mohamdsaud@
لم تنتهِ القضية التي أثارها الإعلامي والناقد علي المسعودي حينما وصف الحداثيين بـ«خوارج الشعر» ونشرتها «عكاظ» في عددها الماضي من صفحة «تفاصيل»، بل بدأت من جديد، لتثير أزمة كبرى في الساحة الشعرية، وتحرك مياهها الراكدة، وتفتح باباً للنقاش بين الشعراء والنقاد.
واستغربت الشاعرة الكويتية سعدية مفرح ما وصف به المسعودي شعراء التفعيلة، وقالت عبر حسابها في«تويتر» بعد ساعات من نشر الموضوع في «عكاظ»: «خوارج؟ يا للهول! رأي جديد هذا؟ لم يكن رأيك هكذا طوال معرفتي بك وبكتاباتك وبعملك في الصحافة الشعرية وفي مجال النشر أيضاً. غريب جداً»، ليرد عليها المسعودي بتغريدة: «وصلت إلى قناعة أن بيت الشعر العربي لن يرتفع إلا على أعمدته الحقيقية».
وتضيف سعدية في تغريدة أخرى: «وكل من كتب الشعر وفقاً للتفعيلة تعتبره من الخوارج؟ طبعاً أكيد أنت حر في رأيك وقناعاتك، ولكن ليس بإقصاء الآخر هكذا! هذا ما استغربته تحديداً!»، ليرد عليها المسعودي بقوله: «لم أُقص أحداً.. خوارج الشعر هم الرافضون لعمود الشعر العربي.. الذين يتعاملون معه على أنه صنم يجب تحطيمه بقصيدة حرة».
وقال أستاذ البلاغة والنقد في جامعة أم القرى الدكتور سعود الصاعدي لـ«عكاظ»: «فيما يخص الجدل النقدي حول الشكل العمودي في الشعر أو الشكل الرأسي «التفعيلة» لا أرى ما يبرر إخراج التفعيلة من جنس الشعر الاصطلاحي، لتحقق الشرط الموسيقي وهذا الشرط منذ القدم من ركائز الشعر، وما تم لاحقا على الشعر العمودي كان بقصد التنويع الموسيقي وإعادة ترتيب وتشكيل الفضاء الشعري من حيث الإيقاع، ولا علاقة لهذا بالرؤية والمضمون لتعلّقه بالإطار الوزني فحسب».
وأضاف تعليقاً على الموضوع: «إذا دخلنا في الممارسة الشعرية من قبل الشعراء سنجد من أجاد في النوعين ومن أساء للنوعين من خلال ممارسته، ولهذا يصعب إطلاق حكم نقدي على الشعراء إلا إذا تم تخصيصهم ومحاكمة الشعر المطروح للنقاش نقديا، وعلى هذا الأساس يمكن القول إن الممارسة الشعرية في الفضاء التفعيلي لا تعدّ نضجا، إلا بعد أن تكون لاحقة في التجربة للشكل العمودي، وهذا هو حال السياق الشعري نفسه الذي اتسع فضاؤه الإيقاعي بعد أن تراكمت التجربة على مستوى الشكل العمودي، فنتجت عند ذلك ضرورة الاتساع للتنويع والقدرة على التعبير عن الرؤى الجديدة مع استثمار التقنيات الفنية التي صارت ضمن أدوات الشعر خصوصا بعد تداخل الأجناس الفنية واستثمارها في النص الشعري».
وأوضح أنه كما حدث للشكل العمودي الذي بلغ ذروته، بدا الشكل التفعيلي بعد ارتياد الشعراء له بوفرة جعلته يطرق أحيانا من باب السهولة والتعبير الجاهز، حتى صار مركبا لكل شاعر، وفضاء لا لفتح آفاق الرؤية الشعرية والتقنيات، وإنما صار بابا مفتوحا للشكل، ما جعل شعر التفعيلة يتراجع عن ذي قبل ويتقهقر فيما يخص المستوى الفني، مشيراً إلى أن الشعر العمودي في يقظة جديدة على أيدي شعراء أفادوا من مرونة الشكل التفعيلي واستطاعوا إعادة الوهج من جديد للشكل العمودي.
وتابع: «بناء على هذا التصوّر أرى أن العودة إلى الشعر العمودي وفقا لهذا الحسّ الفنّي تعدّ عودة تجديدية وليست تقليدية، وهي عودة بالشعر مرة أخرى إلى منابعه الأولى بعد تراكم الممارسات الشعرية، وتلك هي طريقة نازك الملائكة حين نظّرت لشعر التفعيلة، إذ عادت به إلى الأشكال الفطرية الأولى لإثبات شرعيّته قبل شعريّته، وهكذا يمكن اعتبار العودة إلى الشكل العمودي أو الإحساس بجماليّاته وأصالتها هي من قبيل رفض التراكم الشعري، وتخليص الشعر مرة أخرى من كدر التجارب والممارسات، والعودة به إلى براءته الأولى ومنبعه الأوّل».
وقال الناقد والشاعر مشعل الفوازي لـ«عكاظ»: «الإعلامي علي المسعودي شخصية راقية ومحترمة ومحط ثقة في الوسط الشعري، لكن رؤيته هنا كأنها مجرد مانشيت صحفي ليس من الضرورة أن يعني ما يقول، والمثقف الشمولي كالمسعودي يفترض أن ينادي بالتعددية الأدبية، ويساهم في توجيه عجلاتها للمسارات الصحيحة، بدلاً من المناداة بقمع توجه شعري لمجرد أنه لا يروق له، ربما لموقف عابر، أو قراءة لنص دون المستوى، أو فهم شخصي يجب ألا تبنى عليه مواقف وقرارات، ثم أن المطالبة الصريحة بالانحياز لخط شعري معين، وإقصاء من يخرج عنه ما هي إلا تكريس للشللية وتدوير لها بطرق جديدة».
وأضاف أنه بعد مرحلة المسابقات الشعرية والقنوات الشعبية، وما شكلته من فهم معين للقصيدة أصبح النص التقليدي هو السائد، وكل التجارب الشعرية الجميلة التي تشكلت مداركها وتفاصيلها الشعرية، وخلال هذه المرحلة لم تخرج عن هذا الخط أصلاً، ما يعني أن النص التجديدي لا يشكل الآن أي مزاحمة للتقليدية في عصرها الفضائي والمالي، فضلاً عن أن يكون خطراً عليها، وبالتالي تبدو الدعوة لقفل المنابر ومسارب الضوء في وجه هذا النص والاستعداء عليه أشبه بالصراخ في فلاة قائظة للتحذير من فيضان محتمل، لا سيما أن «خوارج الشعر» تبدو صادمة وعنيفة، وربما تعود إلى الحس الصحفي لدى المسعودي بغية تحريك المياه الراكدة، «لا أظنه متحمس للدفاع عنها بلفظها ومدلولاتها».
لم تنتهِ القضية التي أثارها الإعلامي والناقد علي المسعودي حينما وصف الحداثيين بـ«خوارج الشعر» ونشرتها «عكاظ» في عددها الماضي من صفحة «تفاصيل»، بل بدأت من جديد، لتثير أزمة كبرى في الساحة الشعرية، وتحرك مياهها الراكدة، وتفتح باباً للنقاش بين الشعراء والنقاد.
واستغربت الشاعرة الكويتية سعدية مفرح ما وصف به المسعودي شعراء التفعيلة، وقالت عبر حسابها في«تويتر» بعد ساعات من نشر الموضوع في «عكاظ»: «خوارج؟ يا للهول! رأي جديد هذا؟ لم يكن رأيك هكذا طوال معرفتي بك وبكتاباتك وبعملك في الصحافة الشعرية وفي مجال النشر أيضاً. غريب جداً»، ليرد عليها المسعودي بتغريدة: «وصلت إلى قناعة أن بيت الشعر العربي لن يرتفع إلا على أعمدته الحقيقية».
وتضيف سعدية في تغريدة أخرى: «وكل من كتب الشعر وفقاً للتفعيلة تعتبره من الخوارج؟ طبعاً أكيد أنت حر في رأيك وقناعاتك، ولكن ليس بإقصاء الآخر هكذا! هذا ما استغربته تحديداً!»، ليرد عليها المسعودي بقوله: «لم أُقص أحداً.. خوارج الشعر هم الرافضون لعمود الشعر العربي.. الذين يتعاملون معه على أنه صنم يجب تحطيمه بقصيدة حرة».
وقال أستاذ البلاغة والنقد في جامعة أم القرى الدكتور سعود الصاعدي لـ«عكاظ»: «فيما يخص الجدل النقدي حول الشكل العمودي في الشعر أو الشكل الرأسي «التفعيلة» لا أرى ما يبرر إخراج التفعيلة من جنس الشعر الاصطلاحي، لتحقق الشرط الموسيقي وهذا الشرط منذ القدم من ركائز الشعر، وما تم لاحقا على الشعر العمودي كان بقصد التنويع الموسيقي وإعادة ترتيب وتشكيل الفضاء الشعري من حيث الإيقاع، ولا علاقة لهذا بالرؤية والمضمون لتعلّقه بالإطار الوزني فحسب».
وأضاف تعليقاً على الموضوع: «إذا دخلنا في الممارسة الشعرية من قبل الشعراء سنجد من أجاد في النوعين ومن أساء للنوعين من خلال ممارسته، ولهذا يصعب إطلاق حكم نقدي على الشعراء إلا إذا تم تخصيصهم ومحاكمة الشعر المطروح للنقاش نقديا، وعلى هذا الأساس يمكن القول إن الممارسة الشعرية في الفضاء التفعيلي لا تعدّ نضجا، إلا بعد أن تكون لاحقة في التجربة للشكل العمودي، وهذا هو حال السياق الشعري نفسه الذي اتسع فضاؤه الإيقاعي بعد أن تراكمت التجربة على مستوى الشكل العمودي، فنتجت عند ذلك ضرورة الاتساع للتنويع والقدرة على التعبير عن الرؤى الجديدة مع استثمار التقنيات الفنية التي صارت ضمن أدوات الشعر خصوصا بعد تداخل الأجناس الفنية واستثمارها في النص الشعري».
وأوضح أنه كما حدث للشكل العمودي الذي بلغ ذروته، بدا الشكل التفعيلي بعد ارتياد الشعراء له بوفرة جعلته يطرق أحيانا من باب السهولة والتعبير الجاهز، حتى صار مركبا لكل شاعر، وفضاء لا لفتح آفاق الرؤية الشعرية والتقنيات، وإنما صار بابا مفتوحا للشكل، ما جعل شعر التفعيلة يتراجع عن ذي قبل ويتقهقر فيما يخص المستوى الفني، مشيراً إلى أن الشعر العمودي في يقظة جديدة على أيدي شعراء أفادوا من مرونة الشكل التفعيلي واستطاعوا إعادة الوهج من جديد للشكل العمودي.
وتابع: «بناء على هذا التصوّر أرى أن العودة إلى الشعر العمودي وفقا لهذا الحسّ الفنّي تعدّ عودة تجديدية وليست تقليدية، وهي عودة بالشعر مرة أخرى إلى منابعه الأولى بعد تراكم الممارسات الشعرية، وتلك هي طريقة نازك الملائكة حين نظّرت لشعر التفعيلة، إذ عادت به إلى الأشكال الفطرية الأولى لإثبات شرعيّته قبل شعريّته، وهكذا يمكن اعتبار العودة إلى الشكل العمودي أو الإحساس بجماليّاته وأصالتها هي من قبيل رفض التراكم الشعري، وتخليص الشعر مرة أخرى من كدر التجارب والممارسات، والعودة به إلى براءته الأولى ومنبعه الأوّل».
وقال الناقد والشاعر مشعل الفوازي لـ«عكاظ»: «الإعلامي علي المسعودي شخصية راقية ومحترمة ومحط ثقة في الوسط الشعري، لكن رؤيته هنا كأنها مجرد مانشيت صحفي ليس من الضرورة أن يعني ما يقول، والمثقف الشمولي كالمسعودي يفترض أن ينادي بالتعددية الأدبية، ويساهم في توجيه عجلاتها للمسارات الصحيحة، بدلاً من المناداة بقمع توجه شعري لمجرد أنه لا يروق له، ربما لموقف عابر، أو قراءة لنص دون المستوى، أو فهم شخصي يجب ألا تبنى عليه مواقف وقرارات، ثم أن المطالبة الصريحة بالانحياز لخط شعري معين، وإقصاء من يخرج عنه ما هي إلا تكريس للشللية وتدوير لها بطرق جديدة».
وأضاف أنه بعد مرحلة المسابقات الشعرية والقنوات الشعبية، وما شكلته من فهم معين للقصيدة أصبح النص التقليدي هو السائد، وكل التجارب الشعرية الجميلة التي تشكلت مداركها وتفاصيلها الشعرية، وخلال هذه المرحلة لم تخرج عن هذا الخط أصلاً، ما يعني أن النص التجديدي لا يشكل الآن أي مزاحمة للتقليدية في عصرها الفضائي والمالي، فضلاً عن أن يكون خطراً عليها، وبالتالي تبدو الدعوة لقفل المنابر ومسارب الضوء في وجه هذا النص والاستعداء عليه أشبه بالصراخ في فلاة قائظة للتحذير من فيضان محتمل، لا سيما أن «خوارج الشعر» تبدو صادمة وعنيفة، وربما تعود إلى الحس الصحفي لدى المسعودي بغية تحريك المياه الراكدة، «لا أظنه متحمس للدفاع عنها بلفظها ومدلولاتها».