ميس العثمان
ميس العثمان
-A +A
حاورتها: أروى المهنا arwa_almohanna@
بين خبايا المعرفة وعوالم الكتاب تشكلت تجربتها حتى تمكنت من سبر أغوار الكلمة وفك عقد المجهول فيها، أخذتها الرواية لأمكنة أبعد ما تكون عن التقليدية وأقرب ما تكون لفضاءات حرة تشغلها وحدها، لم تخش الرقيب ولم تستسلم للممنوع بل ناهضت ضد الإقصاء منذ عام 2007، لها في القصة والرواية تسعة إصدارات، منها «عرائس الصوف، عبث، غرفة السماء، ثؤلول». نعكف في هذا الفضاء أكثر مع الروائية والكاتبة والباحثة الكويتية ميس العثمان في هذا الحوار:

• روائية وباحثة ومحررة.. ما الذي يمنحك هذا الفضاء؟


•• يهديني العالم إلا قليلا!، إنني حين أنتقل من «عمل» وظيفي لآخر إنما أعيد اكتشاف ذاتي في العمق، أجدد عهد السماء في المعرفة المتواصلة التي لا تخبو ولا تضلّ طريقها، أتعلّم من كل وظيفة منها، وأنقّي روحي من المعتاد والمستمر ومن الرتابة، كنت محررة صحفية لمدة 12 عاما، ثم تركت منصبي في «صحيفة الفنون» باختياري لأسباب تخصني، وعملت منتدبة في «دار الآثار الإسلامية» كباحثة إعلامية لمدة سنتين ونصف، لكنني قبل كل ذاك كنت دائما «روائية» أتعامل مع الحياة كلها على أنها مزيج من القصص التي تستحق تأملها وإعادة تقديمها عبر روايات،‏ حكايات، أخبار، وقائع تتمازج مع الخيال. الآن أعمل في «مركز لبيع الكتب» أو «مكتبة» في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب. تشبهني وظيفتي الآن في الرغبة في السكون والهدوء والتأمل، وأتصادف مع قراء بأمزجة متنوعة؛ الأمر الذي يغني روحي بالمزيد من الجزء «الروائي» في كياني.

• كيف تتعاملين مع وحي الفكرة المفاجئة؟

•• أبتسم لوهجها أولا حين تلتمع في رأسي المزدحم بالتصورات، ألتقطها بعيدا وأخبئها، أبقيها في الركن الهادئ من الضوضاء اليومية، أطل عليها كل فترة وأخرى، أزودها بما ينميها، ثم حين تكبر وتستقر وتشتد أفرغها بما يشبه «رؤوس أقلام» أولية جدا، وتبقى تلازمني كل الوقت، أبحث في مشاويري وحواراتي عن شخصيات الفكرة الآتية، وكلما سنحت لي فرصة أعيد مراقبتها وهي تنمو (أعني الفكرة التي كبرت وصارت مشروعا) وهكذا. وحين تستحيل كائنا ضخما يسيطر على انسياب أيامي وساعاتي أقرر إطلاقها جيدا، تنهمر على الورق الكثير، بخط لاهث، راكض نحو النتائج والنهايات.

• ماذا عن الصدفة.. هل منحتك شيئاً؟

•• ليس هناك محض صدفة في هذا الخلق، كل الأشياء مرتبة بما يشبه الاحتراف، الإله (وهذا إيماني الخاص) يهدينا فرصا للتكون السليم، ونحن من يختار كيف تكون حيواتنا المتكررة، ونحن من نلقي بأنفسها لنار السعير أو لرياض السلامة.. لذا، كلما نلت شيئا من السعادة،‏ التعاسة أو ما بينهما لا يقلقني ما قد يكون، بل إنني أنتظر المزيد من إشارات «الله» بما سيكون، هذا التغيير لامسني بعد جهد طويل مع الذات، بعض قراءات وتجارب تكاد تتجاوز عمري الحقيقي، للحق أقول؛ ما يسميه الناس «صدفة» هو تنسيق قد «نتلفه» بلا وعينا، لذا كل «تقدير» أنتبه إليه «جيدا كان أم سيئا» هو لصالحي بلا أدنى شك، هو لي، ويخدمني تماما، وتنكشف ما ورائياته لاحقا في كل مرة، وبالتأكيد كل تلك «القدريات» منحتني الخير والمعرفة والسلام النفسي.

• ميس العثمان تحب بشكل أو بآخر أن تقدم نفسها ككاتبة حرة ومتمردة.. لماذا؟

•• أنا أقدّم نفسي كما هي، بل ما أرحم أن نكون «ضمن الجميع»، ليس سهلا أن تكوني على حقيقتك كل الوقت في مجتمعات تتوارى خلف إصبعها وتظن كل الوقت بأنها غير مكشوفة للكون بأكمله!، إنني لا أحب أن أظهر إلا بالشكل الذي يشبهني، ولدت هكذا، وأعيش هكذا، وأنمي ذاتي كي أبقى دون رتوش كي «يقبلني الآخر»، وصدقيني؛ كثرٌ من يرغبون «جدا» بأن يكونوا بالحرية ذاتها وبالتمرد ذاته «مع تحفظي الكبير على كلمة تمرّد». أؤمن بأن من يضع لنفسه لافتة تعريفية بـ«مثقف» عليه أن يتحمل تبعاتها الواقعية، فهو لم يُخلق للأضواء والشهرة والمجد، ما لم يقدّم تنازلاته الكثيرة في حياته، وكل هذا الضوء الساطع يخلّف رماداً، خلقنا لمساعدة الناس وأنفسنا أولا، والكاتب الحقيقي لا يتنازل عن آرائه ومواقفه مهما كلّفته، والتكلفة عالية جدا بتقديري،‏ تجربتي.

• هل واجهت تهديدات في تاريخ محاربتك الرقيب على الكلمة منذ 2007؟

•• بدأنا في حملات ضد الرقيب والرقابة منذ 2007، حينها لم تكن كتبي ممنوعة، بل متاحة في المكتبات والمعارض، لكن المواقف لا تتجزأ أبدا، رفضي للرقابة والخنق بدأ مبكرا، مع بدايات التلويح بالرفض والحرمان والمنع، مظاهرات طويلة خضناها، وبيانات كتبت في الصحف (قبل أن تحاصر الصحف أيضا) والكثير.. لم نهدد فعليا، لكن إصداري «ثؤلول» كان قد حوصر هو الآخر في عام 2015، وقت صدوره حتى اللحظة، الرقيب يهاب الكِتاب الذي يقول كلاما مهما، الذي يتناول المسكوت عنه وينبش في أراض بعيدة لم يلامسها أحد، نحن واقعا نُهدد كل يوم عبر إقصاء المطبوعات من معارض الكتب، وعبر منع نشر كتاباتي من الصحف اليومية «الخاصة»، العصا في العجلة سهلة بالنسبة لمن هم في «سدة» المسؤولية وتحت مسميات عدة؛ الرقيب هو أسرتك أحيانا، وهو مسؤولك في العمل كثيرا، ومجتمعك دوما، وهو من يكرهك لأسباب تخصه أبدا،... عوضا عن «الرقيب» في وزارة الإعلام الذي يمنعك لأنه بلا وعي أو ثقافة، أو لأنه يهابك.

• عمل جديد تعملين عليه حالياً بعد نتاجك العميق «ثؤلول»؟

•• انتهيت تقريبا من عمل سردي جديد، اتجاه مختلف، تجربة جديدة على الأقل بالنسبة لي، سيكون لدى الناشر خلال أسابيع من الآن، ولعله منجز يصل للقارئ الذي أثق بقدرته على الاختيار والتماهي مع الأعمال الجادة.. ولست مهتمة أبدا فيما لو منعه الرقيب في «وطني»، كل الممنوعات متاحة «بشكل آخر» في حقيقة الأمر.

• تقولين «لنعيد فتق السائد ونعمل على حياكته من جديد».. كيف يمكن ذلك؟

•• تغيير زاوية النظر.. بعض المُسلّمات في حيواتنا مؤذية، لم لا نعيد فتقها وإعادة تشكيلها مع ما يلائمنا؟، نعيد الحياكة من جديد، جرّبت ذلك شخصيا منذ زمن، منذ سنوات مضت، ورأيت «بالتجربة» بأن تغيير زاوية النظر،‏ الوعي، الفهم والتصرّف.. كلها تفضي لحياة أكثر قبولا.. لم لا نجرّب؟

• لمن تقرأ ميس العثمان هذه الأيام؟

•• أقرأ كثيرا، وعادة ما أفتح ثلاثة كتب «مختلفة التوجهات والأشكال الكتابية» في الوقت ذاته، أحد هذه الكتب في البيت، والثاني في المكتب،‏ العمل، والثالث حين الخروج بين البيت والعمل، لذا صعب أن أخبرك بما أقرأ حاليا، إنما قراءاتي خارج السرد أغلب الأحيان، أختار زوايا جديدة للإبحار بها قراءة، أرى العالم بنظر من لا يشبهني في ممارسة الحياة، لأتعرف على ما حولي بشكل جيد، ربما، تجارب من سبقونا عطاء مذهلة، تتركني في «قشعريرة» جلدية مهيبة، نحن نمارس القراءة والتأمل في آن، وكلها محاولات!.