سعدي يوسف
سعدي يوسف
-A +A
علي الرباعي (الباحة) Al_ARobai@
من وسط عاصمة الضباب لندن لا يزال الحنين الجارف إلى مرابع أهل الجزيرة العربية وشجنه الدائم إلى جذور أسلافه يحيطان بالشاعر سعدي يوسف، مؤكداً أنه مسكون بزيارة مهبط الوحي، والمقدسات، والتواصل مع إخوة وأصدقاء ربطته بهم وبعائلاتهم علاقة نسب ورحم في أبي الخصيب، والزبير. ويؤكد سعدي يوسف في حوار هاتفي مع «عكاظ» أنه مبتهج جداً ومحتفٍ بما وصلت إليه المملكة من تطور، وما أنجزته من تحولات حضارية، وهنا نص الحوار:

•كيف تصف علاقتك بالمكان؟


••المكان بديل جيد، والأمكنة ليست مجردة، بل حمّالة أوجه وأزمنة ومعان، وهذا ما يدخلك في حال المشارك والمراقب، والمتسائل والمستقبل، في تواتر يجعل نبضك يتسارع وأنفاسك تتلاحق، ويمنح عينيك سعة تعيد المجرّد إلى ملموسيته المفتقدة. الأماكن القصية في الذاكرة أو في الجغرافيا تظل قصية البلوغ، وكأنما كنت فيها أو كانت فيك، أو سكنتك حيناً من الدهر، وتركت في هواء كتابتك شذى متضوعاً، أو رائحة حادة كرائحة البارود، إلا أني في الغالب أغادر الأماكن مكرهاً، قبل تغلغل الشميم في عروقي.

•ماذا عن إقامة شاعر خارج إطار السماء الأولى؟

••أنا في هذا المنزل بالضاحية اللندنية منذ 15 عاماً، ربما لم أشغل نفسي كثيراً بالجدلية حول المكان، ولذا في هذه الأعوام كتبتُ كثيراً، وقرأتُ أكثر، وراكمتُ أحلاماً وخططاً، إلا أن الحنين اليوم بعد اجتياز الثمانين يشدني لمرابع أهلي، ولمهابط الوحي، والديار المقدسة، -ويضيف بلهجة عراقية- «أريد أشوفها».

•هل يتحول المكان (المنفى) إلى وطن؟

••ليس من مكان، إن كان الأمر محدداً بالجغرافيا، السماء الأولى إيّاها كانت ممنوعة أو شبـه ممنوعة. أتذكر أنني أردت زيارة أبو الخصيب مودّعاً وداعاً أخيراً، نهاية السبعينات، فاستقللتُ سيارة أجرة، وبلغتُ المكانَ، مقهى عند مرآب السيارات. طلبتُ الشاي، ولم أُتممْ شربه. إذ كان شرطي يقف بمواجهتي يسألُني لم أنا هنا، وماذا أفعل في المكان، نصحني بالعودة من حيث أتيتُ، وهذا ما حصلَ.

•أرى في شعرك مناجاة غير معلنة؟

••إن كانت الصلاة نفسها لا تجوز في أرض مغصوبة، فكيف عيش الـخلق، هل عليّ أن أنتظر مطلق الزمان، ابتغاء المكانِ، استيلاء غرباء على مكانك مدعاة للمناجاة، والذكريات المؤسسة على ذاكرة منبتة ليست ذكريات، الذكريات تحتاج إلى أرض صلبة لتتأسس عليها.

•هل بمقدورك إلغاء الذاكرة؟

••لا أظنُّ ذلك. لكن بمقدورك تعطيل الذاكرة مؤقّتاً، والعمل تحت تأثير ذاكرة مستحدثة. تعطيل الذاكرة القديمة، والعمل تحت تأثير ذاكرة مستحدَثة.

•هل هي نوستالجيا الاغتراب؟

••الحنين والنوستالجيا فطرية، ومن العرب نلت جائزة في المغرب، وجائزة من مصر، العالم العربي عالمي، والعرب قرائي، وكتابي عندكم، وليس في أوروبا، علماً بأني لم أكتب إلا للإنسان، خصوصاً العربي المتعب والمثقل بهمّه اليومي.

•أين وصل منجزك الشعري بعد سبعة عقود، وهل من توقف للمراجعة، وإعادة النظر؟

••العقود السبعة حقاً، صدر ما يزيد على 80 كتاباً ومجاميع شعرية، هذه المسيرة لم تكن يسيرة عليّ، فأنا تعبتُ في نقدي المستمر لتجربتي، وهذا ما أرهقني وما زال، ولن أقول إني أبدعت فيما مضى، إلا أن هناك نهراً يغيّر مجراه، وتحوله من وشل إلى شلال، يصفو ويشف ويتكدر إلا أن النهر هو نفسي، أقترب أكثر مما يمكن تسميته ما بعد الشعر، لأن هنالك أكثر من دراسة صدرت عني بلغات عدة حول ما بعد الشعر، ولاسيما في اللغة الإنجليزية،هذا يعني ربما التخلي عن مجموعة جماليات، وقيم وموازين ومقاييس، والتخلي التدريجي كما رصدها متابعون يبدو أنها كانت تأخذ سبيلها متدرجة بإلحاح، ولا أعلم إن كانت قصدية، وهو ما أدى في النهاية إلى وجود هذا المصطلح، بمعنى أن الشاعر والقصيدة يتلازمان، حتى ينتقل الشاعر إلى مدون، وبعض نصوصي أخيراً لا تجد فيها قيماً جمالية من بلاغة وموسيقى، إلا أن فيها تدويناً وتعاملاً مباشراً جداً مع تاريخ وحياة.

•بماذا تصف الشعر؟

••من الشطط مماثَلةُ الشّعر باعتباره فناً، مع الفنون الأخرى، دون اعتبار الخصائص الموضوعية للفن الشعريّ، وإذا كان لكل فن مادته الخام من اللون، والحجر، والسّلم الموسيقي، فإن للشعر مادته الخام أسوةً بالفنون وتتمثل في اللغة اللصيقة بأهلها، وبألسنتهم، فالشعر العربي وليد اللغة العربية، ولذا هو ظاهرة قومية.

•لماذا لم يعد للشعر جمهوره؟

••الشعر لا يحتاج الجمهور قدر ما يحتاج ذائقة شعرية، نحن مغرمون بالتصفيق ومولعون به ما قتل قصائدنا، والنص يجد مداه دائماً خارج العادي والمألوف، والأصوات الحرة من المثقفين المساكين، لا يجدون سنداً من المؤسسة الرسمية والكل ضدهم.

•وماذا عن العلاقة بالحياة؟

•• مولع أنا بالحياة، لأنها كالأشياء التي توهب لك مرة واحدة، وينبغي أن نستثمرها بعناية، ونعطي إنسانيتنا حقها منها.