alma3e@
يرى أنّ الأندية الأدبية اقتربت أكثر فأكثر من الانقراض، والسبب أنّ هناك إصراراً كبيراً على بقائها بمعزل عن الفنون السمعية والبصرية والموسيقى، إضافة إلى أنّ القائمين عليها يؤمنون بأنّ الغايات التي أسست من أجلها الأندية الأدبية في زمن العواد والسنوسي قبل نصف قرن ما زالت كما هي، فالأدباء ما زالوا يجلسون خلف المايك والطاولة التي جلس عليها الأدباء قبل نصف قرن ليتواصلوا مع الجمهور الذي يشكون من عزوفه.. الكثير من المحاور يفتحها الشاعر والأكاديمي في جامعة جازان «محمد حبيبي» عن الشعر والجامعة والمشهد الثقافي السعودي فإلى نصّ الحوار:
• لماذا يتمنى أستاذ أكاديمي معروف وشاعر مثل محمد حبيبي أن يمضي بقيّة حياته راعياً؟
•• لأنها ستكون حياة هادئة بعيدة عن كل بواعث الصخب والقلق والتوتر المتزايد من حولنا بحياتنا في شقيها الواقعي والافتراضي، كما أنها أمنية لا تخص محمد حبيبي، إذ هي أمنيات عديد من الشعراء قبله في عصور مختلفة. فالشاعر القديم قد وصل به التمني أن لو يكون ومحبوبته بعيرين أجربين تتحاشهما باقي الإبل.
• في شعرك عوالم ممزوجة باللوعة والانكسار والغياب.. لماذا؟
•• أنا نفسي لا أعلم عن ذلك ولا أتعمده. أكتب ما أشعر وأحسّ به فحسب، وقد يبدو بهذا الشكل أو ذاك.
• اهتمامك بالتفاصيل الصغيرة في شعرك، وإعطاؤك لها حيزاً ملحوظاً ابتداء بالهامش... إلام يعود؟.
•• مهمة الشاعر ليس تسليط الضوء على الظواهر والأشياء الكبرى المرئية للجميع، فهذه يستطيع أن يتلمسها الكل. مهمة الشاعر في تصوري أن يضع أعيننا على ما لا يتم التنبه إليه سوى من خلال عدسة المبدع المغايرة، كما تفعل الصورة الفوتوغرافية أو اللوحة التشكيلية أو المنحوتة الفنية أو القصة وغيرها من أنماط الإبداع التي تكثف اللحظة الشعورية عند موقف أو حالة ما، وكأنما تعيد اكتشافها وتقديمها بمنظور جديد.
• لك دواوين «انكسرتُ وحيـداً» و«أطفئُ فانوس قلبي» و«الموجدة المكيّة» و«جالساً مع وحدك» أغلبها عناوين لافتة ومحفزة على قراءة ما وراء هذه العناوين.. هل تتعمد استثارة القارئ بهذه العناوين والمضامين التي تنزع للوحدة؟
•• هذا قد ينجح كشرك ينصبه المؤلف للقارئ في البداية عبر اجتذابه بالعناوين، لكن ماذا بعد العنوان، ماذا لو اكتشف القارئ أن لا شيء مثيرا في الكتاب عدا عنوانه، سيطوح بالكتاب جانبا. لذلك أحاول دائما أن لا تبدو ولو كلمة واحدة غير ضرورية في أي موضع من أي سطر بأي كتاب أصدرته، وأذهب لأشد من هذا بحذف الكثير من الكلمات والنصوص قبل الزج بالمسودة الأخيرة إلى الطباعة، لا أريد أن يضع القارئ أصبعه على كلمة ويتم المعنى بدونها، هذا يمثل بنظري خللا كبيرا في الكتابة وخصوصا كتابة الشعر؛ حينما يستطيع القارئ القفز على سطر أو أسطر بأكملها ولا يشعر بخلل في التركيب فهذا ترهل وعيب كبير. النص المملوء بالكلمات والتراكيب التي يمكن أن يغني بعضها عن بعض لا يستهويني، كل كلمة في القصيدة هي بمثابة حبة دواء نقصها يعني خللا وظيفيا في صحة النص ورشاقته، وزيادتها تعني مرضه بالترهلات الإنشائية، وإصابته بالسمنة.
• لديك قناعة يمكن تلمّسها من خلال ما تكتب بأنّ الشعرية لا تقوم إلاّ على المندثر والبائد.. إلى أيّ مدى يمكن أن تصدق هذه القراءة وهذه الرؤية لديك؟
•• لو أن الشعرية فعلا لا تحتاج إلا لعنصر واحد، لما صح أن نصفها بالشعرية، فالشعرية تتشكل من تضافر عدة عناصر، ربما واحدة من أهم وظائف الشعر هي إعادة الحياة في كل ما نشعر أنه قد بات بائدا ومندثرا، ذلك من جهة، ومن جهة أخرى ليس كل البائد والمندثر جميلا، وليس كل الواقع والراهن والمستقبل غير محرض على الكتابة لأنه سيئ أو قبيح، الأمر يتوقف على كيفية قراءة اللحظة والحالة وإعادة تدويرها والوعي بها. لحظتك الراهنة ستصبح عما قريب مستقبلا أو بعيد مجرد ذكرى، لكن هل نعي لحظتئذ عيشنا لهذه اللحظة؟!
• لماذا تشعر بالوحدة في نصوصك في الوقت الذي يوجد في الحياة من يقاسمك النظر إلى الأشياء والعالم؟!
•• قد يبدو ذلك وحدة، لكني أراه من منظور مقابل مزيداً من المجالسة للذات والإصغاء لها، نحتاج الكثير من الوقت لنخلو بذواتنا، نحتاج أن نصغي لأنفسانا ودقات قلوبنا، نحتاج أن نصغي للصمت الذي إن دققنا فيه بلحظات كهذه سيبدو فرط طنين ملازم لنا لم نجد الوقت الكافي لسماعه عن قرب ونحن مصغون لذاتنا وحدها، دون أن تختلط بها أنفاس ودقات قلوب المقربين منا بما في ذلك أنفاس حبيباتنا.
• أنت متّهم بالسوداوية والتشاؤم في العديد من نصوصك.. لماذا؟
•• رهافة الحدس وانصقاله عبر العديد من النصوص والتجارب هو ما قد يبدو سوداوية وتشاؤما. الشعر في أصفى حالاته مشرط يكشط عن أبلغ درجات الألم، أو مرآة تواجهنا بما نحاول دائما أن نغمض عيوننا ونصم آذاننا عامدين عن سماعه أو إبصاره، لذلك فكلما انصقل حدس الشعر نجده يقترب من تخوم الحقائق المفجعة التي نحاول متطامنين المراوغة عنها، وحينئذ نميل إلى تخفيف الأمر علينا بإلباس التجارب الشعرية الأوصاف التي تخفف من هول الفجيعة، والحقائق التي جعلنا حدس الشعر الصافي نرتطم بها.
• هل وصلت إلى درجة تحويل العادي والمألوف فيما تكتل إلى حالات شعرية غير مسبوقة؟
•• أحاول ما بين فينة وأخرى الاشتغال على المألوف والعادي، لأبديه بغير ذلك، لكن هل تكون النتيجة حالات شعرية غير مسبوقة؟!، هذا قول لا أستطيع الحكم به، وإن كنت أتمنى أن تصل الحالات التي أشتعل عليها إلى هذا المستوى من انطباعات التلقي والقراءة.
• التجارب البصرية «غواية مكان» و«حدقة تسرد» و«بصيرة الأمل» ماذا أضافت لتجربتك؟
•• أضافت لي الكثير من الثراء على صعيد الدربة الشخصية على الكتابة الشعرية بغير الأدوات الكتابية المألوفة والمعروفة التي كانت مقتصرة على الورقة والقلم أو الأصابع ولوحة المفاتيح (الكيبورد)، تعلمت من هذه التجربة كيف تقبض على اللحظة الشعرية بأدوات أخرى، لم أكن قد جربتها في كتابة الشعر، الكتابة بعدسة الكاميرا، وبمايك مسجل الصوت، وكيف تجعل كل الأشياء من حولك بالطبيعة وبالفنون شركاء لك في رسم نصك وتحويله من فضاء محدود بالورقة إلى كتلة فنية ولوحة يمتزج فيها السمعي بالبصري، والإظلام بالإضاءات، والأصوات من الأطفال والجدات والأمهات ومن الطيور والحيوانات وحتى أصوات قطرات الماء وحفيف أوراق الشجر وأصوات الرعاة وغيرها، مع الصورة واللوحة التشكيلية، والأغنية وشخبطات العشاق على الجدران.. كل ما تراه من حولك مما لم يكن القبض عليه بالقلم فحسب ممكنا بالماهية نفسها، تعلمت من هذه التجربة الانفتاح عليه، وأن الشعر أوسع وأرحب من حصاره في الكتابة الألفبائية، وأنها ستكون مستقبل الإبداع عى المدى البعيد.
• في الجامعة لديك علاقة وطيدة ومهمّة مع النشاط الطلابي.. حدثنا عن هذه العلاقة وعن أبرز التجارب المؤسسية التي عملتم عليها في الجامعة.
•• هنا تجربة تستحق أن تفرد بحديث وحوار مستقل بها، وأجد هضما كبيرا للكثير من جوانبها الخلاقة وتفاصيل نشأتها وتطورها، ولعل أبرز ما يمكن ذكره باختصار هو أن التعامل مع الطلبة الموهوبين في شتى المجالات مسرحا وشعرا وفنونا صوتية وبصرية؛ بوصفهم مبدعين وموهوبين وزملاء وشركاء يحفز الطاقات الكامنة دواخلهم، ويشجعهم إلى حدود تفوق التوقع، وهو ما جعل تجربة الأندية الطلابية بجامعة جازان تجربة رائدة ليس على مستوى جامعات الوطن بل على مستوى الجامعات الخليجية، ومخرجات أندية الطلبة بجامعة جازان جعلت منها بيت خبرة لإدارة الفعاليات ليس فحسب داخل الجامعة وإنما خارج الجامعة، وتجارب أندية المسرح والقراءة والفنون السمعية والبصرية حققت جوائز نافست بها جهات تكاد تكون مختصة في هذه الفنون. وحققت الأندية الطلابية على صعيد المسؤولية والشراكة المجتمعية نجاحات في إدارة الفعاليات السياحية والمهرجانية جعلت منها محط أنظار الزوار والمرتادين ومطلبا لتحقيق المتعة والفائدة للطرفين الشباب المبدع والمجتمع وعنصرا شريكا في نجاح أهم فعاليات المنطقة.
• كيف يقرأ لنا أستاذ جامعي وشاعر كـ «محمد حبيبي» المشهد الثقافي في السعودية بشكل عام؟
•• هذا السؤال من الصعوبة الإجابة عنه، فهو يستلزم إلماما بأغلب تفاصيل المشهد الثقافي، لكن دعني أحدثك عن مخاوفي كأستاذ جامعي ومعني بالثقافة والإبداع، إذ ألاحظ وأرى أن تحولات كبيرة تحدث على صعيد غياب الكثير من ملامح هذا المشهد لدى الأجيال الجديدة والإلمام به وبرموزه لأسباب يتعلق بعضها بضعف التأسيس في مراحل التعليم العام وخصوصا المرحلة الثانوية، وبعضها يتعلق بما يشهده عالمنا من تحولات على صعيد وسائط المعرفة وبرامج التواصل، إذ تكثر المغريات من المواد ومنصات البث، وبدلا من أن يحدث التوظيف الإيجابي في زيادة مدارك الأجيال الجديدة واستفادتها من سهولة الوصول والحصول على المعلومة والكتاب التي لم تعد تكلف أكثر من ضغطة زر على جهاز كفي، أرى أنه يحدث العكس، إذ تزداد هشاشة الثقافة العامة وأساسيات المعرفة وإهدار الأوقات في أمور هشة لدى أجيالنا بعد الحقبة الألفية مع غياب تام
للجهات المسؤولة عن توظيف التقنيات ومنصات التواصل الحديثة بأساليب جاذبة ومشوقة للأجيال الشابة.
وهذا التصور لا يلغي تميز تجارب شبابية فردية تشتغل على تثقيف نفسها خارج السرب.
• هل مازالت الأندية الأدبية كيانات آيلة للانقراض؟
•• نعم، ما زالت وهي الآن تقترب أكثر فأكثر من تحقق هذه المقولة، خصوصا مع الإصرار على بقائها بمعزل عن الفنون السمعية والبصرية والموسيقى، وعدم إدراك ووعي القائمين عليها بأن الغايات التي أسست من أجلها الأندية الأدبية في زمن العواد والسنوسي قبل نصف قرن تختلف عما يفترض أن يكون عليه أداؤها الآن. فما زال الأدباء يجلسون خلف المايك والطاولة التي جلس عليها الأدباء قبل نصف قرن ويحاولون التواصل مع الجمهور (المشتكى من عزوفه ومقاطعته) بالطريقة نفسها إلا ما ندر.
يرى أنّ الأندية الأدبية اقتربت أكثر فأكثر من الانقراض، والسبب أنّ هناك إصراراً كبيراً على بقائها بمعزل عن الفنون السمعية والبصرية والموسيقى، إضافة إلى أنّ القائمين عليها يؤمنون بأنّ الغايات التي أسست من أجلها الأندية الأدبية في زمن العواد والسنوسي قبل نصف قرن ما زالت كما هي، فالأدباء ما زالوا يجلسون خلف المايك والطاولة التي جلس عليها الأدباء قبل نصف قرن ليتواصلوا مع الجمهور الذي يشكون من عزوفه.. الكثير من المحاور يفتحها الشاعر والأكاديمي في جامعة جازان «محمد حبيبي» عن الشعر والجامعة والمشهد الثقافي السعودي فإلى نصّ الحوار:
• لماذا يتمنى أستاذ أكاديمي معروف وشاعر مثل محمد حبيبي أن يمضي بقيّة حياته راعياً؟
•• لأنها ستكون حياة هادئة بعيدة عن كل بواعث الصخب والقلق والتوتر المتزايد من حولنا بحياتنا في شقيها الواقعي والافتراضي، كما أنها أمنية لا تخص محمد حبيبي، إذ هي أمنيات عديد من الشعراء قبله في عصور مختلفة. فالشاعر القديم قد وصل به التمني أن لو يكون ومحبوبته بعيرين أجربين تتحاشهما باقي الإبل.
• في شعرك عوالم ممزوجة باللوعة والانكسار والغياب.. لماذا؟
•• أنا نفسي لا أعلم عن ذلك ولا أتعمده. أكتب ما أشعر وأحسّ به فحسب، وقد يبدو بهذا الشكل أو ذاك.
• اهتمامك بالتفاصيل الصغيرة في شعرك، وإعطاؤك لها حيزاً ملحوظاً ابتداء بالهامش... إلام يعود؟.
•• مهمة الشاعر ليس تسليط الضوء على الظواهر والأشياء الكبرى المرئية للجميع، فهذه يستطيع أن يتلمسها الكل. مهمة الشاعر في تصوري أن يضع أعيننا على ما لا يتم التنبه إليه سوى من خلال عدسة المبدع المغايرة، كما تفعل الصورة الفوتوغرافية أو اللوحة التشكيلية أو المنحوتة الفنية أو القصة وغيرها من أنماط الإبداع التي تكثف اللحظة الشعورية عند موقف أو حالة ما، وكأنما تعيد اكتشافها وتقديمها بمنظور جديد.
• لك دواوين «انكسرتُ وحيـداً» و«أطفئُ فانوس قلبي» و«الموجدة المكيّة» و«جالساً مع وحدك» أغلبها عناوين لافتة ومحفزة على قراءة ما وراء هذه العناوين.. هل تتعمد استثارة القارئ بهذه العناوين والمضامين التي تنزع للوحدة؟
•• هذا قد ينجح كشرك ينصبه المؤلف للقارئ في البداية عبر اجتذابه بالعناوين، لكن ماذا بعد العنوان، ماذا لو اكتشف القارئ أن لا شيء مثيرا في الكتاب عدا عنوانه، سيطوح بالكتاب جانبا. لذلك أحاول دائما أن لا تبدو ولو كلمة واحدة غير ضرورية في أي موضع من أي سطر بأي كتاب أصدرته، وأذهب لأشد من هذا بحذف الكثير من الكلمات والنصوص قبل الزج بالمسودة الأخيرة إلى الطباعة، لا أريد أن يضع القارئ أصبعه على كلمة ويتم المعنى بدونها، هذا يمثل بنظري خللا كبيرا في الكتابة وخصوصا كتابة الشعر؛ حينما يستطيع القارئ القفز على سطر أو أسطر بأكملها ولا يشعر بخلل في التركيب فهذا ترهل وعيب كبير. النص المملوء بالكلمات والتراكيب التي يمكن أن يغني بعضها عن بعض لا يستهويني، كل كلمة في القصيدة هي بمثابة حبة دواء نقصها يعني خللا وظيفيا في صحة النص ورشاقته، وزيادتها تعني مرضه بالترهلات الإنشائية، وإصابته بالسمنة.
• لديك قناعة يمكن تلمّسها من خلال ما تكتب بأنّ الشعرية لا تقوم إلاّ على المندثر والبائد.. إلى أيّ مدى يمكن أن تصدق هذه القراءة وهذه الرؤية لديك؟
•• لو أن الشعرية فعلا لا تحتاج إلا لعنصر واحد، لما صح أن نصفها بالشعرية، فالشعرية تتشكل من تضافر عدة عناصر، ربما واحدة من أهم وظائف الشعر هي إعادة الحياة في كل ما نشعر أنه قد بات بائدا ومندثرا، ذلك من جهة، ومن جهة أخرى ليس كل البائد والمندثر جميلا، وليس كل الواقع والراهن والمستقبل غير محرض على الكتابة لأنه سيئ أو قبيح، الأمر يتوقف على كيفية قراءة اللحظة والحالة وإعادة تدويرها والوعي بها. لحظتك الراهنة ستصبح عما قريب مستقبلا أو بعيد مجرد ذكرى، لكن هل نعي لحظتئذ عيشنا لهذه اللحظة؟!
• لماذا تشعر بالوحدة في نصوصك في الوقت الذي يوجد في الحياة من يقاسمك النظر إلى الأشياء والعالم؟!
•• قد يبدو ذلك وحدة، لكني أراه من منظور مقابل مزيداً من المجالسة للذات والإصغاء لها، نحتاج الكثير من الوقت لنخلو بذواتنا، نحتاج أن نصغي لأنفسانا ودقات قلوبنا، نحتاج أن نصغي للصمت الذي إن دققنا فيه بلحظات كهذه سيبدو فرط طنين ملازم لنا لم نجد الوقت الكافي لسماعه عن قرب ونحن مصغون لذاتنا وحدها، دون أن تختلط بها أنفاس ودقات قلوب المقربين منا بما في ذلك أنفاس حبيباتنا.
• أنت متّهم بالسوداوية والتشاؤم في العديد من نصوصك.. لماذا؟
•• رهافة الحدس وانصقاله عبر العديد من النصوص والتجارب هو ما قد يبدو سوداوية وتشاؤما. الشعر في أصفى حالاته مشرط يكشط عن أبلغ درجات الألم، أو مرآة تواجهنا بما نحاول دائما أن نغمض عيوننا ونصم آذاننا عامدين عن سماعه أو إبصاره، لذلك فكلما انصقل حدس الشعر نجده يقترب من تخوم الحقائق المفجعة التي نحاول متطامنين المراوغة عنها، وحينئذ نميل إلى تخفيف الأمر علينا بإلباس التجارب الشعرية الأوصاف التي تخفف من هول الفجيعة، والحقائق التي جعلنا حدس الشعر الصافي نرتطم بها.
• هل وصلت إلى درجة تحويل العادي والمألوف فيما تكتل إلى حالات شعرية غير مسبوقة؟
•• أحاول ما بين فينة وأخرى الاشتغال على المألوف والعادي، لأبديه بغير ذلك، لكن هل تكون النتيجة حالات شعرية غير مسبوقة؟!، هذا قول لا أستطيع الحكم به، وإن كنت أتمنى أن تصل الحالات التي أشتعل عليها إلى هذا المستوى من انطباعات التلقي والقراءة.
• التجارب البصرية «غواية مكان» و«حدقة تسرد» و«بصيرة الأمل» ماذا أضافت لتجربتك؟
•• أضافت لي الكثير من الثراء على صعيد الدربة الشخصية على الكتابة الشعرية بغير الأدوات الكتابية المألوفة والمعروفة التي كانت مقتصرة على الورقة والقلم أو الأصابع ولوحة المفاتيح (الكيبورد)، تعلمت من هذه التجربة كيف تقبض على اللحظة الشعرية بأدوات أخرى، لم أكن قد جربتها في كتابة الشعر، الكتابة بعدسة الكاميرا، وبمايك مسجل الصوت، وكيف تجعل كل الأشياء من حولك بالطبيعة وبالفنون شركاء لك في رسم نصك وتحويله من فضاء محدود بالورقة إلى كتلة فنية ولوحة يمتزج فيها السمعي بالبصري، والإظلام بالإضاءات، والأصوات من الأطفال والجدات والأمهات ومن الطيور والحيوانات وحتى أصوات قطرات الماء وحفيف أوراق الشجر وأصوات الرعاة وغيرها، مع الصورة واللوحة التشكيلية، والأغنية وشخبطات العشاق على الجدران.. كل ما تراه من حولك مما لم يكن القبض عليه بالقلم فحسب ممكنا بالماهية نفسها، تعلمت من هذه التجربة الانفتاح عليه، وأن الشعر أوسع وأرحب من حصاره في الكتابة الألفبائية، وأنها ستكون مستقبل الإبداع عى المدى البعيد.
• في الجامعة لديك علاقة وطيدة ومهمّة مع النشاط الطلابي.. حدثنا عن هذه العلاقة وعن أبرز التجارب المؤسسية التي عملتم عليها في الجامعة.
•• هنا تجربة تستحق أن تفرد بحديث وحوار مستقل بها، وأجد هضما كبيرا للكثير من جوانبها الخلاقة وتفاصيل نشأتها وتطورها، ولعل أبرز ما يمكن ذكره باختصار هو أن التعامل مع الطلبة الموهوبين في شتى المجالات مسرحا وشعرا وفنونا صوتية وبصرية؛ بوصفهم مبدعين وموهوبين وزملاء وشركاء يحفز الطاقات الكامنة دواخلهم، ويشجعهم إلى حدود تفوق التوقع، وهو ما جعل تجربة الأندية الطلابية بجامعة جازان تجربة رائدة ليس على مستوى جامعات الوطن بل على مستوى الجامعات الخليجية، ومخرجات أندية الطلبة بجامعة جازان جعلت منها بيت خبرة لإدارة الفعاليات ليس فحسب داخل الجامعة وإنما خارج الجامعة، وتجارب أندية المسرح والقراءة والفنون السمعية والبصرية حققت جوائز نافست بها جهات تكاد تكون مختصة في هذه الفنون. وحققت الأندية الطلابية على صعيد المسؤولية والشراكة المجتمعية نجاحات في إدارة الفعاليات السياحية والمهرجانية جعلت منها محط أنظار الزوار والمرتادين ومطلبا لتحقيق المتعة والفائدة للطرفين الشباب المبدع والمجتمع وعنصرا شريكا في نجاح أهم فعاليات المنطقة.
• كيف يقرأ لنا أستاذ جامعي وشاعر كـ «محمد حبيبي» المشهد الثقافي في السعودية بشكل عام؟
•• هذا السؤال من الصعوبة الإجابة عنه، فهو يستلزم إلماما بأغلب تفاصيل المشهد الثقافي، لكن دعني أحدثك عن مخاوفي كأستاذ جامعي ومعني بالثقافة والإبداع، إذ ألاحظ وأرى أن تحولات كبيرة تحدث على صعيد غياب الكثير من ملامح هذا المشهد لدى الأجيال الجديدة والإلمام به وبرموزه لأسباب يتعلق بعضها بضعف التأسيس في مراحل التعليم العام وخصوصا المرحلة الثانوية، وبعضها يتعلق بما يشهده عالمنا من تحولات على صعيد وسائط المعرفة وبرامج التواصل، إذ تكثر المغريات من المواد ومنصات البث، وبدلا من أن يحدث التوظيف الإيجابي في زيادة مدارك الأجيال الجديدة واستفادتها من سهولة الوصول والحصول على المعلومة والكتاب التي لم تعد تكلف أكثر من ضغطة زر على جهاز كفي، أرى أنه يحدث العكس، إذ تزداد هشاشة الثقافة العامة وأساسيات المعرفة وإهدار الأوقات في أمور هشة لدى أجيالنا بعد الحقبة الألفية مع غياب تام
للجهات المسؤولة عن توظيف التقنيات ومنصات التواصل الحديثة بأساليب جاذبة ومشوقة للأجيال الشابة.
وهذا التصور لا يلغي تميز تجارب شبابية فردية تشتغل على تثقيف نفسها خارج السرب.
• هل مازالت الأندية الأدبية كيانات آيلة للانقراض؟
•• نعم، ما زالت وهي الآن تقترب أكثر فأكثر من تحقق هذه المقولة، خصوصا مع الإصرار على بقائها بمعزل عن الفنون السمعية والبصرية والموسيقى، وعدم إدراك ووعي القائمين عليها بأن الغايات التي أسست من أجلها الأندية الأدبية في زمن العواد والسنوسي قبل نصف قرن تختلف عما يفترض أن يكون عليه أداؤها الآن. فما زال الأدباء يجلسون خلف المايك والطاولة التي جلس عليها الأدباء قبل نصف قرن ويحاولون التواصل مع الجمهور (المشتكى من عزوفه ومقاطعته) بالطريقة نفسها إلا ما ندر.