لا يمكن إغفال أهمية الأستاذ الجامعي للأدب الإنجليزي والناقد الفلسطيني – الأمريكي إدوارد سعيد عند الحديث عن مفهوم الاستشراق، إذ يعد من أوائل الأسماء التي أثرت بشكل كبير في بناء المفهوم من خلال كتابه «الاستشراق»، ما وضعه محط جدل واسع في أروقة الثقافة.
آمن إدوارد سعيد بضرورة اختبار خطاب الاستشراق ودراسته بشكل حقيقي وجاد؛ لأنه ومن دون أن تكون هناك آلية لذلك فلن يتمكن المرء من فهم ما وراء هذا المصطلح.
ولم تستطع الثقافة الأوروبية أن تنتج شرقا سياسيا واجتماعيا وعسكريا له أيديولوجيا جديدة سواء في الفضاء العلمي أو حتى التخيلي خلال فترة ما بعد عصر التنوير دون أن يكون لديها خطاب ذكي.
فالمثقف بحسب ما يراه إدوارد سعيد هو المثقف الذي يعرّي الخطاب ويقوم على تفكيكه لأكثر من مرة، حتى يصل لحقيقة واحدة يستطيع من خلالها أن يبني مفهومه الخاص بشكل واعٍ دون أن تكون للمثقف لغة نقدية في كل من الفضاء الثقافي والفلسفي والفكري.
ويصب خطاب المستشرق في مفهوم الخطاب المنقذ والمبشر والعالم بأمر الشرقي، وكما يشير سعيد في كتاباته إلى أن المستشرق أحال الشرق إلى موضوع للمعرفة الأنثروبولوجية والفلسفية.
وكان لإدوارد سعيد المتوفى في نيويورك من عام 2003 لغة شرسة أو قوية إن صح التعبير تجاه مفهوم الاستشراق الذي بناه الغرب والذي دوماً ما كان يصفه بأنه ناتج عن «الهيمنة الإمبريالية»، وفكر الاستعمار التي يملكها الغرب هو يرى أنه وحتى في نقد الأدب والفن في الشرق يحول دوماً ذلك دون نظرة عقلانية وبعد فلسفي في إطلاق الأحكام.
ويذكر أن الكثير من المعطيات التي أخذ بها إدوارد سعيد هي بعد دراسة بحثية عميقة لأعمال الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو والتي تأثر بها كثيراً.
وكشف الناقد والمترجم لكتاب الاستشراق كمال أبو أديب الرابط الذي جمع سعيد وفوكو والذي يكمن في الخطاب التجديدي باعتباره جزءا من الدراسات الإنسانية الحداثية، إذ شكلت فائدة كبيرة لتحديد هوية الشرق كما يعترف سعيد، مستخدماً المنهج البنيوي الأبستمولوجيا لقراءة ما وراء الاستشراق.
ويعرف مصطلح الأبستمولوجيا على أنه علم المعرفة والذي يعتبر فرعاً من فروع الفلسفة تهتم بطبيعة ومجال الفضاء المعرفي، اهتم عدد من المفكرين العرب بعلم المعرفة منهم ابن سينا والأشعري والغزالي هذا وشكل المفهوم عند الغرب مبحثاً مهماً لدراسة طبيعة الأشياء، ويعود أصل المصطلح إلى الفيلسوف الأسكتلندي جيمس فريدريك فيرير.
دخل إدوارد سعيد لعوالم الاستشراق متمكناً من المعرفة التي انساق معها لدراسة تاريخ وهوية هذا المفهوم، مؤكداً على ضرورة كشف تعصب الغرب المتأصل بشكل يكاد أن يكون ثابتاً في الثقافة الغربية وما تحمله من تشويه بالغ لتاريخ الشرق، وكأنه يفند كل رؤية غربية على أساس منهجي بحت.
ولا يمكن أن يتعمق الغربي في أصول الشرقي دون هدف بعينه حتى وإن كان على المستوى البعيد، إذ قام إدوارد سعيد على أعمال فكرية كبيرة منها «القصد والمنهج، العالم والنص والناقد، تمثلات المثقف، الثقافة والمقاومة، القلم والسيف».