-A +A
حاورته: هدية النجار *
للصورة الفوتوغرافية دويها، إذ تغني عن الكلمات كون عصرنا الراهن يسمَّى بـ(عصر الصورة) لأهميته في تخليد اللحظات إلى الأبد، ما أفرز مصورين محترفين، تمكنهم موهبتهم من رؤية ما لا يراه الآخرون، فيضفون على الصورة ألقاً جديداً، وبُعداً إضافياً.

يجنح الفوتوغرافي إلى خلق الرسائل، ويمنحها المفاهيم من خلال أدواته الإبداعية، إذ ينطلق إلى آفاق أرحب، كما يقدم صوره الفوتوغرافي السعودي تركي عبدالله، الذي لم يتجاوز العقدين من عمره، منطلقاً منذ سن مبكرة عندما كان في المرحلة الابتدائية.


يحرص ابن الـ20 ربيعاً على أن يقدم نظرته الخاصة للوجود من خلال العدسة، محاولاً أن يقدم رسائله التوعوية، وأعماله الفنية كي يوصل المعنى العميق الذي يود أن يقوله بالصورة، ومن هنا يأتي هذا الحوار:

• حدثنا عن المدرسة التي صنعت الفنان الفوتوغرافي تركي منذ سن التاسعة؟

في الحقيقة أنا أنتسب إلى عائلة كثير من أفرادها من عشاق وهواة التصوير الفوتوغرافي. كان من أبرزهم عمتي (هدى أحمد) التي ألهمتي كثير من أعمالها للدخول إلى هذا المجال.

وأنا في سن التاسعة كنت دائماً أقف أراقبها متعجباً كيف لها أن تخرج الصورة بهذا الكم من الجمال، مع العلم أن المنظر الحقيقي أمامي وأراه عاديا جداً!

كنت عاشقاً لفنها للحد الذي جعلني أبدأ مشواري بكاميرا جوال نوكيا وأرسل لها نتيجة تصويري برسائل الوسائط MMS، وأنتظر ردها بفارغ الصبر، وكل كلمة منها كانت حافزا عظيما لي.

بعد فترة من الزمن دخل والدي بأكياس كبيرة متجها إليّ، كنت في صدمة حينها، فتحت الأكياس ووجدت بها الكاميرا التي كنت أحلم بها طيلة عمري، والغريب في الأمر أنها كانت أفضل من كاميرا عمتي المصورة. شعوري حينها كان لا يوصف، وقد كانت تلك اللحظة هي بدايتي الحقيقية في مجال التصوير الفوتوغرافي عموما، والمفاهيمي خصوصا.

• لماذا اخترت التصوير المفاهيمي تحديداً؟

لأن أغلب المصورين يشتركون بنفس نوع التصوير، الذي لا يخلو من تصوير البورتريه والستيل لايف وغيرها من مجالات التصوير. لا أنكر أنني كنت مثلهم ولفترة طويلة من حياتي، إلا أنني شعرت بالملل الذي جعلني أترك التصوير لفترة، لأنني لم أشعر حينها أن هناك شيئا مميزا أو جديدا يحفزني لأستمر.

إلى أن جاءتني نصيحة من أحد أفراد العائلة ممن لهم مجال في الفن، نصحني بأن أبتكر لي عالما خاصا في مجال التصوير وبصمة مميزة يعرفني الجميع بها.

بدأت حينها أبحث إلى أن وجدت أن التصوير المفاهيمي نادراً ما يتجه إليه الآخرون. قدمت لنفسي فرصة طويلة لكي أبحث وأغذي بصري وأجرب.

في بداية الأمر كنت أشعر بصعوبة في توصيل الفكرة من أول مرة، لكن بعد فترة أصبحت عادة وأصبحت متمكنا من استخراج الأفكار. فالفكرة التي كانت تأخذ مني أسبوعا أصبحت تأخذ يوما واحدا فقط. وعلمت حينها أن كل المصاعب الأولى كانت مجرد أساسيات، استطعت أن أجتازها وأتمكن من الدخول إلى مجال قوي مثل هذا، وأنا جدا فخور بتجربتي هذه.

• برأيك هل ندرة التصوير المفاهيمي هو من خلق الشهرة لك، أم تركي هو من خلق الشهرة لهذا النوع من التصوير؟

التصوير المفاهيمي أبرز شيئا بداخلي وتفكيرا معينا أحببت أن أوصله للناس. فكان دافعا قويا أنني أصعد إلى مكان من الصعب لأحد أن يبرز فيه اسمه وبصمته أمام العالم. لكن بالطبع هذا الشيء يختلف من شخص لآخر لأن كل مصور له طريقته في إيصال أفكاره المفاهيمية للعالم، لذلك أنا أرى أن الشخص هو من يصعد بنفسه ويرفع من شأن نفسه وليس نوع التصوير.

نظرة على..!

• كيف ترى النظرة الشائعة حول تقبل المصورين؟

في الوقت الحالي بات الجميع يعتمد على المصورين بشكل كبير، في كل المناسبات أو الأحداث أو الفعاليات الكبيرة، أو حتى في الأعمال الخاصة. بل أصبح من المهن الأساسية في حياتنا مثله مثل أي وظيفة قوية أخرى. فإن لم يكن المصور يحظى بالإيجابية والتحفيز، فلن يكون قادراً على تقديم الأفضل.

• وكيف تقبل الجمهور التصوير المفاهيمي؟

في الفترة الأخيرة أصبح تقبل التصوير المفاهيمي كبيرا جدا، حتى أصبح كثير من المصورين بمختلف أنواع التصوير يفضلون إضافة العنصر المفاهيمي إلى أعمالهم، كي يحظى بلفت الانتباه بشكل أكبر ويضمن تأثيره على الناس بشكل أقوى. ولله الحمد أن هناك نسبة كبيرة من الناس أصبحت لا تتقبل أي عمل دون فكرة معينة أو هدف معين.

وسائل وفرص داعمة

• ما مدى رضاك عن دور وسائل التواصل الاجتماعي في دعم المبدعين؟

وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت تنقل فكرة سيئة عن مجتمعنا، بأنه لم يعد فيه أشخاص ممن يحملون فكرا فنيا بأي شكل من الأشكال، سواء كان في مجال الرسم أو التصوير أو غيرهما.

كما أنه بات من الممكن أن نرى شخصا في هذه الوسائل أصبح ذا شأن كبير واسماً يعرفه الكل بسبب شيء ممكن تسميته بـ«غلطة» أو «دون قصد» ويتقدم على كل المبدعين. في المقابل هناك الكثير ممن تعبوا على أنفسهم فترات طويلة من التعليم والممارسة في فنونهم. لكن لم يجدوا دعماً من الناس في هذه الوسائل إلا بشكل قليل، وفي الأغلب يكون الدعم من أصحاب الفن نفسه.

لذلك وسائل التواصل الاجتماعي بنظري ليس شرطاً أن تكون هي الأساس الذي يعتمد عليه في الدعم، الداعم الأكبر والأساسي هو دعم الشخص لنفسه.

• ما مدى رضاك عن الفرص المقدمة لإجراء معارض أو مسابقات داعمة لمواهب الشاب السعودي؟

في الفترة الحالية أصبحت المعارض هي الوسيلة الأقوى في إبراز عمل الفنان بشكل يليق به، وذلك لتركيزها على فئة معينة تقدر هذا الفن.

كثير من المدن مثل الخبر والرياض أصبحت تقيم معارض قوية في هذا الفن وغيره من الفنون لدعم الشباب. وهذه خطوة رائعة كونها فتحت أبوابا كثيرة لشهرة الفنانين.

• ما دورك في نشر هذا الفن بين أبناء وطنك؟

في الفترة الأخيرة بدأت بعمل دورات بسيطة لطرق استخدام الفوتوشوب، والعمل على إظهار الصورة المفاهيمية بشكل واقعي جداً. وأيضاً ساهمت في تصميم أغلفة كتب من بينها، كتاب لا رجل يستحق الحداد، والقلب لا ينسى، وألوانك سر سعادتك وغيرها.

كما أنني دائما أحرص على أن أوصل لهم فكرة معينة، وهي أننا في زمن يعتمد على النظرة الفريدة التي تميز كل شخص على حدة، والجميع عليه أن يحرص على تكوين بصمة خاصة له يعرفه الناس بها بمجرد المشاهدة لعمله حتى دون أن يذكر اسمه.

• كيف لك أن تقدم رسائل سامية تخدم هذا الوطن بفنك؟

هذه الفترة أصبحت الصور التوعوية والمؤثرة منتشرة بشكل ملحوظ بين الناس، فبانتشارها تنتشر الفائدة وتعم، بطريقة جذابة أكثر بكثير من كونها فكرة تقليدية قد يمل منها المشاهد. هكذا أجعل من فني رسالة نافعة لأبناء وطني وغيرهم من الشعوب.

• من خلال تجربتك ماذا تنصح الشاب السعودي صاحب الموهبة المميزة؟

الشاب السعودي مهما أخذ طابعا عن نفسه أنه شخص مهمل ولا يملك أي موهبة في داخله فهو بالتأكيد مخطئ، لأن كل أحد منا يمتلك شيئا يميزه عن غيره. ونظرة فريدة خاصة به، وهي فقط بحاجة إلى أن يكتشفها بالشكل الصحيح ويكرسها على مدى حياته كي يتطور بشكل أكبر ويثبت نفسه وبصمته من بين غيره من الفنانين.

• تعتقد أن التقدم في التكنولوجيا، سوف يغني عن الكاميرات ذات يوم ويستبدلها بالجوال؟

من وجهة نظري، أتوقع أننا سنعتمد على الجوال بشكل كبير في حياتنا القادمة، لأننا أصبحنا بحاجة إلى جهاز خفيف الوزن يوفي لنا حاجاتنا ويقدم لنا الإمكانات الكبيرة. فمع مرور الأيام والزيادة في التطور لاحظنا صغر حجم الكاميرا المرفقة بالجوال مع الزيادة في إمكاناتها بشكل ملحوظ وأفضل من السابق بكثير.

• كيف ساهمت التكنولوجيا بتقدمها، في شهرتك كمصور مفاهيمي؟

التكنولوجيا أصبحت من الأساسيات في الحياة، فهي من ساعدتني على أن أصل إلى هذا النوع من التصوير، وعن طريقها كنت أشبع نظري بأفكار مفاهيمية.

ومنها استطعت أن أبدأ مشواري ويعرفني الناس، وتمكنت من تعريفهم بهذا النوع من التصوير، لأنه كما ذكرت سابقاً أن التصوير المفاهيمي لم يكن معروفاً إلا لدى قليل جداً من الناس.

كما أن التكنولوجيا هي من ساعدتني كثيراً في إظهار العمل المفاهيمي بشكل متقن وأقرب للواقع.

• التكنولوجيا سمحت للكثير من الناس الدخول لعالم التصوير، ما مدى تخوفك من وجود منافسين لك في مجالك؟

أنا لست متخوفا مهما كثر المصورون، لأن كل إنسان يختلف بنظرته وأسلوبه وذوقه في إظهار فنه للعالم، وكل منا يختلف ببصمته التي تميزه عن غيره.

وأنا أعلم أنه مع زيادة عدد المصورين تكبر المنافسة، لكن لو نظرنا إلى الأمر من الجانب الإيجابي، فكل أحد منا يتعلم من الآخر، ومن هذا المنطلق نصبح قادرين على التحسين من الأداء في مناطق الضعف.

• برأيك، كيف يمكن استغلال التصوير المفاهيمي، كمهنة يمكن الاعتماد عليها كمصدر دخل؟

التصوير المفاهيمي فتح لي أبوابا كثيرة في التعامل مع متاجر ومحلات ومواقع كبيرة، لأن كثيرا منهم أصبح يبحث عن شيء يميزه عن غيره في تقديم خدمة لعملائه. فيكون التصوير المفاهيمي مدخلا لخلق فكرة تجذب الكثير من الناس نحوهم، ولله الحمد من هذا المنطلق أصبحت أعتمد على التصوير المفاهيمي كمصدر دخل دائم لي.

• أين ترى «تركي عبدالله» بعد 5 سنوات من الآن؟

فترة دخولي لعالم التصوير كانت طويلة جداً، تقريباً 10 سنوات، هي تجربة عميقة وجميلة تعرفت فيها على أمور كثيرة وكبيرة بالنسبة لي في هذا العالم، وهي أشبه بمدرسة. وبعد هذه المرحلة أود أن أثبت نفسي في مجال آخر وهو الإخراج السينمائي. ذات يوم كنت أتمنى أن أصبح مصوراً والآن أتمنى أن أصبح مخرجا كبيرا في يوم من الأيام، وبإذن الله ستكون فترة ممتعة جديدة أتعلم فيها مجالا فنيا آخر.

* طالبة جامعية في جامعة الملك عبدالعزيز