انطلقت الدورة الثانية من معرض جدة الدولي للكتاب، بعد أن ضبط ميقاته مستشار خادم الحرمين الشريفين، أمير منطقة مكة المكرمة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، ووضع له خطة خمسية وفق استشرافات حريّ بأن تجعل منه موسمًا ثقافيًا عالميًا بإذن الله في دوراته المتعاقبة، وأشرف على هويته الأمير مشعل بن ماجد.
ولا شك أنّ دورة هذا العام تأتي في ظل العديد من المتغيرات، التي ما من شك بـأنها ستلقي بظلالها الكثيفة على فعاليات المعرض وحضوره أيضًا، وإذا قصرنا هذه المتغيرات في الكتاب وشؤونه؛ فإنّ الكتاب في صورته الورقية تأتي عليه دورة هذا العام وصراع التحدي من أجل البقاء يظل متقدًا وفوّارًا، حيث ما زالت تناوشه مخرجات التكنولوجيا الحديثة، وتقضم من مساحة انتشاره لصالح محركاتها الفاتنة الجديدة، وسرعة ذيوعها التي يقف الكتاب الورقي عاجزًا أمام اللحاق بهذا اللهاث التكنولوجي المستمر.. وكيف ما كان الحال، سيبقى لهذا الكتاب حضوره في المشهد، ومواسمه التي تجد الحفاوة والتقدير والاهتمام.
وقياسًا على كل معارض الكتاب لدينا في كل مواسمها المختلفة، فإن فرص حضور كل هذه المتغيرات تبقى كبيرة، وفي مقابل ذلك ثمّة ثابت واحد يعكّر صفو هذه المعارض، ولا شك عندي أنه سيكون حاضرًا بظله الثقيل الكئيب في معرض جدة الدولي للكتاب هذا العام، ويتمثل هذا الثابت في ما ظللنا نكابده ونعانيه من فئة فوضوية الطرح، قميئة الوسيلة في التعبير عن رأيها، تتستر تحت مسمى «المحتسبين»، وهي صفة ليست دالة عليها، ولا تتعلق بسلوكها من بعيد أو قريب، إذا نظرنا لمفهوم الاحتساب، ونصاعته على المستوى النظري، بل والعملي عند من يفهمونه حق الفهم، وينزلونه إلى الواقع بروح الإسلام السمحة.. فهذه الفئة، التي لا أجد لها وصفًا غير «الفوضوية»، درجت على لعب دور «العريف» الذي يراقب الفعاليات، ويجيز الكتب، وينظم الحشود، ضاربة عرض الحائط بوكالة الشؤون الثقافية في وزارة الثقافة والإعلام وما تقوم به من دور في تنظيم المعرض، وإجازة الكتب، ووضع البرنامج الثقافي والفعاليات المصاحبة، والمشاركين فيها، بإشراف مباشر من الأمير الفذ مشعل بن ماجد محافظ جدة، بل إنها في سلوكها الفوضوي تتجاوز حتى الأجهزة الأمنية، وتشرع غالبًا في إعادة تنظيم القاعات وفق رؤيتها الأيديولوجية، في مشهد لا يكاد موسم من مواسمنا الثقافية يخلو منه، أو يمر دون أن يحدث فيه مثل هذا السلوك غير الحضاري..
ورغم أن هذه «الظاهرة» باتت سلوكًا متوقعًا بنسبة تخرج من دائرة التوقع إلى اليقين بالحدوث؛ إلا أن التعامل معها في كل مرة لا يزيدها إلا تفاقمًا، وذلك بقبول مثل هذه التجاوزات وأحياناً بالرضوخ وتلبية ما يرغبون فيه من قبل أجهزة الدولة المعنية والتي أوكل لها الإشراف على المعرض وفعالياته، فالقبول بمثل هذه التدخلات أو حتى الصمت عنها يعطي هؤلاء مزيدًا من المساحة للتغوّل على صلاحيتها، مهما كانت الدواعي والذرائع بالدين، أن رجال أمننا بما أتاهم الله من بصيرة نافذة وحس أمني غال إضافة إلى ما تقوم به وكالة الوزارة من تمحيص وفسح للكتب المشاركة من خلال لجان الفرز يكفي ضامنًا لمحتوى ثقافي وفكري وعلمي وأدبي وترفيهي في غاية الأمن والسلامة، ليأتي من ثم دور رجال الأمن في حفظ النظام، دون تخوين للنوايا، أو تفتيش للضمائر.. أما بعض وسائل الإعلام فإنها تساهم أيضًا في تفاقم هذه الظاهرة بإسباغ صفة «المحتسبين» على هذه الفئة، وإعطاء البعض منهم مساحة لينفث عبرها ما بجوفه من دخان الموجدة على المجتمع الثقافي والأدبي والفكري.. ويشارك المثقفون والأدباء المشاركون والحضور في الظاهرة أيضًا بالصمت وإيثار السلامة وعدم مجابهة ومواجهة هذه الجماعة بكل شجاعة وقوّة، وعدم التهيّب من مظهر التدين الذين يتزيّون به، فليس الدين بمظهر وإنما هو جوهر.. ومع تمنياتي بأن تكون دورة هذا العام من المعرض خالية من السلوك المعكّر، إلا إنني أتطلع إلى أن توضع آلية واضحة المعالم، للتعامل معه بحسم، وأن يعرف كل فرد في هذا المجتمع حجمه وموقعه والدور المنوط به، ولا يظن ظان بأنه فوق الدولة والقانون والناس لمجرد أنه ركب مطية الدين لغرض في نفسه!! والله من وراء القصد.
* كاتب سعودي
nyamanie@hotmail.com
ولا شك أنّ دورة هذا العام تأتي في ظل العديد من المتغيرات، التي ما من شك بـأنها ستلقي بظلالها الكثيفة على فعاليات المعرض وحضوره أيضًا، وإذا قصرنا هذه المتغيرات في الكتاب وشؤونه؛ فإنّ الكتاب في صورته الورقية تأتي عليه دورة هذا العام وصراع التحدي من أجل البقاء يظل متقدًا وفوّارًا، حيث ما زالت تناوشه مخرجات التكنولوجيا الحديثة، وتقضم من مساحة انتشاره لصالح محركاتها الفاتنة الجديدة، وسرعة ذيوعها التي يقف الكتاب الورقي عاجزًا أمام اللحاق بهذا اللهاث التكنولوجي المستمر.. وكيف ما كان الحال، سيبقى لهذا الكتاب حضوره في المشهد، ومواسمه التي تجد الحفاوة والتقدير والاهتمام.
وقياسًا على كل معارض الكتاب لدينا في كل مواسمها المختلفة، فإن فرص حضور كل هذه المتغيرات تبقى كبيرة، وفي مقابل ذلك ثمّة ثابت واحد يعكّر صفو هذه المعارض، ولا شك عندي أنه سيكون حاضرًا بظله الثقيل الكئيب في معرض جدة الدولي للكتاب هذا العام، ويتمثل هذا الثابت في ما ظللنا نكابده ونعانيه من فئة فوضوية الطرح، قميئة الوسيلة في التعبير عن رأيها، تتستر تحت مسمى «المحتسبين»، وهي صفة ليست دالة عليها، ولا تتعلق بسلوكها من بعيد أو قريب، إذا نظرنا لمفهوم الاحتساب، ونصاعته على المستوى النظري، بل والعملي عند من يفهمونه حق الفهم، وينزلونه إلى الواقع بروح الإسلام السمحة.. فهذه الفئة، التي لا أجد لها وصفًا غير «الفوضوية»، درجت على لعب دور «العريف» الذي يراقب الفعاليات، ويجيز الكتب، وينظم الحشود، ضاربة عرض الحائط بوكالة الشؤون الثقافية في وزارة الثقافة والإعلام وما تقوم به من دور في تنظيم المعرض، وإجازة الكتب، ووضع البرنامج الثقافي والفعاليات المصاحبة، والمشاركين فيها، بإشراف مباشر من الأمير الفذ مشعل بن ماجد محافظ جدة، بل إنها في سلوكها الفوضوي تتجاوز حتى الأجهزة الأمنية، وتشرع غالبًا في إعادة تنظيم القاعات وفق رؤيتها الأيديولوجية، في مشهد لا يكاد موسم من مواسمنا الثقافية يخلو منه، أو يمر دون أن يحدث فيه مثل هذا السلوك غير الحضاري..
ورغم أن هذه «الظاهرة» باتت سلوكًا متوقعًا بنسبة تخرج من دائرة التوقع إلى اليقين بالحدوث؛ إلا أن التعامل معها في كل مرة لا يزيدها إلا تفاقمًا، وذلك بقبول مثل هذه التجاوزات وأحياناً بالرضوخ وتلبية ما يرغبون فيه من قبل أجهزة الدولة المعنية والتي أوكل لها الإشراف على المعرض وفعالياته، فالقبول بمثل هذه التدخلات أو حتى الصمت عنها يعطي هؤلاء مزيدًا من المساحة للتغوّل على صلاحيتها، مهما كانت الدواعي والذرائع بالدين، أن رجال أمننا بما أتاهم الله من بصيرة نافذة وحس أمني غال إضافة إلى ما تقوم به وكالة الوزارة من تمحيص وفسح للكتب المشاركة من خلال لجان الفرز يكفي ضامنًا لمحتوى ثقافي وفكري وعلمي وأدبي وترفيهي في غاية الأمن والسلامة، ليأتي من ثم دور رجال الأمن في حفظ النظام، دون تخوين للنوايا، أو تفتيش للضمائر.. أما بعض وسائل الإعلام فإنها تساهم أيضًا في تفاقم هذه الظاهرة بإسباغ صفة «المحتسبين» على هذه الفئة، وإعطاء البعض منهم مساحة لينفث عبرها ما بجوفه من دخان الموجدة على المجتمع الثقافي والأدبي والفكري.. ويشارك المثقفون والأدباء المشاركون والحضور في الظاهرة أيضًا بالصمت وإيثار السلامة وعدم مجابهة ومواجهة هذه الجماعة بكل شجاعة وقوّة، وعدم التهيّب من مظهر التدين الذين يتزيّون به، فليس الدين بمظهر وإنما هو جوهر.. ومع تمنياتي بأن تكون دورة هذا العام من المعرض خالية من السلوك المعكّر، إلا إنني أتطلع إلى أن توضع آلية واضحة المعالم، للتعامل معه بحسم، وأن يعرف كل فرد في هذا المجتمع حجمه وموقعه والدور المنوط به، ولا يظن ظان بأنه فوق الدولة والقانون والناس لمجرد أنه ركب مطية الدين لغرض في نفسه!! والله من وراء القصد.
* كاتب سعودي
nyamanie@hotmail.com