لا أضعني في صفّ لائمي غادة السمّان، في نشر رسائل عشّاقها. ومن وقفوا في صفّ اللوم؛ وضعوا رأيهم في سلة شرقيتهم من حيث لا يشعرون. لا تسمح شرقيتهم العتيدة أن تبوح امرأةٌ بما هي عليه، أو ما كانت عليه. ولا تسمح أن يُزال غلافٌ عن سيرة رجل. في الحالتين؛ أمسكوا بـ «الموقف الأخلاقي» مبرّراً لمُساءلة غادة السمّان عن طرفها إزاء الرسائل التي نشرتها.
قبل أنسي الحاج وضعت الكاتبة السورية غسان كنفاني في سيرة أخرى. ثمة ما صدم المثقفين العرب حين كشفت عن رسائل كنفاني إليها. الرابط المثير، في الصدمة، وضع القضية الفلسطينية في سياق نشر الرسائل. السُّخط على غادة السمّان جاء بتهمة «تشويه القضية»، وكأنْ ليس من حق المناضلين أن يحبُّوا ويعشقوا. ليس من حقهم إلا أن يحاربوا ويقاتلوا ويبقوا في ساحة النضال. الكلمة لهم سيفٌ ومسدس وقنبلة. لا يمكن أن تكون وردة، أو منديلاً، أو قُصاصة عاشقٍ سرق نُهزةً من أجل عينيْ حبيبة. حين نشرت غادة السمان «رسائل غسان كنفاني»؛ فإنها لم تكن كاشفةَ أوراق، ولا ناشرة فضيحة. على العكس؛ لقد أثّثت أدب غسان كنفاني بنبضٍ لم يكن واضحاً على النحو الشغوف. كان سلفنا الصالح من الأدباء يردّدون أن على الشاعر أن يكون عاشقاً. وكنفاني الروائيُّ، في جوهره الأعمق، أحوج ما يكون إلى شغفٍ ليس فيه رائحة بارود، ولا غربة فلسطيني يموت في صهريج وقود. كان كنفاني يعود من تعب غربته ووطنه إلى حضن رسائل جميلة جريئة.
ربما يجوز ذلك أيضاً على أنسي الحاج، على تحفظاتٍ مركبة. مع ذلك؛ يبقى الشاعرُ شاعراً، والملهمةُ ملهمةً. وليس ثمة ما يمكن أن يكون عاراً حين تختضُّ هرمونات الرجل/ الشاعر إزاء جميلة عابرة للخطوط الحمر، مثل غادة السمان. وحن العرب اعتدنا أن يفضح الشاعرُ نصّه بنفسه، متن النص الشعريّ بما فيه من جرأة أو مواربة. منذ سلفنا الضلّيل حتى خلفنا قبّاني؛ ونحن نُتابع أجساد الجميلات فيما يكشفون عنه هم بحبرهم المعلن. أما الحبر السرّي؛ فلم نعتده. التزامنا بمتن النصّ صارمٌ حدّ قتل الحقيقة. وحين تأتي هذه الحقيقة من الطرف الآخر/ الأنثى؛ فإن معضلةً ما تستحوذ على تفكيرنا الشرقيّ، حتى وإن أمضينا أعمارنا في حانات الثقافة. ليس لنا أن نلوم غادة السمّان، ليس لأنها غادة السمّان. بل لأن الشاعر/ الأديب/ المثقف، ذكراً أو أنثى، معجونٌ بطينة المُسارقة، هاربٌ من حقائقه المُصمَتة إلى حقائق أخرى ليس بينها وبين «القانون» وفاقٌ. هذا ما كان عليه سلفنا من الذكوريين، وهذه هي تقاليدهم الغاوية. اقرأوا باب «التشبيب» في أدب العرب.. كلّه جنونٌ محضٌ هرب به الشعراء إلى أسماء الجميلات، «على ظهر كثيب» كما عند امرئ القيس، وصولاً إلى «بين الحطيم وزمزم».
ما فعلته غادة السمّان هي أنها جاءت بالهامش، في حين أن كلّ انشغالاتنا مهووسة بالمتون.
قبل أنسي الحاج وضعت الكاتبة السورية غسان كنفاني في سيرة أخرى. ثمة ما صدم المثقفين العرب حين كشفت عن رسائل كنفاني إليها. الرابط المثير، في الصدمة، وضع القضية الفلسطينية في سياق نشر الرسائل. السُّخط على غادة السمّان جاء بتهمة «تشويه القضية»، وكأنْ ليس من حق المناضلين أن يحبُّوا ويعشقوا. ليس من حقهم إلا أن يحاربوا ويقاتلوا ويبقوا في ساحة النضال. الكلمة لهم سيفٌ ومسدس وقنبلة. لا يمكن أن تكون وردة، أو منديلاً، أو قُصاصة عاشقٍ سرق نُهزةً من أجل عينيْ حبيبة. حين نشرت غادة السمان «رسائل غسان كنفاني»؛ فإنها لم تكن كاشفةَ أوراق، ولا ناشرة فضيحة. على العكس؛ لقد أثّثت أدب غسان كنفاني بنبضٍ لم يكن واضحاً على النحو الشغوف. كان سلفنا الصالح من الأدباء يردّدون أن على الشاعر أن يكون عاشقاً. وكنفاني الروائيُّ، في جوهره الأعمق، أحوج ما يكون إلى شغفٍ ليس فيه رائحة بارود، ولا غربة فلسطيني يموت في صهريج وقود. كان كنفاني يعود من تعب غربته ووطنه إلى حضن رسائل جميلة جريئة.
ربما يجوز ذلك أيضاً على أنسي الحاج، على تحفظاتٍ مركبة. مع ذلك؛ يبقى الشاعرُ شاعراً، والملهمةُ ملهمةً. وليس ثمة ما يمكن أن يكون عاراً حين تختضُّ هرمونات الرجل/ الشاعر إزاء جميلة عابرة للخطوط الحمر، مثل غادة السمان. وحن العرب اعتدنا أن يفضح الشاعرُ نصّه بنفسه، متن النص الشعريّ بما فيه من جرأة أو مواربة. منذ سلفنا الضلّيل حتى خلفنا قبّاني؛ ونحن نُتابع أجساد الجميلات فيما يكشفون عنه هم بحبرهم المعلن. أما الحبر السرّي؛ فلم نعتده. التزامنا بمتن النصّ صارمٌ حدّ قتل الحقيقة. وحين تأتي هذه الحقيقة من الطرف الآخر/ الأنثى؛ فإن معضلةً ما تستحوذ على تفكيرنا الشرقيّ، حتى وإن أمضينا أعمارنا في حانات الثقافة. ليس لنا أن نلوم غادة السمّان، ليس لأنها غادة السمّان. بل لأن الشاعر/ الأديب/ المثقف، ذكراً أو أنثى، معجونٌ بطينة المُسارقة، هاربٌ من حقائقه المُصمَتة إلى حقائق أخرى ليس بينها وبين «القانون» وفاقٌ. هذا ما كان عليه سلفنا من الذكوريين، وهذه هي تقاليدهم الغاوية. اقرأوا باب «التشبيب» في أدب العرب.. كلّه جنونٌ محضٌ هرب به الشعراء إلى أسماء الجميلات، «على ظهر كثيب» كما عند امرئ القيس، وصولاً إلى «بين الحطيم وزمزم».
ما فعلته غادة السمّان هي أنها جاءت بالهامش، في حين أن كلّ انشغالاتنا مهووسة بالمتون.