-A +A
علي الرباعي (الباحة) Al_ARobai@
مما تناقله الرواة الشفاهيون قبل عصر الكتابة، أن إحدى المناطق أصابها الجدب، فدعاهم كبيرهم لأن يخرجوا لصلاة الاستسقاء، ولحق بهم الشاعر محسن بن عثمان الهزاني المعروف بقصائده الغزلية، وشربه التتن، أو (المخزي) كما يطلقون عليه، وعندما رآه شيخهم طرده، ولم يسمح له بالصلاة معهم كونه فاسقاً في نظرهم، وماجناً عند بعضهم، فيما يرى بعضهم من المتدينين شكلاً أن الهزاني من أسباب منع المطر، بسبب فسوقه وخروجه عن النص الاجتماعي، وليقينهم أن الغيث إنما يستنزله بالدعاء من يصنفونهم (أتقياء) ومن يظنونهم أهل خير وصلاح ظاهر وشكلي بحسب معاييرهم الحسية المغلوطة كون القلوب لا يعلم كنهها إلا الله، والهزاني في ظل تعنتهم وغلط فهمهم صعلوك ومتمرد وليس من المتدينين.

رجع محسن إلى بيته متكدّر الخاطر، وخلا إلى نفسه، وراجع حساباته، فلم ييأس ولم يقنط من رحمة الله، وانفرد أياماً، فيما عاد الجماعة من مصلاهم، وترقبوا المطر، فلم تنزل قطرة واحدة، وذات مساء، بيّت الهزاني النية، فخرج من منزله بعد صلاة الفجر، وطلب من محفّظ القرآن أن يسمح للصغار الحاضرين بمرافقته ساعة، فانطلق بهم إلى خارج البلدة، وصلى بهم الاستسقاء، ولم يكن معه كتاب خطبة، ولا أدعية، وإنما ارتجل قصيدته الذائعة (دع لذيذ الكرى) وما إن أتم القصيدة حتى تغيّر وجه السماء، وتجهمت ملامحها، وتراكمت السحب، وعاد الشاعر ليسلم الصغار لمحفظ القرآن، وأغلق على نفسه باب منزله، وأكد الرواة أن المطر استمر طيلة شهر كامل، ومن القصيدة التي صحح بها الهزاني مفاهيم الناس المغلوطة:


دع لذيذ الكرى وانتبه ثم صل

واستقم بالدجى وابتهل ثم قل

... إلى أن قال:

واسألك غادياً مادياً كلما

لج فيـه الرعـد حـل فينا الوجـل

وادقٍ صادقٍ غــادقٍ ضـاحكاً

باكياً كلما ضحك مزنـه هـطل