Al_robai@
يعد كتاب (التاريخ السري لتآمر بريطانيا مع الأصوليين) من الكتب المرجعية في استقصاء سيرة ومسيرة الجماعات الأصولية. ذلك أن مؤلفه (مارك كورتيس) تعقب خطوات الرموز والأتباع بحس صحفي ولغة كاتب وخبرة مستشار، خصوصاً أنه عمل في المعهد الملكي للشؤون الدولية. وتطوع مديراً لحركة التنمية الدولية. وهو في كتابه يتحدث بتجرد عن أن بريطانيا كانت ماهرة في التلاعب بكل الأطراف. ولا ريب أنه بذل مجهوداً في سبيل الفحص والتدقيق والرصد والمراجعة ليخرج لنا كتاباً قارب 600 صفحة. وقسمه إلى 19 فصلاً جمع فيها من الوثائق والوقائع والمعلومات ما يؤكد عمق الروابط بين الجماعات الأصولية وبين المخابرات البريطانية تحديداً. ويستند المؤلف في كتابه إلى الوثائق الرسمية البريطانية التي رفعت عنها السرية، خصوصاً وثائق الخارجية والمخابرات، ليفضح تآمر الحكومة البريطانية مع المتطرفين والإرهابيين دولاً وجماعات وأفراداً، بدءًا من أفغانستان مروراً بإيران والعراق والبلقان وليس انتهاء بسورية ومصر وإندونيسيا ونيجيريا، ويرى في كتابه أن بريطانيا لا تعنيها الجماعات بصفتها الأيديولوجية ولا انتماءاتها الجغرافية ولا تبعيتها التاريخية قدر ما يعنيها تحقيق مصالحها الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية طويلة الأجل ودخلت في زواج مصلحة، وكشف المؤلف عن صلة وثيقة بين أجهزة الأمن البريطانية وبين المتشددين المتأسلمين وتحديداً من عاش منهم في بريطانيا بل يذهب إلى أن المخابرات جندتهم بل ووقفت في وجه حكومات عربية طالبت بتسليم عدد منهم ممن عليهم أحكام أو ثبت تورطهم في أعمال إرهابية وتحريضية ضد بلدانهم، ويؤكد أن من بين أكثر الجماعات حضوراً في التعاون والتواطؤ البريطاني جماعة الإخوان المسلمين، التي تأسست في مصر عام 1928. والجماعة الإسلامية في الهند تأسست عام 1941. كما تسترت بريطانيا على قوى شيعية برغم أنها علنا تشارك في الحرب على الإرهاب. وينطلق الفصل الأول من عنوان «سياسة فرّق تسد الإمبريالية» وينسب بدء هذه السياسة إلى العهد الإمبراطوري عندما كان المسؤولون البريطانيون يتعهدون بانتظام مجموعات إسلامية أو أفراد للتصدي للقوى الوطنية الناهضة. ويؤكد بالوثائق أن بريطانيا كانت ترى في جماعات التطرف منظومات مفيدة بوصفها قابلة للتوظيف في حروب العصابات. ولطالما وجدت في المملكة المتحدة ملاذا آمنا. وحصل بعضهم على حق اللجوء السياسي. ويستعيد المؤلف صورا ومشاهد من اعتماد بريطانيا على القوى الإسلامية منذ دعم الخلافة العثمانية منذ القرن السادس عشر وإبان الحرب العالمية الأولى. إذ استشعرت بريطانيا خطر التوسع الروسي في ظل الكشوفات النفطية في العراق وإيران، وفي الفصل السادس عشر يستعرض المؤلف كيف غدت لندن من مراكز الجماعات الإسلامية المتطرفة من الجزائر وليبيا ومصر وكانت المركز العصبي لتحريكها كما أطلق عليها. ووصف سياسة بريطانيا في الشرق الأوسط بالنفعية. وتضمن الكتاب تعرية التوجه البريطاني البراغماتي كونها لاحقاً نبذت من استغلتهم عندما لم يعد هناك جدوى منهم مثل الإخوان المسلمين وأسامة بن لادن والجماعات الأفغانية والفرق الإندونيسية المختلفة. والكتاب وثيقة دامغة في مواجهة الادعاءات الإسلامية السلفية والإخوانية، التي تتهم القوى المدنية بأنها عميلة للغرب، في الوقت الذي قام فيه الغرب ممثلاً في بريطانيا وأمريكا، برعاية بل تأسيس معظم الحركات الإسلامية التي ترفع شعارات العداء له في العلن وتلتحف رداءه في السر، ويعرض الكتاب الدور الريادي لبريطانيا في التآمر مع الإسلاميين ثم تحويلهم كما يقول المؤلف إلى «جزمة» في قدم الأمريكيين، لتقوم بالأعمال القذرة التي يأنف الآخرون من القيام بها، إلا أن السحر كثيراً ما ينقلب على الساحر إذ لطالما انقلبت جماعات الإسلام السياسي على من قام بصناعتهم، الأمر الذى أثار حروبا بين الطرفين، ولعل الرواية الأكثر خطورة تتمثل في أن الحكومات البريطانية من العمال والمحافظين على حد سواء تواطأت لعقود طويلة مع القوى الإسلامية المتطرفة، بما في ذلك التنظيمات الإرهابية وتسترت عليها وعملت إلى جانبها ودربتها أحيانا بهدف الترويج لأهداف محددة للسياسة الخارجية وغالبا ما فعلت الحكومات ذلك في محاولة يائسة للحفاظ على قوة بريطانيا العالمية التي عانت من ضعف متزايد في مناطق أساسية من العالم، ومما يروي الكتاب بالوثائق، دور المخابرات المركزية في تمويل الإخوان، وتبني الوكالة إنشاء خلايا دينية صغيرة تعارض القومية العربية، مستعيداً ما كتب الرئيس الإمريكي إيزنهاور فى مذكراته (هناك عامل أساسي في المشكلة وهو نمو طموح عبدالناصر، والإحساس بالقوة التي اكتسبها من ارتباطه بالسوفييت، واعتقاده أنه يستطيع أن يبزغ قائداً حقيقياً للعالم العربي بأسره، ولدحر أي حركة في هذا الاتجاه. ونريد تقصى إمكانية إقامة البديل).
كانت بريطانيا لا تزال تخشى من أن تتمكن مصر عبدالناصر من توحيد العالم العربي أو على الأقل جزء كبير منه– ضد بريطانيا، وفي ضوء ذلك استمر المخططون البريطانيون يكنون الرغبة في إزاحة عبدالناصر من المنطقة، وبحثوا إمكان التدخل العسكري المباشر إلا أن البدائل المقترحة بما فيها دعم جماعة الإخوان لم تبعث الطمأنينة في قلوب البريطانيين كون الجماعة التي تتحالف مع الآخر ضد بلدانها لا يؤمن مكرها. خصص الكاتب ما يقارب مئة صفحة لهوامش تتضمن أرقام الوثائق وتواريخها.
وصدر عن المركز القومي للترجمة. بترجمة كمال السيد.
يعد كتاب (التاريخ السري لتآمر بريطانيا مع الأصوليين) من الكتب المرجعية في استقصاء سيرة ومسيرة الجماعات الأصولية. ذلك أن مؤلفه (مارك كورتيس) تعقب خطوات الرموز والأتباع بحس صحفي ولغة كاتب وخبرة مستشار، خصوصاً أنه عمل في المعهد الملكي للشؤون الدولية. وتطوع مديراً لحركة التنمية الدولية. وهو في كتابه يتحدث بتجرد عن أن بريطانيا كانت ماهرة في التلاعب بكل الأطراف. ولا ريب أنه بذل مجهوداً في سبيل الفحص والتدقيق والرصد والمراجعة ليخرج لنا كتاباً قارب 600 صفحة. وقسمه إلى 19 فصلاً جمع فيها من الوثائق والوقائع والمعلومات ما يؤكد عمق الروابط بين الجماعات الأصولية وبين المخابرات البريطانية تحديداً. ويستند المؤلف في كتابه إلى الوثائق الرسمية البريطانية التي رفعت عنها السرية، خصوصاً وثائق الخارجية والمخابرات، ليفضح تآمر الحكومة البريطانية مع المتطرفين والإرهابيين دولاً وجماعات وأفراداً، بدءًا من أفغانستان مروراً بإيران والعراق والبلقان وليس انتهاء بسورية ومصر وإندونيسيا ونيجيريا، ويرى في كتابه أن بريطانيا لا تعنيها الجماعات بصفتها الأيديولوجية ولا انتماءاتها الجغرافية ولا تبعيتها التاريخية قدر ما يعنيها تحقيق مصالحها الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية طويلة الأجل ودخلت في زواج مصلحة، وكشف المؤلف عن صلة وثيقة بين أجهزة الأمن البريطانية وبين المتشددين المتأسلمين وتحديداً من عاش منهم في بريطانيا بل يذهب إلى أن المخابرات جندتهم بل ووقفت في وجه حكومات عربية طالبت بتسليم عدد منهم ممن عليهم أحكام أو ثبت تورطهم في أعمال إرهابية وتحريضية ضد بلدانهم، ويؤكد أن من بين أكثر الجماعات حضوراً في التعاون والتواطؤ البريطاني جماعة الإخوان المسلمين، التي تأسست في مصر عام 1928. والجماعة الإسلامية في الهند تأسست عام 1941. كما تسترت بريطانيا على قوى شيعية برغم أنها علنا تشارك في الحرب على الإرهاب. وينطلق الفصل الأول من عنوان «سياسة فرّق تسد الإمبريالية» وينسب بدء هذه السياسة إلى العهد الإمبراطوري عندما كان المسؤولون البريطانيون يتعهدون بانتظام مجموعات إسلامية أو أفراد للتصدي للقوى الوطنية الناهضة. ويؤكد بالوثائق أن بريطانيا كانت ترى في جماعات التطرف منظومات مفيدة بوصفها قابلة للتوظيف في حروب العصابات. ولطالما وجدت في المملكة المتحدة ملاذا آمنا. وحصل بعضهم على حق اللجوء السياسي. ويستعيد المؤلف صورا ومشاهد من اعتماد بريطانيا على القوى الإسلامية منذ دعم الخلافة العثمانية منذ القرن السادس عشر وإبان الحرب العالمية الأولى. إذ استشعرت بريطانيا خطر التوسع الروسي في ظل الكشوفات النفطية في العراق وإيران، وفي الفصل السادس عشر يستعرض المؤلف كيف غدت لندن من مراكز الجماعات الإسلامية المتطرفة من الجزائر وليبيا ومصر وكانت المركز العصبي لتحريكها كما أطلق عليها. ووصف سياسة بريطانيا في الشرق الأوسط بالنفعية. وتضمن الكتاب تعرية التوجه البريطاني البراغماتي كونها لاحقاً نبذت من استغلتهم عندما لم يعد هناك جدوى منهم مثل الإخوان المسلمين وأسامة بن لادن والجماعات الأفغانية والفرق الإندونيسية المختلفة. والكتاب وثيقة دامغة في مواجهة الادعاءات الإسلامية السلفية والإخوانية، التي تتهم القوى المدنية بأنها عميلة للغرب، في الوقت الذي قام فيه الغرب ممثلاً في بريطانيا وأمريكا، برعاية بل تأسيس معظم الحركات الإسلامية التي ترفع شعارات العداء له في العلن وتلتحف رداءه في السر، ويعرض الكتاب الدور الريادي لبريطانيا في التآمر مع الإسلاميين ثم تحويلهم كما يقول المؤلف إلى «جزمة» في قدم الأمريكيين، لتقوم بالأعمال القذرة التي يأنف الآخرون من القيام بها، إلا أن السحر كثيراً ما ينقلب على الساحر إذ لطالما انقلبت جماعات الإسلام السياسي على من قام بصناعتهم، الأمر الذى أثار حروبا بين الطرفين، ولعل الرواية الأكثر خطورة تتمثل في أن الحكومات البريطانية من العمال والمحافظين على حد سواء تواطأت لعقود طويلة مع القوى الإسلامية المتطرفة، بما في ذلك التنظيمات الإرهابية وتسترت عليها وعملت إلى جانبها ودربتها أحيانا بهدف الترويج لأهداف محددة للسياسة الخارجية وغالبا ما فعلت الحكومات ذلك في محاولة يائسة للحفاظ على قوة بريطانيا العالمية التي عانت من ضعف متزايد في مناطق أساسية من العالم، ومما يروي الكتاب بالوثائق، دور المخابرات المركزية في تمويل الإخوان، وتبني الوكالة إنشاء خلايا دينية صغيرة تعارض القومية العربية، مستعيداً ما كتب الرئيس الإمريكي إيزنهاور فى مذكراته (هناك عامل أساسي في المشكلة وهو نمو طموح عبدالناصر، والإحساس بالقوة التي اكتسبها من ارتباطه بالسوفييت، واعتقاده أنه يستطيع أن يبزغ قائداً حقيقياً للعالم العربي بأسره، ولدحر أي حركة في هذا الاتجاه. ونريد تقصى إمكانية إقامة البديل).
كانت بريطانيا لا تزال تخشى من أن تتمكن مصر عبدالناصر من توحيد العالم العربي أو على الأقل جزء كبير منه– ضد بريطانيا، وفي ضوء ذلك استمر المخططون البريطانيون يكنون الرغبة في إزاحة عبدالناصر من المنطقة، وبحثوا إمكان التدخل العسكري المباشر إلا أن البدائل المقترحة بما فيها دعم جماعة الإخوان لم تبعث الطمأنينة في قلوب البريطانيين كون الجماعة التي تتحالف مع الآخر ضد بلدانها لا يؤمن مكرها. خصص الكاتب ما يقارب مئة صفحة لهوامش تتضمن أرقام الوثائق وتواريخها.
وصدر عن المركز القومي للترجمة. بترجمة كمال السيد.