غلاف المجلة.
غلاف المجلة.
-A +A
سعيد بوكرامي (الدار البيضاء)
يشبه منجز الشاعر محمود درويش الأدبي الهائل والمتنوع، حياته المتفردة والثرية. كما يلخص ويجسد تاريخ فلسطين الحديث. كان محمود وأسرته، ضحية الطرد الهائل الذي عرفته فلسطين في عام 1948، لكنه رغم ذلك عاد بعد فترة وجيزة مع عائلته متسللا ليصبح لاجئا في أرضه. عاش الشاعر الشاب تجربة السجن والإقامة الجبرية. في عام 1970 غادر وطنه إلى حياة الشتات والمنفى من القاهرة إلى بيروت، ثم من تونس إلى باريس، سيعيش خلالها كل الإصابات والخسائر، الهجرات والتحولات كلها. تقاسم خلال سنواته الأخيرة الإقامة بين عمان ورام الله. سيواجه وضعاً لا يطاق وصفه بـ«حيرة العودة» في شعره، تحدث درويش عن الخسارة والمنفى بروح هوميروسية تجسد خرافة المأساة التي لا تنتهي. ومع ذلك فقد كانت كتابته تحطيما للخرافات، فبين ببعد نظر وعمق فكري أن أمام التاريخ والحقيقة المجردة للحياة، «زمن الأساطير قد انتهى». ووقف عند التاريخ الأسود للغزاة مستعيرا قهر وإبادات الهنود الحمر، وسقوط الأندلس واحتلال فلسطين موظفا ثلاث ثقافات جاعلا منها استعارات كونية عن القهر والطغيان والخذلان وصوتا متعددا من الحنين إلى الماضي المتجذر كثيرا في أعماله. في آخر كتاباته الشعرية، زاوج محمود بين حركة تيه كونية، مشيدا بملحمة إنسان الهوامش والظلال المعتمة، مقدما شهادة تعكس روحه الحقيقية المدفوعة نحو «الغريب» والمترحل والعابر. إلى جانب شعره، شيد محمود تحفا نثرية غير عادية ولا مثيل لها.

مناسبة الحديث عن الشاعر الكبير محمود درويش احتفاء مجلة «أوروبا» الأدبية الشهيرة في عددها الأخير لشهري يناير/فبراير 2017 بشاعرنا الراحل الحاضر. يتضمن هذا العدد العديد من النصوص غير المنشورة باللغة الفرنسية منها مقتطفات شعرية من أعماله المبكرة، مقابلة مطولة تسرد مسيرته الشعرية ومقالاته ومراسلاته.


ساهم في هذا الاحتفاء عدد من الأدباء الغربيين والعرب، نذكر منهم: كاظم جهاد وأليفيي بي، وحسن خضر وفاروق مردم بك وجان ميشيل مولبوا وميغيل كاسادو وإيفانجيليا ستيد وريما سليمان وأوريليا هيتزيل وجيهان سوقي وصبحي حديدي وعلاء خالد ونجاة رحمان وصفاء فتحي وإلياس صنبر وإرنيست بينيون وروني كورونا وإيثيل عدنان وطاهر بكري وحبيب تنغور ومراد يليس ومحمد برادة ومانويل ألتوغوير ونوري الجراح وفابيو بوستيرلا وإيزابيل ليفيسك وجوسلين دوبري.

كان محمود درويش يستحق هذا الاحتفاء خلال حياته، لكن هذا شأن الأدب العظيم لا يزداد مع ديمومة الزمن إلا وهجا إبداعيا وذوبانا لجبال الجليد.