قبل سبعين عاماً من الآن، كان الياباني يتحمّل، رغماً عنه، تبعات الحرب العالمية الثّانية، كان ملزماً بالارتكان إلى «خانة المهزوم»، وقبول الشّروط والقوانين التي يفرضها عليه «المُنتصر»، كان مؤهلاً للخروج من التّاريخ. قنبلتا هيروشيما وناغازاكي وضعاته في مُساءلة حرجة مع نفسه، وعن جدواه في مستقبل الحراك البشري. تحوّل الياباني، في لحظة من اللحظات، إلى ظلّ لنفسه، خائفاً من تفاقم التّبعات، مستسلماً لأسياد العالم الجدد حينها، كان يدكّ رأسه في التّراب كي لا يُعيد النّظر إلى نفسه في المرآة.
لهذا السّبب، لن نجد كتابات يابانية عن السّنوات الأولى التي تلت 1945، ورغم أن الياباني اشتهر بتدوين كلّ ما يدور في أرضه، أو ما يدور قريباً منها، فقد تنازل عن حقّه في سرد شهادات عن مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثّانية، فمجرد التّفكير في العودة إلى «هزيمته» كان يخيفه، ويشعره بارتباك.
فكرّ في محو عشر سنوات من تاريخه الحديث، القفز فوق سور الأحداث، وتجنّب مشاعر الخسران التي كانت تلوّن يومياته. كان الياباني أسيراً لمُركّب نقص تجاه الغربي، الأميركي خصوصاً، كما لو أنّه ﺒ«صمته»، كان يطلب منه «غفرانا» وإعادة ترتيب التّاريخ، بشكل يسمح للياباني تجاوز خيباته، لكن هذا الأمر لم يحصل.
من جهتهم، الأمريكان كانوا يتوجسّون من الياباني، كانوا يرون فيه عدواً محتملاً، في المستقبل، قد يستعيد عافيته، وينهض، ويصير خصماً متجدداً. وقد يسبب لهم أزمات جديدة، ويتحوّل إلى منافس عنيد في التوسّع في أراضي الشّرق الآسيوي. هكذا راحوا ينوّعون من حروبهم على اليابانيين، خصوصاً منها الحروب النّفسية، بتصوير الياباني في المخيال الجمعي على أنه كائن «غير متحضّر»، عدواني، صدامي، مستفزّ، غير مؤدب، عنيف، غير أمين، وهي صور مصطنعة عن الياباني، حبكها الأمريكان، وروّجوا لها في كتب وفي أفلام وفي جرائد يومية، وسرعان ما ستنتقل هذه الصّورة السّلبية عن الياباني، إلى أوربا، مع مطلع الخمسينيات، من القرن الماضي، ليصير الياباني منهكاً من حرب خلفت الملايين من القتلى، ومن الصّور والكليشيهات المُسيئة التي أُلصقت به من طرف الأمريكيين والأوربيين، يعيش فيما يشبه «غيتو»، لا يطلّ على العالم سوى خجلاً، ولا يتكلّم عن نفسه سوى بصوت خافت.
عزلة الياباني
«أن نموت من أجل الوطن» لأكيرا يوشيمورا (1927-2006)، هي واحدة من الرّوايات اليابانية القليلة جداً، واللافتة، عن مرحلة الحرب العالمية الثّانية، وعن وضعية الياباني بعدها. تنطلق من حكاية الجندي «شينيشي هيغا»، الذي يقبل خوض الحرب، حباً في الوطن وفي الإمبراطور، ليجد نفسه لاحقاً «وحيداً» منكسراً، مثلما انكسر الملايين من مواطنيه. هذه الرّواية تقدّم بورتريهات متقاطعة لشخصية الياباني، المُكافح والمُدافع عن أرضه، لكنه سرعان ما سيتحوّل لناقم على نفسه وعلى تاريخه بعد تأكّد خسارته أمام الخصم الأميركي، وهنا تظهر واحدة من تناقضات الشخصية اليابانية، الممسوسة بنوع من التّطرف في علاقتها بالأرض، شخصية مغمّضة العينين في علاقتها بماضيها، من دون مُساءلة أو نقد ومن دون الانتباه لخصوصيات الحرب، وسوء تقدير لإمكانات العدو، هكذا إذاً تختلط الشّجاعة بالسّذاجة، التي سيدفع الياباني ثمنها لسنوات طويلة.
العار صار «يابانياً»، في العقد الأوّل، الذي تلا الحرب العالمية الثّانية، والأمريكان لم يكونوا رحيمين مع عدوّهم «التّاريخي»، أرادوا أن ينقلوه من حرب ميدانية إلى أخرى نفسانية، ليخرج منهما منهكاً، مصدوماً، ومستسلماً.
انطوت هذه الخلطة على مثقفي البلد، وكتّابه، الذين أداروا ظهورهم لحقبة الحرب، وتراكماتها، وما لحق بهم من «إساءات»، وشرعوا في تجربة أدبية مُعاكسة، لاستعادة «اليابان المفقود»، وإعادة تقديمه للعالم بشكل يُخالف الرّواية الغربية، التي حاكتها أميركا وتبنّتها أوربا، والدّول المنتصرة في الحرب، من بعدها.
كآبة وتشاؤم
مع بداية القرن العشرين، كان قد ظهر في اليابان أسلوب كتابة سردية، يطلق عليه النّقاد: واتاكوشي شوسيتسو، وهو نمط كتابي يقوم على السّرد الذّاتي، يصير فيه المؤلف بالضرورة راوياً، مع أهمية أن تكون القصّة واقعية، وأن يتمتع الكاتب بقدر واسع من المعرفة الأدبية، التي ستظهر في النصّ، هذا الشّكل الأدبي سيُساهم، لسنوات طويلة، في خدمة اللغة اليابانية، مع أنه لم يحظ بقبول واسع من طرف القراء، ويمكن أن نجد أثراً له في روايات أوسامو دازاي (1909-1948)، حيث طغى «تشاؤم عميق» على كتاباته التي صدرت، في نهاية الحرب العالمية الثّانية، كما لو أنه كان غير راض بالمصير الذي حل ببلده، وهو شعور يتقاسمه اليابانيون في مجملهم، كانت خسارة الحرب -بالنسبة لهم- أشبه ﺒ«وِزر» سيحملونه على ظهورهم طويلاً.
في 1947، عامان بعد الحرب، أصدر أوسامو دازاي رواية «غروب»، التي تحكي عن سقوط طبقة النّبلاء، في المجتمع الياباني، وفقدها لخصوصياتها، عن بؤس الإنسان الياباني، وفقدانه للثّقة في النّفس، وتضيّعه لبوصلة العيش الكريم بعد الحرب. وروايات الكاتب نفسه، التي تلتها، أيضا اتّسمت بالسّوداوية، وبقلق مضاعف من مصير أجيال ما بعد الحرب في البلد. حينها كان السّؤال الأكبر: هل سيُداوي اليابان جرحه بأقل الخسارات أم لا؟ لم يكن أحد، بين أوساط المثقفين، يتجرّأ على طرح السّؤال الآخروالمغاير: هل سيستعيد اليابان مكانته في محفل الدّول؟! الجميع كان متّفقا تقريباً على أن ساسة البلد ورطوا اليابان في مصائر لا تعنيه.
أمام هذا «اليابان المنكوب»، العاجز عن الدّفاع عن تاريخه وعن ماضيه الإنساني، كان ينمو أدب، في الهامش، أدب مختلف، يهتمّ بتصحيح عثرات السّياسة، ويركّز على الإنسان المحلي، عن تحوّلاته التي حصلت والتي يجب أن تحصل بعد الحرب، أدب حاول تنقية الياباني من شوائب «الحرب النفسية» التي كان يتعرّض لها، فبعد ربع قرن من إعلان اليابان دخوله الحرب العالمية الثّانية، ثم تحمّله للفجائع، سيسطع اسم ياسوناري كواباتا (1899-1972)، ليعيد للأدب الياباني «عذريته» المفقودة، خصوصاً بعد حصوله على جائزة نوبل للأدب (1968).
روايات كواباتا تمتاز -في الغالب- بحجمها الصّغير (بلاد الثّلج، الجميلات النّائمات، حزن وجمال، إلخ)، وبكثافتها في وصف سوداوية النفسية اليابانية، وعبثيتها، لكنها، بالمقابل، حرّرت اليابان من ثقل التّاريخ الحديث، من مشاعر الذّنب التي تملكته عقب الحرب العالمية الثّانية، جاءت روايات كواباتا كمضادّ للخيبة، بديل للصّورة المشوّهة عن مواطنيه، أعاد الكاتب تصدير صورة مختلفة عن اليابانيين، فالتّشاؤم الذي كان يسكن شخصياته تحوّل إلى «دينامو» قذف بالياباني إلى الواجهة مجدداً.
بعد ياسوناري كواباتا سيدخل الأدب الياباني مرحلة جديدة، سيستعيد مكانته في محفل الدّول، ويعيد، بذلك، البلد كلّه إلى مكانته الطّبيعية، تنوّعت الكتّابات والأسماء، من يوكيو ميشيما (1925-1970) إلى هاروكي موراكامي اليوم (1949-)، من رواية «اعترافات قناع» إلى رواية «رقص، رقص، رقص» عالج اليابانيون تاريخهم وعدّلوا صورتهم المشوّهة بالأدب، قاوموا، وقاموا بحرب «مضادّة» على من أساء إليهم، سلاحهم الوحيد، في نصف القرن الماضي، كان وما يزال واحداً: الأدب، أدبهم الذي يكاد يترجم لكل لغات العالم، وقد وجد مكاناً علياً له تحت شمس العرب.
هذه المسارات التي قطعها الياباني، في نصف قرن، وغيّر فيها من صورته، من سيئة إلى إيجابية، تحمل رسالة مهمّة للعرب: هل بإمكان الأدب العربي أيضاً يلعب دوره كاملاً في تحسين صورة العربي في العالم؟
منذ أحداث 11 سبتمبر 2001، ارتفع الضّغط على «العربي»، زاد الغرب في تحامله عليه، في «شيطنته». في العامين الماضيين، مع ما حصل في فرنسا وبلجيكا، بلغ «العداء ضدّ العرب» في أوربا خصوصاً أوجه. لكن، لن نتّكل كثيراً على السّياسة لاستعادة «روح الأندلس» التي بناها العرب، فقد أثبتت محدوديتها، لكن ربما سنستلهم الدّرس الأدبي الياباني لتصليح ما يمكن تصليحه، شريطة أن ينتبه الكاتب العربي أن مهمته «إعادة بعث» إنسانيته و«أنسنة» فضاءاته الحميمة، التي يغفل عليها الغرب، لا أن يعيد استنساخ تجارب أدبية غربية، لن تنفعه سوى في الأمد القصير!
___________
*صحفي وأديب جزائري
لهذا السّبب، لن نجد كتابات يابانية عن السّنوات الأولى التي تلت 1945، ورغم أن الياباني اشتهر بتدوين كلّ ما يدور في أرضه، أو ما يدور قريباً منها، فقد تنازل عن حقّه في سرد شهادات عن مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثّانية، فمجرد التّفكير في العودة إلى «هزيمته» كان يخيفه، ويشعره بارتباك.
فكرّ في محو عشر سنوات من تاريخه الحديث، القفز فوق سور الأحداث، وتجنّب مشاعر الخسران التي كانت تلوّن يومياته. كان الياباني أسيراً لمُركّب نقص تجاه الغربي، الأميركي خصوصاً، كما لو أنّه ﺒ«صمته»، كان يطلب منه «غفرانا» وإعادة ترتيب التّاريخ، بشكل يسمح للياباني تجاوز خيباته، لكن هذا الأمر لم يحصل.
من جهتهم، الأمريكان كانوا يتوجسّون من الياباني، كانوا يرون فيه عدواً محتملاً، في المستقبل، قد يستعيد عافيته، وينهض، ويصير خصماً متجدداً. وقد يسبب لهم أزمات جديدة، ويتحوّل إلى منافس عنيد في التوسّع في أراضي الشّرق الآسيوي. هكذا راحوا ينوّعون من حروبهم على اليابانيين، خصوصاً منها الحروب النّفسية، بتصوير الياباني في المخيال الجمعي على أنه كائن «غير متحضّر»، عدواني، صدامي، مستفزّ، غير مؤدب، عنيف، غير أمين، وهي صور مصطنعة عن الياباني، حبكها الأمريكان، وروّجوا لها في كتب وفي أفلام وفي جرائد يومية، وسرعان ما ستنتقل هذه الصّورة السّلبية عن الياباني، إلى أوربا، مع مطلع الخمسينيات، من القرن الماضي، ليصير الياباني منهكاً من حرب خلفت الملايين من القتلى، ومن الصّور والكليشيهات المُسيئة التي أُلصقت به من طرف الأمريكيين والأوربيين، يعيش فيما يشبه «غيتو»، لا يطلّ على العالم سوى خجلاً، ولا يتكلّم عن نفسه سوى بصوت خافت.
عزلة الياباني
«أن نموت من أجل الوطن» لأكيرا يوشيمورا (1927-2006)، هي واحدة من الرّوايات اليابانية القليلة جداً، واللافتة، عن مرحلة الحرب العالمية الثّانية، وعن وضعية الياباني بعدها. تنطلق من حكاية الجندي «شينيشي هيغا»، الذي يقبل خوض الحرب، حباً في الوطن وفي الإمبراطور، ليجد نفسه لاحقاً «وحيداً» منكسراً، مثلما انكسر الملايين من مواطنيه. هذه الرّواية تقدّم بورتريهات متقاطعة لشخصية الياباني، المُكافح والمُدافع عن أرضه، لكنه سرعان ما سيتحوّل لناقم على نفسه وعلى تاريخه بعد تأكّد خسارته أمام الخصم الأميركي، وهنا تظهر واحدة من تناقضات الشخصية اليابانية، الممسوسة بنوع من التّطرف في علاقتها بالأرض، شخصية مغمّضة العينين في علاقتها بماضيها، من دون مُساءلة أو نقد ومن دون الانتباه لخصوصيات الحرب، وسوء تقدير لإمكانات العدو، هكذا إذاً تختلط الشّجاعة بالسّذاجة، التي سيدفع الياباني ثمنها لسنوات طويلة.
العار صار «يابانياً»، في العقد الأوّل، الذي تلا الحرب العالمية الثّانية، والأمريكان لم يكونوا رحيمين مع عدوّهم «التّاريخي»، أرادوا أن ينقلوه من حرب ميدانية إلى أخرى نفسانية، ليخرج منهما منهكاً، مصدوماً، ومستسلماً.
انطوت هذه الخلطة على مثقفي البلد، وكتّابه، الذين أداروا ظهورهم لحقبة الحرب، وتراكماتها، وما لحق بهم من «إساءات»، وشرعوا في تجربة أدبية مُعاكسة، لاستعادة «اليابان المفقود»، وإعادة تقديمه للعالم بشكل يُخالف الرّواية الغربية، التي حاكتها أميركا وتبنّتها أوربا، والدّول المنتصرة في الحرب، من بعدها.
كآبة وتشاؤم
مع بداية القرن العشرين، كان قد ظهر في اليابان أسلوب كتابة سردية، يطلق عليه النّقاد: واتاكوشي شوسيتسو، وهو نمط كتابي يقوم على السّرد الذّاتي، يصير فيه المؤلف بالضرورة راوياً، مع أهمية أن تكون القصّة واقعية، وأن يتمتع الكاتب بقدر واسع من المعرفة الأدبية، التي ستظهر في النصّ، هذا الشّكل الأدبي سيُساهم، لسنوات طويلة، في خدمة اللغة اليابانية، مع أنه لم يحظ بقبول واسع من طرف القراء، ويمكن أن نجد أثراً له في روايات أوسامو دازاي (1909-1948)، حيث طغى «تشاؤم عميق» على كتاباته التي صدرت، في نهاية الحرب العالمية الثّانية، كما لو أنه كان غير راض بالمصير الذي حل ببلده، وهو شعور يتقاسمه اليابانيون في مجملهم، كانت خسارة الحرب -بالنسبة لهم- أشبه ﺒ«وِزر» سيحملونه على ظهورهم طويلاً.
في 1947، عامان بعد الحرب، أصدر أوسامو دازاي رواية «غروب»، التي تحكي عن سقوط طبقة النّبلاء، في المجتمع الياباني، وفقدها لخصوصياتها، عن بؤس الإنسان الياباني، وفقدانه للثّقة في النّفس، وتضيّعه لبوصلة العيش الكريم بعد الحرب. وروايات الكاتب نفسه، التي تلتها، أيضا اتّسمت بالسّوداوية، وبقلق مضاعف من مصير أجيال ما بعد الحرب في البلد. حينها كان السّؤال الأكبر: هل سيُداوي اليابان جرحه بأقل الخسارات أم لا؟ لم يكن أحد، بين أوساط المثقفين، يتجرّأ على طرح السّؤال الآخروالمغاير: هل سيستعيد اليابان مكانته في محفل الدّول؟! الجميع كان متّفقا تقريباً على أن ساسة البلد ورطوا اليابان في مصائر لا تعنيه.
أمام هذا «اليابان المنكوب»، العاجز عن الدّفاع عن تاريخه وعن ماضيه الإنساني، كان ينمو أدب، في الهامش، أدب مختلف، يهتمّ بتصحيح عثرات السّياسة، ويركّز على الإنسان المحلي، عن تحوّلاته التي حصلت والتي يجب أن تحصل بعد الحرب، أدب حاول تنقية الياباني من شوائب «الحرب النفسية» التي كان يتعرّض لها، فبعد ربع قرن من إعلان اليابان دخوله الحرب العالمية الثّانية، ثم تحمّله للفجائع، سيسطع اسم ياسوناري كواباتا (1899-1972)، ليعيد للأدب الياباني «عذريته» المفقودة، خصوصاً بعد حصوله على جائزة نوبل للأدب (1968).
روايات كواباتا تمتاز -في الغالب- بحجمها الصّغير (بلاد الثّلج، الجميلات النّائمات، حزن وجمال، إلخ)، وبكثافتها في وصف سوداوية النفسية اليابانية، وعبثيتها، لكنها، بالمقابل، حرّرت اليابان من ثقل التّاريخ الحديث، من مشاعر الذّنب التي تملكته عقب الحرب العالمية الثّانية، جاءت روايات كواباتا كمضادّ للخيبة، بديل للصّورة المشوّهة عن مواطنيه، أعاد الكاتب تصدير صورة مختلفة عن اليابانيين، فالتّشاؤم الذي كان يسكن شخصياته تحوّل إلى «دينامو» قذف بالياباني إلى الواجهة مجدداً.
بعد ياسوناري كواباتا سيدخل الأدب الياباني مرحلة جديدة، سيستعيد مكانته في محفل الدّول، ويعيد، بذلك، البلد كلّه إلى مكانته الطّبيعية، تنوّعت الكتّابات والأسماء، من يوكيو ميشيما (1925-1970) إلى هاروكي موراكامي اليوم (1949-)، من رواية «اعترافات قناع» إلى رواية «رقص، رقص، رقص» عالج اليابانيون تاريخهم وعدّلوا صورتهم المشوّهة بالأدب، قاوموا، وقاموا بحرب «مضادّة» على من أساء إليهم، سلاحهم الوحيد، في نصف القرن الماضي، كان وما يزال واحداً: الأدب، أدبهم الذي يكاد يترجم لكل لغات العالم، وقد وجد مكاناً علياً له تحت شمس العرب.
هذه المسارات التي قطعها الياباني، في نصف قرن، وغيّر فيها من صورته، من سيئة إلى إيجابية، تحمل رسالة مهمّة للعرب: هل بإمكان الأدب العربي أيضاً يلعب دوره كاملاً في تحسين صورة العربي في العالم؟
منذ أحداث 11 سبتمبر 2001، ارتفع الضّغط على «العربي»، زاد الغرب في تحامله عليه، في «شيطنته». في العامين الماضيين، مع ما حصل في فرنسا وبلجيكا، بلغ «العداء ضدّ العرب» في أوربا خصوصاً أوجه. لكن، لن نتّكل كثيراً على السّياسة لاستعادة «روح الأندلس» التي بناها العرب، فقد أثبتت محدوديتها، لكن ربما سنستلهم الدّرس الأدبي الياباني لتصليح ما يمكن تصليحه، شريطة أن ينتبه الكاتب العربي أن مهمته «إعادة بعث» إنسانيته و«أنسنة» فضاءاته الحميمة، التي يغفل عليها الغرب، لا أن يعيد استنساخ تجارب أدبية غربية، لن تنفعه سوى في الأمد القصير!
___________
*صحفي وأديب جزائري