ما دامت الحياة مستمرة بين البشر فالخصومات بينهم أمر واقع لا محالة إلا من رحم ربي لأن كثيراً من الخلطاء لَيبغي بعضهم على بعض، فقد نهى الإسلام عن الفجور في الخصومة وجعلها علامة من علامات النفاق الخالص فعن عبدالله بن عمرو أَن النبي صَلَّى الله عليه وسلم قال «أربع من كنَّ فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدَّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر» رواه البخاري، ولقد سمى ربنا جل وعلا في كتابه الكريم الفجور في الخصومة «لدداً» قال تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ) الألد الشديد اللدد أي الجدال، كما قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم «إِنَّ أَبْغَضَ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الْأَلَدُّ الْخَصِمُ»، فالفجور في الخصومة يكون بالميل عن الحق والاحتيال في رده، فإذا خاصم أحداً اتخذ كل السبل غير المشروعة، واحتال فيها حتى يأخذ الحق من خصمه، فالأصل في الناس عدم الاختلاف والخصومة، فقد حث الشرع الحنيف المسلم على التحلي بالعفو والصفح وأوجب عليه أن يقتدي بفضيلة وخلق العفو والتسامح، وألا يجعل الخصومة سبيلاً إلى معاداة الآخرين والنيل منهم وخاصة ذوي الأرحام، فقد أصبحنا الآن في خصومات بين الأسرة الواحدة، وبين أبناء العمومة وبين الأصدقاء وحتى بين الجيران، وأشدها إيلاما وحزنا التي تحصل بين الأشقاء، وذوي القربى، وهنا يكون الإثم أعظم. وهذه الخصومات عادة ما تكون لأسباب بسيطة وتتسبب في الكثير من المشكلات الاجتماعية وتؤدي إلى التحاسد والتباغض. وما نجده في الواقع العملي وأمام المحاكم قيام بعض الخصوم بتجاوز حدود الأصول المنظمة لعملية التقاضي بل وتجاوز بعضهم حدود الخصومة، وإساءة الأدب مع خصمه، وممارسته أنواعاً من الاستفزاز والتحريض، حتى أن البعض -وللأسف الشديد- يترك ما جاء من أجله في مجلس القضاء وينشغل في الانتقاص من خصمه، وتحريض الآخرين ضد خصمه، والاستعلاء عليه، وكل هذه منهي عنها شرعاً، أعاذنا الله وإياكم منها ومن سائر الذنوب والآثام.