطاعات الخاصة داخل المملكة، تم الاعتماد على التقنيات الحديثة والمتطورة لمواكبة التطور السريع الذي يشهده العالم بأسره، ليساعد في دفع عجلة التنمية والنهضة للمقدمة، والاهتمام ببناء الإنسان الذي يشكل العنصر الرئيسي والركيزة الأساسية، للوصول إلى بناء الوطن، وهذا ما نراه على أرض الواقع في رؤية السعودية 2030 الهدف الأسمى للسعوديين.

turki@turki4.com