لو أن «عايش» وهو الولد الوحيد لعائلته التي بالكاد تحصل على قوت يومها، حيث كان الأب يعمل حارسا لأحد البنوك، لو أنه أكمل دراسته وانتقل من الصف الخامس الابتدائي إلى الصف السادس، لمنحه المجتمع لقب (حامل شهادة) لكن الله لم يكتب له ذلك، فُصل الأب من حراسة البنك، لأنه لا يحمل مؤهلا، حاول الأب بحكم معرفته بموظفي البنك الذين عاشرهم زمنا لا بأس به أن يحل ابنه (عايش) بديلا عنه، ووُعد خيرا، أخرج ابنه من المدرسة في ترقب أن تأتي الموافقة من البنك أشهرا عديدة، شرخ الحزن الأب وأربك حياته فقد غامر بخروج ابنه من المدرسة، وحين عرف أن إجابة طلبه قد وصلت، استبشر خيرا، قيل له: الإجابة عند مدير الفرع، لكن وجوههم لم تنبئ عن بارقة أمل، دلف إلى مكتب المدير وهو يمني نفسه بالخير، وقف أمام المكتب، والمدير منغمس في عمله والرد على الاتصالات موزعة بين هاتفه الخاص وتلفون المكتب.
أبو عايش كان يتابع انفعالاته وتناقضها دون أن يرف له جفن، فقد تعود على صمت مطبق، وحين طال انتظاره، جرؤ أن يقول له: مساء الخير.
حينها رفع مدير الفرع ناظريه وقال بود كاذب: زمان عنك أبا عايش.
قال له: الحمد لله (عايش).
إجابة لا تخلو من خبث، كان هذا رد المدير.
قال له أبو عايش: كثر خيرك، هل هناك علم عن طلبي.
نظر إليه المدير: وقال بخبث مفضوح: تعرف الآن شُح الوظائف، وشروط التوظيف بالغة القسوة من لغة وشهادات عليا وإجادة الكمبيوتر واللغة الإنجليزية. ومعنى ذلك نقدم لك اعتذارنا. خرج أبو عايش حسيراً مكسور الخاطر، أخرج مفتاح منزله وتردد كثيراً وتذكر زوجته القاسية التي تلومه كل دقيقة. أمام باب المنزل مكث طويلاً وأتته شجاعة مفاجئة ودخل إلى منزله ولما لم يجد لها أثراً هدأ خاطره لكن الهزيمة تطارده فقد أخرج ولده من المدرسة وأخرجوه من البنك، بحث عن «عايش» فلم يجده لكنه خمن المكان الذي يذهب إليه محطة القطار التي بجانبهم فقد تعود الذهاب إلى هناك ليلاً ونهاراً.
القطار ذو الاتجاه الواحد، الاتجاه شرقاً إلى الأحساء وبقيق أو الدمام. رآه وقد وضع لباس رأسه على المقعد الذي بجانبه، اتخذ مجلسه بقربه فإذا به يمسح دمعه وبيده رقم الانتظار قطع تذكرة وكتب عليها الدمام الدرجة السياحية التفت فإذا بوالده إلى جانبه، لم يبادره بالحديث وكلاهما يتابع المسافرين الذين تملؤهم البهجة والحركة الغنية بالفرح نساء ورجالاً وأطفالاً على حد سواء. قال له والده كيف تأخذ رقماً ولا تستخدمه، لاحظت معك ثلاثة أرقام لرحلات لا تستطيع شراء تذاكرها.
قال عايش: كان قلبي يفز عند سماع الرقم وأعيش حالة من النشوة لا يقطعها إلا إذا جاء الرقم التالي صوتاً وصورة فهكذا كل يوم بعد أن فقدت زملائي في المدرسة لم يعد لي سوى حلم الوصول إلى الدمام.
قال والده: لكنك لا تملك المال للوصول ولا المأوى.
قال: لدي رغبة مجنونة لرؤية البحر الذي لا أعرفه، حينها دمعت عينا والده. يا بني نحن لا نملك شيئاً قال له عايش لا تبتئس، أنا أملك الحلم ويوماً ما سوف يشاهدني البحر.
* قاص سعودي
أبو عايش كان يتابع انفعالاته وتناقضها دون أن يرف له جفن، فقد تعود على صمت مطبق، وحين طال انتظاره، جرؤ أن يقول له: مساء الخير.
حينها رفع مدير الفرع ناظريه وقال بود كاذب: زمان عنك أبا عايش.
قال له: الحمد لله (عايش).
إجابة لا تخلو من خبث، كان هذا رد المدير.
قال له أبو عايش: كثر خيرك، هل هناك علم عن طلبي.
نظر إليه المدير: وقال بخبث مفضوح: تعرف الآن شُح الوظائف، وشروط التوظيف بالغة القسوة من لغة وشهادات عليا وإجادة الكمبيوتر واللغة الإنجليزية. ومعنى ذلك نقدم لك اعتذارنا. خرج أبو عايش حسيراً مكسور الخاطر، أخرج مفتاح منزله وتردد كثيراً وتذكر زوجته القاسية التي تلومه كل دقيقة. أمام باب المنزل مكث طويلاً وأتته شجاعة مفاجئة ودخل إلى منزله ولما لم يجد لها أثراً هدأ خاطره لكن الهزيمة تطارده فقد أخرج ولده من المدرسة وأخرجوه من البنك، بحث عن «عايش» فلم يجده لكنه خمن المكان الذي يذهب إليه محطة القطار التي بجانبهم فقد تعود الذهاب إلى هناك ليلاً ونهاراً.
القطار ذو الاتجاه الواحد، الاتجاه شرقاً إلى الأحساء وبقيق أو الدمام. رآه وقد وضع لباس رأسه على المقعد الذي بجانبه، اتخذ مجلسه بقربه فإذا به يمسح دمعه وبيده رقم الانتظار قطع تذكرة وكتب عليها الدمام الدرجة السياحية التفت فإذا بوالده إلى جانبه، لم يبادره بالحديث وكلاهما يتابع المسافرين الذين تملؤهم البهجة والحركة الغنية بالفرح نساء ورجالاً وأطفالاً على حد سواء. قال له والده كيف تأخذ رقماً ولا تستخدمه، لاحظت معك ثلاثة أرقام لرحلات لا تستطيع شراء تذاكرها.
قال عايش: كان قلبي يفز عند سماع الرقم وأعيش حالة من النشوة لا يقطعها إلا إذا جاء الرقم التالي صوتاً وصورة فهكذا كل يوم بعد أن فقدت زملائي في المدرسة لم يعد لي سوى حلم الوصول إلى الدمام.
قال والده: لكنك لا تملك المال للوصول ولا المأوى.
قال: لدي رغبة مجنونة لرؤية البحر الذي لا أعرفه، حينها دمعت عينا والده. يا بني نحن لا نملك شيئاً قال له عايش لا تبتئس، أنا أملك الحلم ويوماً ما سوف يشاهدني البحر.
* قاص سعودي