يقف الدكتور محمد الرميحي موقف القارئ الموضوعي للواقع الثقافي العربي، ويتبنى بأريحية تامة محاولات النهوض من الكبوات سريعاً دون إغراق في التشاؤم والاكتفاء بالنقد المتبرم مما هو كائن وما يحتمل أن يكون. ويؤكد الرميحي أن البعض يهرب من الاعتراف بالإشكالات ويتبرم من التحديث فيلجأ لتقييد حرية كل ما هو جديد حتى لا يوجع رأسه.. قضايا عدة طرحناها عليه هنا وهذا نص ردوده:
• لماذا كل هذا الركود الثقافي، مقارنة بحراك عقود مضت؟
•• دعني أتساءل: هل هناك ركود بالفعل، أم أننا نتخيل ذلك الركود الثقافي؟ أرى أن هناك حراكا ثقافيا عربيا، إلا أن الوسائل اختلفت، كانت المجلة، والكتاب من قبل، ولكن اليوم وسائل التواصل الاجتماعي أخذت مكانهما، لعدد من الأسباب آخرها طبعا توفر هذه الوسائل؛ أما أول الأسباب فهو ضيق المساحة التي تتيحها المؤسسات الثقافية وأجهزة الدولة في مقابل المساحة الجديدة التي تقدمها تقريبا بلا حدود (وسائل التواصل الاجتماعي) فهي تقدم حرية شبه كاملة مع حد أدنى من المسؤولية، فأنت تستطيع أن تقرأ الكتاب الممنوع من الإنترنت اليوم، وتستطيع أن تعرف ما وراء الخبر من الفيسبوك، وتستطيع أن تعرف حكم المحكمة وقت صدوره من تويتر، فالوسيلة التي اختلفت حملت معها شكلا آخر من العمل والفهم الثقافي، وغدا المثقف قادر على قراءة لغات أخرى (مثل الإنجليزية) إذ يستطيع أن يقرأ الكتاب الفائز بجائزة نوبل بالأمس على الإنترنت، كما أن قدرة التقنية الرقمية على الترجمة قللت من الحاجز اللغوي. وهناك اليوم برامج تنزلها على هاتفك المحمول وتكتب أية عبارة لتترجم فوراً إلى عدد من اللغات. شخصيا أملك مثل هذا البرنامج الذي فتح آفاقاً ثقافية لا حصر لها إن كانت الثقافة التي نعني هي المعنى العام للثقافة وهي (شيء من الاطلاع العميق ممزوجا بقيم التسامح والحداثة).
• هل فشلت تجربة الحداثة في الخليج؟
•• الحكم على مشروع الحداثة بالفشل يتناقض مع ما وصلنا إليه من تنامي الوعي وحضور المجموعات الشعرية والروايات المعبرة عن الحداثة بل والمتبنية صوتها حتى من بعض معارضيها في السابق الحداثة تعبير عن سيرورة الحياة، وضخ الجديد في الحياة والإنسان كلما اعترته الرتابة.
• أين أثر الحداثة على التحديث والإصلاح؟
•• الإصلاح شيء والتحديث شيء آخر؛ بخصوص التحديث نجد في دول الخليج العديد من محاولات التحديث في عدد من البنى ويجيّر عليها تطور المجتمع. اليوم التقنية تدخل في الكثير من تعاملاتنا في الخليج، أنت معروف لدى السلطات بمجرد أن تغادر مكانك، ومعروفة تفاصيل حياتك بمجرد عبورك الحدود، كل هذا هو تحديث، كما أنك تسافر بالطائرة (ولا تركب الجمل) وتعيش في بيت مكيف وتأكل بالشوكة والسكين، كلها بصورة ما (حداثة وتحديث) أما الإصلاح فإن المجتمع مطالب ببناء مؤسسات هي غير موجودة بالعدد اللازم في فضائنا بالمعنى الجدي للمؤسسات، ونحتاج إلى إعادة النظر في قرارات الإصلاح خصوصا لوضع المرأة في الخليج وإلى المشاركة السياسية بشكل أكثر فاعلية مما هو عليه.
• كيف يمكن تجاوز الراكد الثقافي أو تحريكه؟
ــ أؤكد أن التقنية بما فتحته وأتاحته من مساحات للتعبير غدت بطلاً للمرحلة، لذا لم يتوقف الحراك، ولن يركد وإن توهمنا ذلك الدور الحقيقي في تبني الحكومات تحريك ما يمكن أن يركد من مشاريع إصلاحية تتبنى مشاريعها أولى من أن تفرض عليها.
• إلى أي مدى تنطلق مجتمعاتنا وفق ثقافتنا؟
ــ بالنسبة لي هناك فوارق في معنى (الثقافة)، إذ الإشكالية في فهم الثقافة ما زالت متعسرة في فضائنا العربي والخليجي؛ لأن المفهوم قادم من الفضاءين (الإنجلوسكسوني) و(الفرانكوفوني)، ولم يوطّن بعد علمياً، وهناك محاولات ولكنها لم تنضج بعد، ومفهوم البناء والإنجاز والمأسسة وسيادة القانون من المفاهيم الضيقة للثقافة، حتى إن أدرجت مجموع نتاج الإبداعات الإنسانية بينما المفهوم الواسع للثقافة يتمثل في (تلاقح جذور معرفية عميقة، مع مبادئ إنسانية عامة وقيم عليا) هذا ما أعتقد أنه (ثقافة) أما البرامج من مسرح وكتاب وأغنية إلى آخره من تجليات الثقافية هي عندي (برامج) لا غير.
• ما شروط النهضة المعاصرة إن وجدت؟
•• شروط النهضة واحدة في أي مجتمع وهي باختصار (الحريات) خاصة حرية التفكير (دون تكفير) وحرية القول دون (تخوين) وهذا أمر صعب اليوم في فضائنا العربي الخليجي؛ لأن حرية التفكير مقيدة بقيود ليست نظامية فقط بل وأيضا (ثقافية) (اجتماعية) وكثير منا لا يشعرون بذلك القيد الثقيل وخاصة (الثقافي).
• ماذا تحتاج الثقافة؟
•• الثقافة هي حالة ذهنية تحتاج إلى جهد منظم وطويل ومبرمج لتغيير بعض توجهاتها نحو ثقافة إيجابية، من أجل خدمة أهداف يرغب المجتمع في تحقيقيها؛ لأن الثقافة يمكن أن تُشكّل الإنسان بقوة أشد من صناعة الفولاذ، وتطحن الخارج عنها كما تطحن رقائق الذرة والاعتراف والعمل على جعل (الثقافة) بمعناها العام أولوية قصوى هو (مربط الفرس) في مجتمعاتنا، رغم أنه لم يلتفت إليه بالجدية الكاملة اليوم لصعوبة إدراك تأثيره من بعض النخب، أو اعتبار الثقافة (برامج) وليس تغييرا في الوعي الاجتماعي إلى الأفضل.
• كيف تقرأ أصوات الخليجيين الثقافية؟
•• لدينا أصوات ثقافية عدة بعضها (تراثي) إلى حد (النكوص) وبعضها خارج عن المجتمع إلى حد (الفرار)، وما نحتاجه منها هو الصوت الثقافي الذي يوازن بين الممكن والمأمول وهي موجودة ولكن قليلة كما أن هناك (حروبا شعواء) بين المدارس الثقافية والفكرية، ولا توجد قواعد فض (اشتباك) فيما بينها خذ مثقفاً مستنيراً بحجم المرحوم غازي القصيبي وهو رجل مسالم نقي في مرحلة من مراحل حياته نزع البعض إلى (تكفيره) أرأيت كيف تستخدم الوسائل الثقافية في حرب الآخر المختلف. إنها قضية من بين قضايا كثيرة تتيح لنا معرفة حقيقة أن هناك (قواعد اشتباك) تحرم المجتمع من التنافس الفكري كوسيلة لتطويره مع الأسف في الكثير من الأحيان تلجأ الحكومات إلى أن تبتعد عن (وجع الرأس) وتميل إلى الأخذ بالأحوط فتقيد الفكر الجديد.
• ماذا عن تغلغل العولمة؟
•• العولمة لغة العصر، وكل ما نراه في الكثير من المظاهر الثقافية، الاجتماعية، السياسية هي ردة فعل العولمة، في الولايات المتحدة يتحدثون عن أن دافع مناصري دولاند ترمب هو خوفهم من (نتائج العولمة)؛ أي أولئك البشر الذين يعيشون في المدن الصغيرة والأرياف ويخافون من الهجرة والمهجرين، وفي بريطانيا فإن من صوّت لخروج بريطانيا من السوق الأوروبية المشتركة هم من يخاف العولمة ممن يسكنون المدن الصغيرة والأرياف، بينما من هم في المدن الكبرى صوتوا للبقاء، إلا أن الأكثرية العددية هي التي فازت! ونحن شبه تعولمنا ربما في المظهر بدءا من السفر إلى أماكن جديدة وبعيدة واستخدامنا أدوات حديثة (إنترنت وسيارات) لكن في الداخل نحن ما زلنا نعيش (العزلة) بل أقصى مظاهر العزلة لأن هناك خوفا دفينا من التغيير.
• لماذا كل هذا الركود الثقافي، مقارنة بحراك عقود مضت؟
•• دعني أتساءل: هل هناك ركود بالفعل، أم أننا نتخيل ذلك الركود الثقافي؟ أرى أن هناك حراكا ثقافيا عربيا، إلا أن الوسائل اختلفت، كانت المجلة، والكتاب من قبل، ولكن اليوم وسائل التواصل الاجتماعي أخذت مكانهما، لعدد من الأسباب آخرها طبعا توفر هذه الوسائل؛ أما أول الأسباب فهو ضيق المساحة التي تتيحها المؤسسات الثقافية وأجهزة الدولة في مقابل المساحة الجديدة التي تقدمها تقريبا بلا حدود (وسائل التواصل الاجتماعي) فهي تقدم حرية شبه كاملة مع حد أدنى من المسؤولية، فأنت تستطيع أن تقرأ الكتاب الممنوع من الإنترنت اليوم، وتستطيع أن تعرف ما وراء الخبر من الفيسبوك، وتستطيع أن تعرف حكم المحكمة وقت صدوره من تويتر، فالوسيلة التي اختلفت حملت معها شكلا آخر من العمل والفهم الثقافي، وغدا المثقف قادر على قراءة لغات أخرى (مثل الإنجليزية) إذ يستطيع أن يقرأ الكتاب الفائز بجائزة نوبل بالأمس على الإنترنت، كما أن قدرة التقنية الرقمية على الترجمة قللت من الحاجز اللغوي. وهناك اليوم برامج تنزلها على هاتفك المحمول وتكتب أية عبارة لتترجم فوراً إلى عدد من اللغات. شخصيا أملك مثل هذا البرنامج الذي فتح آفاقاً ثقافية لا حصر لها إن كانت الثقافة التي نعني هي المعنى العام للثقافة وهي (شيء من الاطلاع العميق ممزوجا بقيم التسامح والحداثة).
• هل فشلت تجربة الحداثة في الخليج؟
•• الحكم على مشروع الحداثة بالفشل يتناقض مع ما وصلنا إليه من تنامي الوعي وحضور المجموعات الشعرية والروايات المعبرة عن الحداثة بل والمتبنية صوتها حتى من بعض معارضيها في السابق الحداثة تعبير عن سيرورة الحياة، وضخ الجديد في الحياة والإنسان كلما اعترته الرتابة.
• أين أثر الحداثة على التحديث والإصلاح؟
•• الإصلاح شيء والتحديث شيء آخر؛ بخصوص التحديث نجد في دول الخليج العديد من محاولات التحديث في عدد من البنى ويجيّر عليها تطور المجتمع. اليوم التقنية تدخل في الكثير من تعاملاتنا في الخليج، أنت معروف لدى السلطات بمجرد أن تغادر مكانك، ومعروفة تفاصيل حياتك بمجرد عبورك الحدود، كل هذا هو تحديث، كما أنك تسافر بالطائرة (ولا تركب الجمل) وتعيش في بيت مكيف وتأكل بالشوكة والسكين، كلها بصورة ما (حداثة وتحديث) أما الإصلاح فإن المجتمع مطالب ببناء مؤسسات هي غير موجودة بالعدد اللازم في فضائنا بالمعنى الجدي للمؤسسات، ونحتاج إلى إعادة النظر في قرارات الإصلاح خصوصا لوضع المرأة في الخليج وإلى المشاركة السياسية بشكل أكثر فاعلية مما هو عليه.
• كيف يمكن تجاوز الراكد الثقافي أو تحريكه؟
ــ أؤكد أن التقنية بما فتحته وأتاحته من مساحات للتعبير غدت بطلاً للمرحلة، لذا لم يتوقف الحراك، ولن يركد وإن توهمنا ذلك الدور الحقيقي في تبني الحكومات تحريك ما يمكن أن يركد من مشاريع إصلاحية تتبنى مشاريعها أولى من أن تفرض عليها.
• إلى أي مدى تنطلق مجتمعاتنا وفق ثقافتنا؟
ــ بالنسبة لي هناك فوارق في معنى (الثقافة)، إذ الإشكالية في فهم الثقافة ما زالت متعسرة في فضائنا العربي والخليجي؛ لأن المفهوم قادم من الفضاءين (الإنجلوسكسوني) و(الفرانكوفوني)، ولم يوطّن بعد علمياً، وهناك محاولات ولكنها لم تنضج بعد، ومفهوم البناء والإنجاز والمأسسة وسيادة القانون من المفاهيم الضيقة للثقافة، حتى إن أدرجت مجموع نتاج الإبداعات الإنسانية بينما المفهوم الواسع للثقافة يتمثل في (تلاقح جذور معرفية عميقة، مع مبادئ إنسانية عامة وقيم عليا) هذا ما أعتقد أنه (ثقافة) أما البرامج من مسرح وكتاب وأغنية إلى آخره من تجليات الثقافية هي عندي (برامج) لا غير.
• ما شروط النهضة المعاصرة إن وجدت؟
•• شروط النهضة واحدة في أي مجتمع وهي باختصار (الحريات) خاصة حرية التفكير (دون تكفير) وحرية القول دون (تخوين) وهذا أمر صعب اليوم في فضائنا العربي الخليجي؛ لأن حرية التفكير مقيدة بقيود ليست نظامية فقط بل وأيضا (ثقافية) (اجتماعية) وكثير منا لا يشعرون بذلك القيد الثقيل وخاصة (الثقافي).
• ماذا تحتاج الثقافة؟
•• الثقافة هي حالة ذهنية تحتاج إلى جهد منظم وطويل ومبرمج لتغيير بعض توجهاتها نحو ثقافة إيجابية، من أجل خدمة أهداف يرغب المجتمع في تحقيقيها؛ لأن الثقافة يمكن أن تُشكّل الإنسان بقوة أشد من صناعة الفولاذ، وتطحن الخارج عنها كما تطحن رقائق الذرة والاعتراف والعمل على جعل (الثقافة) بمعناها العام أولوية قصوى هو (مربط الفرس) في مجتمعاتنا، رغم أنه لم يلتفت إليه بالجدية الكاملة اليوم لصعوبة إدراك تأثيره من بعض النخب، أو اعتبار الثقافة (برامج) وليس تغييرا في الوعي الاجتماعي إلى الأفضل.
• كيف تقرأ أصوات الخليجيين الثقافية؟
•• لدينا أصوات ثقافية عدة بعضها (تراثي) إلى حد (النكوص) وبعضها خارج عن المجتمع إلى حد (الفرار)، وما نحتاجه منها هو الصوت الثقافي الذي يوازن بين الممكن والمأمول وهي موجودة ولكن قليلة كما أن هناك (حروبا شعواء) بين المدارس الثقافية والفكرية، ولا توجد قواعد فض (اشتباك) فيما بينها خذ مثقفاً مستنيراً بحجم المرحوم غازي القصيبي وهو رجل مسالم نقي في مرحلة من مراحل حياته نزع البعض إلى (تكفيره) أرأيت كيف تستخدم الوسائل الثقافية في حرب الآخر المختلف. إنها قضية من بين قضايا كثيرة تتيح لنا معرفة حقيقة أن هناك (قواعد اشتباك) تحرم المجتمع من التنافس الفكري كوسيلة لتطويره مع الأسف في الكثير من الأحيان تلجأ الحكومات إلى أن تبتعد عن (وجع الرأس) وتميل إلى الأخذ بالأحوط فتقيد الفكر الجديد.
• ماذا عن تغلغل العولمة؟
•• العولمة لغة العصر، وكل ما نراه في الكثير من المظاهر الثقافية، الاجتماعية، السياسية هي ردة فعل العولمة، في الولايات المتحدة يتحدثون عن أن دافع مناصري دولاند ترمب هو خوفهم من (نتائج العولمة)؛ أي أولئك البشر الذين يعيشون في المدن الصغيرة والأرياف ويخافون من الهجرة والمهجرين، وفي بريطانيا فإن من صوّت لخروج بريطانيا من السوق الأوروبية المشتركة هم من يخاف العولمة ممن يسكنون المدن الصغيرة والأرياف، بينما من هم في المدن الكبرى صوتوا للبقاء، إلا أن الأكثرية العددية هي التي فازت! ونحن شبه تعولمنا ربما في المظهر بدءا من السفر إلى أماكن جديدة وبعيدة واستخدامنا أدوات حديثة (إنترنت وسيارات) لكن في الداخل نحن ما زلنا نعيش (العزلة) بل أقصى مظاهر العزلة لأن هناك خوفا دفينا من التغيير.