في السنوات الأخيرة، تعدّدت الوسائط الثّقافية، في الإنترنت، وارتفع عدد المواقع الإلكترونية، في الوطن العربي، وانخرطت مواقع التواصل الاجتماعي في الخطّ نفسه. مع ذلك، الثقافة لا تزال في أدنى سلّم اهتمامات الفرد العربي، معدلات المطالعة تراجعت، ومعها الحسّ النّقدي. صار الأدب -مثلاً- يبدو كائناً يتيماً، ينظر إليه البعض بشفقة، أما معارض الفنّ التشكيلي فصارت أشبه ﺒ«كاريكاتير» يضحك منها البعض الآخر، بسبب عزوف النّاس عن حضورها. من هنا السّؤال: أين هنا المشكل، رغم هذا الحراك الثّقافي، في الإنترنت وفي المطبوعات، اليومية والدّورية؟! هل الإعلام الثّقافي بات غير قادر على إقناع النّاس بوظيفته؟ من المتّفق عليه، أن الإعلام يؤثّر إيجاباً على الثّقافة، وعلى انتشارها –وقد يؤثرّ سلباً في حالات أخرى–. يوفّر لها إطاراً مناسباً للانتقال من فضاءاتها المعروفة إلى فضاءات أوسع، وفي توقيت زمني أسرع. الإعلام يمتلك القدرة على نقل الأدب والفنّ من جغرافيا إلى أخرى، أن يتجاوز معهما الحدود، أن ينقلهما إلى أقاليم لغوية مختلفة، ويمنحهما فرصة ملاقاة جماهير مختلفة، لم يكن الأدب، ومعه الفنّ، ليبلغوها لو بقيا مكتفيين بالبيئة التي وُلدا فيها.
الإعلام هو القوّة النّاعمة، التي قضت عقوداً في الخفاء، قبل أن تحقق صعوداً مدوياً، في الخمسين سنة الماضية، لم تعد مجرد وسيط إخباري، بل هي «آلة» الرّأي، ومقود في تحديد توجهات السّياسة العامّة لبعض الدّول، هي الوجه الذي نعرف منه ملامح مجتمع ما، هي نقطة وصل بين أفراد وتكتّلات اجتماعية فيما بينها، التّعامل معه يستوجب الإلمام بجملة من المعارف، كي لا نُخطئ الفهم من جهة، ولا نسقط في سوء الفهم من جهة أخرى. هكذا، يصير الفرد، سواء العربي أو الغربي، ملزماً بالعيش والتّعايش مع الإعلام، أن يحدّد علاقة سليمة معه، وخصوصاً أن يستفيد منه. الإعلام يصنع مكانة له، من خلال ما يقدّمه من مواد إخبارية، وأخرى نقاشية، ولكن أيضاً من خلال ما يقدّمه من مواد استهلاكية ثقافية، نعم! الثقافة سلعة، وتحتاج لمستهلك: هو القارئ، المتابع، المهتم بالأدب والفنّ، وللتّرويج لهذه السّلعة لا بدّ من الإحاطة ببعض العناصر المهمّة، أن تقدّم له السّلعة بشكل لائق، وجذّاب، أن تكون في مستوى تطلّعه، أن تستجيب لأهواء القراء المتعدّدة، أن توسّع –خصوصاً– من دائرة متلقيها، أن لا تكون «سلعة ثقافية» موجّهة لفئة معينة من الجمهور، وتلغي البقية. من هنا إذن، من قدرة الإعلام على صناعة سلع ثقافية قابلة للاستهلاك، يمكن للقارئ التّفريق بين الميديا الجيّدة وغير الجيّدة، فالإعلام مهما كانت صيغته: مكتوب، مسموع، مرئي، أو إليكتروني، ليس يمثّل سوى سكّة حديد تنتقل عبرها المادّة الثقّافية، تعبر من خلاله: من المؤلف إلى المتلقي، وتتجوّل –بفضل الإعلام– خلف الحدود، ووراء الأسوار اللسانية.
هذه السّلعة الثّقافية التي ينتجها الإعلام هي خاصية أساسية للحكم على الميديا، ولتقييم أدائها، و«جدّيتها»، ففي غياب السّلعة الثّقافية، واكتفاء الميديا بالبعد الإخباري، فهي تحصر وظيفتها في دور«وكالة أنباء» عادية لا أكثر، تقوم بتدوير الأنباء والوقائع، من دون «غربلة»، ومن دون حسّ نقدي، تفاعلي مع الفضاء الاجتماعي الذي تعيش فيه وتنشط داخله. على عكس ما يذهب إليه البعض، فإنّ الثّقافة هي من يُعرّف الإعلام، وليس العكس، الثّقافة تشمل الإعلام، والإعلام لن يكون سوى جزء منها. من شروط الصّحافي أن يمتلك «ثقافة عامّة»، وفي هذا السّياق، تفترض كلمة «ثقافة» أن تكون جامعة لعدد من المعارف ومن المهارات الفكرية، من الاطلاع ومن المدركات الذّهنية، فالصّحافي ملزم بأن يستوعب حدا معيناً من التّعريفات الثّقافية، ومن المتاع الثقافي، وهذا مُحدّد مهمّ للفرز بين الصّحافيين، والتمييز بينهم. لذلك، يجد بعض الملاحظين اليقظين من الشّاذ تخصيص ركن تحت مسمّى: «ثقافة» في مطبوعة، أو في وسيط إعلامي مسموع أو مرئي أو إلكتروني، لأن تمييز ركن ﺒ«ثقافة» يعني أن الأركان الأخرى تتمايز على الثّقافة، وهذا الأمر غير صحيح تماماً، وربما تكريس ركن بهذا الاسم كان يفترض بها أن يفهم منه أنه ركن موجه لثقافة النّخبة، وليس فقط الثقافة، بمفهومها الأشمل.
في الإعلام الثّقافي، يصير الصّحافي مركزاً لإنتاج السّلعة الثّقافية، محدداً لخصوصياتها، وسبباً في نجاحها من عدمه. لكن هناك عوامل لا بدّ أن تتوفّر في الصّحافي ليقنع المتلقي بالمشاركة في «حرفته»، وفي أن يمنحها جوّاً حسناً في تلقيها. نشعر أحياناً بأن الصّحافيين الثّقافيين –سواء في البلاد العربية أو في الغرب– يعيشون وضعاً أشبه ﺒ«صراعات طبقات»، مقسمين بين توجّهات كثيرة: هناك من يكتب من منظور مخاطبة نخبة، أو لنقل بورجوازية صغيرة، ويلغي من أفقه شرائح كثيرة من المتلقين، وهناك من يكتب عن «ثقافة الأندرغروند» أو«الثّقافة المضادّة»، ليظهر في ثوب المطّلع الحاذق بما يجري.. في هذين التّوجهين، تفقد السّلعة الثّقافية، خصوصاً منها الأدبية، في الإعلام، بعضاً من قيمتها، وتصير ضحية أهواء من يتصرفون فيها. هكذا إذن، تبدو مهمّة الإعلام الثّقافي كمن يمشي على أرض «ملغّمة»، أرض متحرّكة، تستلزم منّا أن نتخلص من «ذاتيتنا»، وأن نتعامل معها وفق الحدّ الأقصى من الموضوعية، حتى وإن كانت لا تتوافق –أحياناً– مع أهوائنا الشّخصية.
الإعلام هو القوّة النّاعمة، التي قضت عقوداً في الخفاء، قبل أن تحقق صعوداً مدوياً، في الخمسين سنة الماضية، لم تعد مجرد وسيط إخباري، بل هي «آلة» الرّأي، ومقود في تحديد توجهات السّياسة العامّة لبعض الدّول، هي الوجه الذي نعرف منه ملامح مجتمع ما، هي نقطة وصل بين أفراد وتكتّلات اجتماعية فيما بينها، التّعامل معه يستوجب الإلمام بجملة من المعارف، كي لا نُخطئ الفهم من جهة، ولا نسقط في سوء الفهم من جهة أخرى. هكذا، يصير الفرد، سواء العربي أو الغربي، ملزماً بالعيش والتّعايش مع الإعلام، أن يحدّد علاقة سليمة معه، وخصوصاً أن يستفيد منه. الإعلام يصنع مكانة له، من خلال ما يقدّمه من مواد إخبارية، وأخرى نقاشية، ولكن أيضاً من خلال ما يقدّمه من مواد استهلاكية ثقافية، نعم! الثقافة سلعة، وتحتاج لمستهلك: هو القارئ، المتابع، المهتم بالأدب والفنّ، وللتّرويج لهذه السّلعة لا بدّ من الإحاطة ببعض العناصر المهمّة، أن تقدّم له السّلعة بشكل لائق، وجذّاب، أن تكون في مستوى تطلّعه، أن تستجيب لأهواء القراء المتعدّدة، أن توسّع –خصوصاً– من دائرة متلقيها، أن لا تكون «سلعة ثقافية» موجّهة لفئة معينة من الجمهور، وتلغي البقية. من هنا إذن، من قدرة الإعلام على صناعة سلع ثقافية قابلة للاستهلاك، يمكن للقارئ التّفريق بين الميديا الجيّدة وغير الجيّدة، فالإعلام مهما كانت صيغته: مكتوب، مسموع، مرئي، أو إليكتروني، ليس يمثّل سوى سكّة حديد تنتقل عبرها المادّة الثقّافية، تعبر من خلاله: من المؤلف إلى المتلقي، وتتجوّل –بفضل الإعلام– خلف الحدود، ووراء الأسوار اللسانية.
هذه السّلعة الثّقافية التي ينتجها الإعلام هي خاصية أساسية للحكم على الميديا، ولتقييم أدائها، و«جدّيتها»، ففي غياب السّلعة الثّقافية، واكتفاء الميديا بالبعد الإخباري، فهي تحصر وظيفتها في دور«وكالة أنباء» عادية لا أكثر، تقوم بتدوير الأنباء والوقائع، من دون «غربلة»، ومن دون حسّ نقدي، تفاعلي مع الفضاء الاجتماعي الذي تعيش فيه وتنشط داخله. على عكس ما يذهب إليه البعض، فإنّ الثّقافة هي من يُعرّف الإعلام، وليس العكس، الثّقافة تشمل الإعلام، والإعلام لن يكون سوى جزء منها. من شروط الصّحافي أن يمتلك «ثقافة عامّة»، وفي هذا السّياق، تفترض كلمة «ثقافة» أن تكون جامعة لعدد من المعارف ومن المهارات الفكرية، من الاطلاع ومن المدركات الذّهنية، فالصّحافي ملزم بأن يستوعب حدا معيناً من التّعريفات الثّقافية، ومن المتاع الثقافي، وهذا مُحدّد مهمّ للفرز بين الصّحافيين، والتمييز بينهم. لذلك، يجد بعض الملاحظين اليقظين من الشّاذ تخصيص ركن تحت مسمّى: «ثقافة» في مطبوعة، أو في وسيط إعلامي مسموع أو مرئي أو إلكتروني، لأن تمييز ركن ﺒ«ثقافة» يعني أن الأركان الأخرى تتمايز على الثّقافة، وهذا الأمر غير صحيح تماماً، وربما تكريس ركن بهذا الاسم كان يفترض بها أن يفهم منه أنه ركن موجه لثقافة النّخبة، وليس فقط الثقافة، بمفهومها الأشمل.
في الإعلام الثّقافي، يصير الصّحافي مركزاً لإنتاج السّلعة الثّقافية، محدداً لخصوصياتها، وسبباً في نجاحها من عدمه. لكن هناك عوامل لا بدّ أن تتوفّر في الصّحافي ليقنع المتلقي بالمشاركة في «حرفته»، وفي أن يمنحها جوّاً حسناً في تلقيها. نشعر أحياناً بأن الصّحافيين الثّقافيين –سواء في البلاد العربية أو في الغرب– يعيشون وضعاً أشبه ﺒ«صراعات طبقات»، مقسمين بين توجّهات كثيرة: هناك من يكتب من منظور مخاطبة نخبة، أو لنقل بورجوازية صغيرة، ويلغي من أفقه شرائح كثيرة من المتلقين، وهناك من يكتب عن «ثقافة الأندرغروند» أو«الثّقافة المضادّة»، ليظهر في ثوب المطّلع الحاذق بما يجري.. في هذين التّوجهين، تفقد السّلعة الثّقافية، خصوصاً منها الأدبية، في الإعلام، بعضاً من قيمتها، وتصير ضحية أهواء من يتصرفون فيها. هكذا إذن، تبدو مهمّة الإعلام الثّقافي كمن يمشي على أرض «ملغّمة»، أرض متحرّكة، تستلزم منّا أن نتخلص من «ذاتيتنا»، وأن نتعامل معها وفق الحدّ الأقصى من الموضوعية، حتى وإن كانت لا تتوافق –أحياناً– مع أهوائنا الشّخصية.