يتهم مثقفون الملتقيات الصيفية أنها الحاضن الأول لما عرف بـ«الصحوة» في الثمانينات من القرن الماضي. (عكاظ)
يتهم مثقفون الملتقيات الصيفية أنها الحاضن الأول لما عرف بـ«الصحوة» في الثمانينات من القرن الماضي. (عكاظ)
-A +A
علي الرباعي (الباحة)
كانت الصحوة وما زالت تحشد الأصوات. وتعد بالمآلات الكبرى. وترسم للحالمين فضاء إسلاموية مختلفة. وفي ظل إعادة فتح حقيبة الصحوة. حرصنا على سماع وقراءة أكثر من وجهة نظر خصوصا من مثقفي المحافظات النائية عن المركز. ونحن وسطاء في نقل وجهات نظر للقارئ، خصوصا ممن عاشها وعايشها. وامتدح رئيس اللجنة الثقافية في العرضيات الكاتب محسن السهيمي محافظتهم أنها تأثرت كغيرها بالصحوة التي وصلتها أواخر الثمانينات من القرن الماضي عبر أشرطة الكاسيت والكتيبات والمطويات وبعض المحاضرات والكلمات الوعظية. ويؤكد أن الصحوة أعادت المجتمع إلى نقاء العقيدة وصحيح العبادة وحب الخير إلا أن عليها جملة مآخذ، منها تركيزها على الشكل الخارجي وجعلها إياه الفاصل بين التقوى وخلافها. إضافة إلى اهتمامها بالنفع الذاتي في أمور العبادات على حساب النفع المتعدي، ومبالغتها في الاهتمام بـ(الأمة) على حساب الوطن والمجتمع، وصناعتها -من حيث لا تشعر- لجدار فصل وتمايز بين تقيٍّ وفاسق، وجعْلها الصواب والحقيقة صفتَين ملازمتَين لأتباعها لا يُقبل معهما حوار ولا رأي، وتقصيرها في تعزيز جوانب السلوك والتعامل الحسن، وضدِّيتها مع بعض وسائل التقنية الحديثة. ولا يستغرب السهيمي اجتياحها السريع للمشهد لأنها صوت استند على جانب الإيمان والتقوى والمصير والوعد والوعيد ما جعله أولى بالاتباع والانقياد له لأنه يعزف على وترٍ الكلُّ يجلُّه ويقدسه ويحترمه وهو الإيمان والتقوى. ويذهب إلى أن قوى الممانعة فشلت في مجابهتها كون حججها ومستمسكاتها قوية وناصعة وشريفة. وأضاف: مع مرور الوقت بدأت تظهر على الصحوة وأتباعها بعض الأخطاء والمخالفات ما اقتضى أن يكون هناك نوع من المصارحة والممانعة التي تأخذ شكل النصيحة وأحيانا تصل لما هو أبعد. لافتاً إلى أن مراكز انطلاق الصحوة كانت أكثر صحوية من مجتمعات المراكز النائية. ويرى أن من أبرز تجلياتها اليوم ظهر جيل معتدل ووسطي مقابل استمرار بعض أتباعها في خط سيرهم برغم ما يعتريه من أخطاء، وتعدد انتماءات (بعض) أتباعها بين التيارات الدينية الحادثة، واتساع حالة الانفصال بين القول والفعل لدى بعض أتباعها، واستغلال بعض أتباعها لحالة القبول لدى المجتمع لتحقيق منافع خاصة، وتحول بعض أتباعها عنها متحللاً من كل مبادئها وقيمها النبيلة. من جهته، قال القاص ظافر الجبيري: يبدو أن قدر الأطراف البعيدة عن المركز أن تتحمل أعباء إضافية. إذ نجم عن الصحوة القضاء على الاختلاف والتنوع الجميل والنقي الذي طبع المنطقة الجنوبية لعقود بل ربما قرون طويلة. ويرى أن هذا النقاء لو استمر بكامل تفاصيله ومشهدياته لرأينا التسامح ينتقل من عالم البساطة في الزراعة والرعويات والبهجة التي تزين الماضي زمن ما قبل الصحوة إلى عالم من المسرح والغناء وتمثيل الحياة الحقة بلا تشويه أو اشتراطات ذات خصوصية ماحقة. ويؤكد أن أرياف وقرى عسير من شمالها حتى أبها الحاضرة والحاضنة كانت أكثر تسامحا حتى جاءت الصحوة لتبث ما تحمله أفكار الصحويين من إقصاء لما كان عليه الناس من تسامح وعفوية وتدين فطري لتحل محله مفاهيم وتعبيرات الصحوة التي فعلت فعلها في قرى ناعسة بين الغيم والجبل لتوقظ الجميع على كابوس أقرب للمحرقة التي تأكل الشباب وتدفع بهم نحو الشمال للقتال ضد ما أسموهم بـ"أعداء الأمة". ويذهب إلى أن الاختراق والتجييش ودمج هذه المناطق في مشروع الصحوة لم يكن العامل الوحيد في حضور الصحوة في الأرياف كون العامل الاقتصادي له دور أيضا في التحول والاستقطاب، فقد استغل التحسن الاقتصادي النسبي في التبرعات كما في مناطق أخرى.

وأوضح أنه ربما انحسرت الصحوة اليوم. وربما تغير التكتيك واتخذ صورا ومخرجات أخرى منها تحويل الحراب إلى الداخل نحو الأفراد من الأسرة قبل توجيه تلك الحراب إلى السلطة. ويرى أن الثقافة والمنتمين لها دفعوا ثمنا باهظا ليس أقله تعطيل عجلة التنمية الثقافية بشكل أو بآخر ما جعل التحديث والتطوير تهمة من تهم التغريب والشيطنة والارتهان للغرب. وأضاف: في المجمل لم يبق إلا القليل من الصحوة لأن وعيا جديدا ظهر لدى الجيل الجديد الذي امتلك سلاح المعلومة واطلع على الوجوه الأخرى للصورة، بل رأى مساوئ الفترة السابقة حتى على الحياة العامة. ولم يعد يسير مع من يقوده على غير هواه. جيل يرفض من يأخذه نحو استقطابات عمياء بل إن جيل الوسط (الآباء) صار يسائل ويحذر بل ينأى بنفسه وبأفراده عن التحزب المقيت والتخندق المهلك.