-A +A
سعد الخشرمي (جدة)
salkhashrami@

لم تكن الأحواز العربية فقيرة من الشعراء، إذ شهدت نهضةً أدبيةً تسكن تضاريسها في الحقبة بين الـ 1591 والـ 1931، وأنتجت أدباء يحفظ نتاجهم الأجيال المتعاقبة في تلكم البقعة العربية إبّان حكم المشعشعيين والكعبيين حتى انضوت تحت حكم طهران، وسيطر عليها الملالي الذين شرعوا في ملاحقة عرب الأحواز، للحدّ من عربيّتهم بالاعتقالات التعسفية أو الإعدامات المتكررة دون مراعاة الإنسانية، وحق المواطنة.


عرفت هضاب الأحواز الشاعر عبد علي ناصر بن رحمة الحويزي، وواكبت موهبته التي تفجرت في الـ30 من عمره، ومضت ترافق قصائده التي كتبها منافحاً عن عروبته في ظل النزاعات القومية والعرقية في عام 1616، ووثقت علاقته بالأمير خلف بن مطلب في مسقط رأسه مدينة الحويزة، والتي ألّف بها كتابه (المشعشعة في علم العروض)، ما عمّق تجربته الشعرية من خلال البحث والكتابة في الأربعين من عمره، إذ أمسى شاعراً متنقلاً بين الحويزة والبصرة وبغداد، مؤلفاً لكتب بقيت في ذاكرة الأحوازيين لسنوات طوال ومنها: «السيرة المرضية في شرح الفرضية»، «مناهج الصواب في علم الإعراب»، «مدارج النمل في علم الرمل»، و«عقد الجواهر في المنطق».

كما أن عروبة الأحواز ضمت بين أضلاعها الشاعر علي بن خلف بن مطلب، الذي لقّب بـ«المهدي»، وكان ابناً لملك الحويزة. ولد علي في عام 1609، ونشأ في كنف والده الذي تغلغل حبه في شرايين الابن، فاشتهرت العلاقة المثلى بين الأب والابن، إذ إنهما أديبان ومتكلمان ولهما إسهامات في النهضة الأدبية التي عرفتها بلادهم العربية، حتى تفجرت موهبته، واشتهرت قصائده بعد أن ذاق مرارة المنفى حينما استدعاه السلطان الصفوي في أصفهان، ومكث أسيراً هناك بين عامي 1639 و1646، ولم يكسر القيد إلا الاضطرابات السياسية التي حلّت إبان مكوثه بين ردهات السجون الصفوية.

واقترنت جماليات التصوير واللغة في الأحواز بأحد شعرائها، الذي أشاد بتجربته العلمية والأدبية علماء اللغة العربية في الحويزة، إذ كان الشاعر شهاب الدين الموسوي الحويزي المولود في عام 1616، إذ نشأ فقيراً تحت مظلة أمير الحويزة الأمير الشاعر علي بن خلف. وعرفت رمال الأحواز الشذرات الأدبية من خلال الموسوي الحويزي، إذ ارتكزت على العلم الغزير في اللغة التي عشقها من القرآن الكريم والحديث الشريف والقصائد المحكمة في مجالس الأمراء الأحوازيين، طيلة حكامها الذين عاصرهم وهم: منصور بن مطلب، بركة بن منصور، وعلي بن خلف.

إن العروبة التي نشأت في الأحواز لا تزال حية ويقظة رغم الإعدامات المتوالية والجائرة التي يلاقيها شعراء الأحواز في العصر الحديث بعد أن صعد الملالي إلى الحكم، وزرعوا الفتن في كل بقاع الأرض لكنّ الأحوازيين لا يزالون صامدين، معلمين أبناءهم قصائد شعرائهم، ومستعيدين في أماسيهم التاريخ الأدبي الثمين، إذ لا تخلو الأحواز العربية من شعرائها وأدبائها رغم كل الدماء البريئة التي تغلغلت في رمالها، محتفظةً بأبيات شعرية لا تزال نابضةً بالعروبة والصمود.