حصدت رواية (الأزبكية) للروائي المصري ناصر عراق جائزتين من جوائز «كتارا» في الدورة الثانية. ويجمع عراق بين مواهب عدة منها الصحفي والفني والنقدي والسردي، ويوظف جميع تلك المعطيات الجمالية لخدمة نصوصه. عمل من قبل رئيسا لتحرير مجلة دبي الثقافية. أصدر مجموعة من الأعمال الروائية آخرها وليس أخيرها (الأزبكية) التي فازت بجائزة الرواية المنشورة، وجائزة أفضل رواية قابلة للتحويل لعمل درامي في فئة الرواية المنشورة. وهنا نص الحوار معه:
• من أين جاءت «الأزبكية»؟
•• لطالما كنت شغوفا في البحث عن تاريخ تصادم الحضارات الغربية مع حضارة مصر خلال العصور مختلفة. والأزبكية رواية تاريخية استلهمت لحظة مهمة جدا في تاريخ مصر، وهي لحظة صدام الحملة الفرنسية مع المصريين عام 1798، ويدور زمن الرواية في سبع سنوات، وهي فترة مهملة إلى حد ما في تاريخنا المصري، وحينما استقرت فكرة الرواية في مخيلتي قرأت ما يقرب من 50 كتابا حتى أخرج منها بصورة كاملة عن هذه الحقبة التاريخية المهمة في تاريخ مصر، فأردت أن أقدم شيئا يبقى أثره حول هذه الفترة الغنية بالأحداث والحوادث.
• ما العلاقة بين روايتك الأخيرة وبين سور الأزبكية؟
•• لا.. ليس لأحدث رواياتي (الأزبكية) علاقة بسور الأزبكية الشهير الذي كان يحتضن باعة الكتب في ما سبق، وإنما تتناول الرواية الفترة التاريخية الممتدة منذ دخول الحملة الفرنسية إلى مصر عام 1798 وحتى لما بعد وصول محمد علي إلى السلطة بستة أشهر، أي في نوفمبر 1805، لأن محمد علي تولى حكم مصر في مايو من ذلك العام. وهذه الفترة تضج بأحداث سياسية واقتصادية واجتماعية بالغة الخطورة والعجب، ولك أن تعلم أن هناك ستة ولاة تولوا حكم مصر في تلك الفترة القصيرة للغاية، منهم اثنان قتلا ذبحا، وأن استلهامي للتاريخ في «الأزبكية» مجرد محاولة لفهم الحاضر، خصوصا أن الاضطراب الذي شاهدناه عقب ثورتي يناير 2011 ويونيو 2013 يشبه بشكل ما أجواء الفوضى التي تدور خلالها أحداث روايتي. وفي اعتقادي أن الروائي الناجح هو الذي يسعى لأن يعرف التاريخ جيدا ليفهم الحاضر ويستشرف المستقبل.
• هل من مشروع روائي تعمل عليه؟
•• بكل تأكيد أسعى إلى تأسيس مشروعي الروائي الخاص، فـ«الأزبكية» هي الرواية السادسة التي تصدر لي، والآن أعكف على إنهاء رواية جديدة، وفي جعبتي عدة أفكار لروايات أخرى، فالرواية هي الهدف الدائم والحلم الأسمى بالنسبة لي.
• ماذا عن الصحافة؟
•• لا ريب في أن الصحافة التي أعشقها بجنون وأمارسها منذ ثلاثة عقود وما زلت، أسهمت بنصيب وافر في تطوير ملكاتي الروائية، فالصحافة تعلمنا أن نصل للموضوع بأقصر العبارات وبلغة واضحة ومحددة، وهكذا حاولت في رواياتي أن تكون مصاغة بلغة فصحى رشيقة جذابة لا ثرثرة فيها ولا إطناب، وأن تكون الحبكة الدرامية - إذا جاز القول - متينة البناء، عميقة التأثير.
• ما مدى علاقتك بالفنون الأخرى غير السرد والصحافة؟
•• أحيانا أعد نفسي محظوظا لأن لي علاقة لا بأس بها بمعظم مجالات الفنون والآداب، فأنا قد تخرجت في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة عام 1984، كما شاركت بالتمثيل والإخراج في مسرح الشباب، وأسست فرقة مسرحية اسمها (تمرد) عام 1990، كما أنني من عشاق السينما والموسيقى والغناء، وعلى اطلاع لا بأس به بالمنجز المصري والعربي في هذه الفنون. كل ذلك أسهم في تطوير أدواتي الروائية، ولعل بعض النقاد انتبهوا إلى ذلك الأمر، ما دفع الكاتب الكبير الأستاذ مصطفى بيومي لأن يقدم دراسة ممتازة لروايتي (نساء القاهرة. دبي) تحت عنوان لافت منطوقه (أم كلثوم شمس لا تغيب في رواية نساء القاهرة. دبي)، لأنه لاحظ بذكاء كيف شكلت أغنيات كوكب الشرق خلفية دالة في أحداث هذه الرواية.
• متى يجب على الكاتب أن يتوقف؟
•• لا يوجد قانون صارم يجب أن نفرضه على الروائي ونحدد له متى يكتب أو متى يتوقف؟ فنجيب محفوظ على سبيل المثال - وهو سيد الروائيين العرب - كان يكتب أكثر من رواية في عام واحد، كما أنه توقف نحو ست سنوات عن الكتابة الروائية في الفترة من 1952 إلى 1958، إذن الروائي يكتب تحت ضغط إلحاح داخلي يحرضه على فعل الكتابة، وأظن أن هذا الإلحاح يمكن له أن يتخذ هذا العنوان (البحث عن الحق والخير والعدل والجمال).
• كيف تصف تجربتك مع مجلة دبي الثقافية؟
•• ستظل تجربتي مع «دبي الثقافية» أنصع وأهم تجاربي الصحفية على الإطلاق، فهذه المجلة الرائدة لعبت دورا بالغ الأهمية في تطوير مفهوم الصحافة الثقافية، وقد كان رئيس تحرير المجلة الشاعر والإعلامي الإماراتي الكبير الأستاذ سيف المري يمتلك حسا صحفيا رهيفا جعلنا نقدم تصورا مغايرا وفريدا في التحرير والتبويب والإخراج والطباعة، وقد وفرت لي المجلة فرصة رائعة للتعرف عن قرب على كوكبة معتبرة من مبدعي العالم العربي ومثقفيه كرجاء النقاش وأدونيس وحجازي وجابر عصفور وعبدالعزيز المقالح وإبراهيم الكوني وصلاح فضل وعبدالسلام المسدي ومحمد برادة، مع حفظ الألقاب بطبيعة الحال. كما يجب ألا ننسى أن المجلة أطلقت للمرة الأولى كتابا مجانيا هدية كل شهر، وهو ما لم يحدث من قبل، وكنا نخطط للكتب التي سنصدرها، وقد بدأنا بكتاب لأودنيس ثم حجازي والكوني وجابر عصفور وهكذا، وقد ظللت في موقعي مديرا لتحرير المجلة منذ صدور العدد الأول في أكتوبر من عام 2004 حتى صدور العدد رقم 57 في فبراير 2010، كما كنت مديرا لتحرير كتاب دبي الثقافية، والمنسق العام لجائزة دبي الثقافية للإبداع في الشعر والقصة والرواية، وقد شرفت بتنظيم ست دورات من هذه الجائزة.. باختصار: تجربتي مع دبي الثقافية بالغة الثراء والغنى، خصوصا أن هذه المجلة انبثقت من مجلة الصدى الأسبوعية التي ظللت رئيسا للقسم الثقافي بها لمدة ستة أعوام ونصف قدمنا خلالها صورة شاملة لخريطة الإبداع والثقافة في عالمنا العربي.
• هل من مستقبل للمجلات الثقافية؟
•• مستقبل المجلات الثقافية مهدد بخطر كبير، لأن كثيرا من القائمين عليها لا يدركون التطورات السريعة المتلاحقة في دنيا الصحافة والإعلام، الأمر الذي يحتم على من يتولى إدارة مجلة ثقافية أن يتمتع بحس صحفي عالٍ جدا، فضلا عن أن يكون مثقفا من طراز فريد، وللأسف كثير ممن يتصدرون لقيادة المجلات الثقافية مجرد مجموعة من المثقفين فقط، وليست لهم علاقة بالصحافة وفنونها وطبيعتها، وهو أمر يخصم من المجلة ويحرمها من نعمة الحرارة الصحفية المطلوبة حتى يقبل عليها القارئ العام ويشغف بها.
• لم تذكر الشعر.. أليس له من ميولك نصيب؟
•• للأسف لم أكتب الشعر، وإن كنت أحسب نفسي من الغاوين، فأنا أحفظ مئات الأبيات من الشعر العربي الجميل ابتداء من امرئ القيس والأعشى والمتنبي حتى شوقي وحافظ ومطران وصلاح عبدالصبور وحجازي ونزار ومحمود درويش، فالشعر خبز القلب، ولا أظن أنه من الممكن أن يكون هناك روائي أو صحفي ناجح دون أن يرتبط بعلاقة وطيدة مع الشعر، وإذا كان بعض النقاد يقولون إن الرواية صارت ديوان العرب، وهو قول حق، إلا أن ذلك لا يمكن أن يحرم الشعر من صفته الرئيسية وهي أنه ديوان العرب الأول.
• من أين جاءت «الأزبكية»؟
•• لطالما كنت شغوفا في البحث عن تاريخ تصادم الحضارات الغربية مع حضارة مصر خلال العصور مختلفة. والأزبكية رواية تاريخية استلهمت لحظة مهمة جدا في تاريخ مصر، وهي لحظة صدام الحملة الفرنسية مع المصريين عام 1798، ويدور زمن الرواية في سبع سنوات، وهي فترة مهملة إلى حد ما في تاريخنا المصري، وحينما استقرت فكرة الرواية في مخيلتي قرأت ما يقرب من 50 كتابا حتى أخرج منها بصورة كاملة عن هذه الحقبة التاريخية المهمة في تاريخ مصر، فأردت أن أقدم شيئا يبقى أثره حول هذه الفترة الغنية بالأحداث والحوادث.
• ما العلاقة بين روايتك الأخيرة وبين سور الأزبكية؟
•• لا.. ليس لأحدث رواياتي (الأزبكية) علاقة بسور الأزبكية الشهير الذي كان يحتضن باعة الكتب في ما سبق، وإنما تتناول الرواية الفترة التاريخية الممتدة منذ دخول الحملة الفرنسية إلى مصر عام 1798 وحتى لما بعد وصول محمد علي إلى السلطة بستة أشهر، أي في نوفمبر 1805، لأن محمد علي تولى حكم مصر في مايو من ذلك العام. وهذه الفترة تضج بأحداث سياسية واقتصادية واجتماعية بالغة الخطورة والعجب، ولك أن تعلم أن هناك ستة ولاة تولوا حكم مصر في تلك الفترة القصيرة للغاية، منهم اثنان قتلا ذبحا، وأن استلهامي للتاريخ في «الأزبكية» مجرد محاولة لفهم الحاضر، خصوصا أن الاضطراب الذي شاهدناه عقب ثورتي يناير 2011 ويونيو 2013 يشبه بشكل ما أجواء الفوضى التي تدور خلالها أحداث روايتي. وفي اعتقادي أن الروائي الناجح هو الذي يسعى لأن يعرف التاريخ جيدا ليفهم الحاضر ويستشرف المستقبل.
• هل من مشروع روائي تعمل عليه؟
•• بكل تأكيد أسعى إلى تأسيس مشروعي الروائي الخاص، فـ«الأزبكية» هي الرواية السادسة التي تصدر لي، والآن أعكف على إنهاء رواية جديدة، وفي جعبتي عدة أفكار لروايات أخرى، فالرواية هي الهدف الدائم والحلم الأسمى بالنسبة لي.
• ماذا عن الصحافة؟
•• لا ريب في أن الصحافة التي أعشقها بجنون وأمارسها منذ ثلاثة عقود وما زلت، أسهمت بنصيب وافر في تطوير ملكاتي الروائية، فالصحافة تعلمنا أن نصل للموضوع بأقصر العبارات وبلغة واضحة ومحددة، وهكذا حاولت في رواياتي أن تكون مصاغة بلغة فصحى رشيقة جذابة لا ثرثرة فيها ولا إطناب، وأن تكون الحبكة الدرامية - إذا جاز القول - متينة البناء، عميقة التأثير.
• ما مدى علاقتك بالفنون الأخرى غير السرد والصحافة؟
•• أحيانا أعد نفسي محظوظا لأن لي علاقة لا بأس بها بمعظم مجالات الفنون والآداب، فأنا قد تخرجت في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة عام 1984، كما شاركت بالتمثيل والإخراج في مسرح الشباب، وأسست فرقة مسرحية اسمها (تمرد) عام 1990، كما أنني من عشاق السينما والموسيقى والغناء، وعلى اطلاع لا بأس به بالمنجز المصري والعربي في هذه الفنون. كل ذلك أسهم في تطوير أدواتي الروائية، ولعل بعض النقاد انتبهوا إلى ذلك الأمر، ما دفع الكاتب الكبير الأستاذ مصطفى بيومي لأن يقدم دراسة ممتازة لروايتي (نساء القاهرة. دبي) تحت عنوان لافت منطوقه (أم كلثوم شمس لا تغيب في رواية نساء القاهرة. دبي)، لأنه لاحظ بذكاء كيف شكلت أغنيات كوكب الشرق خلفية دالة في أحداث هذه الرواية.
• متى يجب على الكاتب أن يتوقف؟
•• لا يوجد قانون صارم يجب أن نفرضه على الروائي ونحدد له متى يكتب أو متى يتوقف؟ فنجيب محفوظ على سبيل المثال - وهو سيد الروائيين العرب - كان يكتب أكثر من رواية في عام واحد، كما أنه توقف نحو ست سنوات عن الكتابة الروائية في الفترة من 1952 إلى 1958، إذن الروائي يكتب تحت ضغط إلحاح داخلي يحرضه على فعل الكتابة، وأظن أن هذا الإلحاح يمكن له أن يتخذ هذا العنوان (البحث عن الحق والخير والعدل والجمال).
• كيف تصف تجربتك مع مجلة دبي الثقافية؟
•• ستظل تجربتي مع «دبي الثقافية» أنصع وأهم تجاربي الصحفية على الإطلاق، فهذه المجلة الرائدة لعبت دورا بالغ الأهمية في تطوير مفهوم الصحافة الثقافية، وقد كان رئيس تحرير المجلة الشاعر والإعلامي الإماراتي الكبير الأستاذ سيف المري يمتلك حسا صحفيا رهيفا جعلنا نقدم تصورا مغايرا وفريدا في التحرير والتبويب والإخراج والطباعة، وقد وفرت لي المجلة فرصة رائعة للتعرف عن قرب على كوكبة معتبرة من مبدعي العالم العربي ومثقفيه كرجاء النقاش وأدونيس وحجازي وجابر عصفور وعبدالعزيز المقالح وإبراهيم الكوني وصلاح فضل وعبدالسلام المسدي ومحمد برادة، مع حفظ الألقاب بطبيعة الحال. كما يجب ألا ننسى أن المجلة أطلقت للمرة الأولى كتابا مجانيا هدية كل شهر، وهو ما لم يحدث من قبل، وكنا نخطط للكتب التي سنصدرها، وقد بدأنا بكتاب لأودنيس ثم حجازي والكوني وجابر عصفور وهكذا، وقد ظللت في موقعي مديرا لتحرير المجلة منذ صدور العدد الأول في أكتوبر من عام 2004 حتى صدور العدد رقم 57 في فبراير 2010، كما كنت مديرا لتحرير كتاب دبي الثقافية، والمنسق العام لجائزة دبي الثقافية للإبداع في الشعر والقصة والرواية، وقد شرفت بتنظيم ست دورات من هذه الجائزة.. باختصار: تجربتي مع دبي الثقافية بالغة الثراء والغنى، خصوصا أن هذه المجلة انبثقت من مجلة الصدى الأسبوعية التي ظللت رئيسا للقسم الثقافي بها لمدة ستة أعوام ونصف قدمنا خلالها صورة شاملة لخريطة الإبداع والثقافة في عالمنا العربي.
• هل من مستقبل للمجلات الثقافية؟
•• مستقبل المجلات الثقافية مهدد بخطر كبير، لأن كثيرا من القائمين عليها لا يدركون التطورات السريعة المتلاحقة في دنيا الصحافة والإعلام، الأمر الذي يحتم على من يتولى إدارة مجلة ثقافية أن يتمتع بحس صحفي عالٍ جدا، فضلا عن أن يكون مثقفا من طراز فريد، وللأسف كثير ممن يتصدرون لقيادة المجلات الثقافية مجرد مجموعة من المثقفين فقط، وليست لهم علاقة بالصحافة وفنونها وطبيعتها، وهو أمر يخصم من المجلة ويحرمها من نعمة الحرارة الصحفية المطلوبة حتى يقبل عليها القارئ العام ويشغف بها.
• لم تذكر الشعر.. أليس له من ميولك نصيب؟
•• للأسف لم أكتب الشعر، وإن كنت أحسب نفسي من الغاوين، فأنا أحفظ مئات الأبيات من الشعر العربي الجميل ابتداء من امرئ القيس والأعشى والمتنبي حتى شوقي وحافظ ومطران وصلاح عبدالصبور وحجازي ونزار ومحمود درويش، فالشعر خبز القلب، ولا أظن أنه من الممكن أن يكون هناك روائي أو صحفي ناجح دون أن يرتبط بعلاقة وطيدة مع الشعر، وإذا كان بعض النقاد يقولون إن الرواية صارت ديوان العرب، وهو قول حق، إلا أن ذلك لا يمكن أن يحرم الشعر من صفته الرئيسية وهي أنه ديوان العرب الأول.