-A +A
سهام عريشي *
‏لأعودَ لي..

‏أحتاجُ اسماً باتساعِ الرَّملِ في عينِ المسافرِ والغريبْ.


‏أحتاجُ اسمًا لا يغيبْ.

‏اسمًا يهجّيني السؤالَ المرَّ:

‏من سرقَ الفراشةَ من دمِي؟

‏من شرَّد الأطفالَ في صَدري؟

‏ومن تركَ الورودَ الــ تستغيثُ بلا مُجيبْ؟

‏أحتاجُ عينًا تفهمُ الصَّمتَ المبعثرَ للمحارةِ

‏والترابَ على وجوهِ العائدينَ بصيدهمْ..

‏والراحلينَ إلى المغيبْ.

‏لأعودَ لي..

‏أحتاجُ عافيةَ النهارِ

‏وحكمةَ الليلِ الحنونِ على الأراملِ واليتامى.

‏أحتاجُ معجزةَ الأمومةِ حين تزهرُ في السنينْ.

‏أحتاجُ دمعاً مثل دمعِ الطيبينْ.

‏لأعودَ لي..

‏أحتاجُ ماضيا لا يخونْ.

‏لأراهُ مِن غبشِ الزجاجِ

‏فليس تخلقهُ العيونُ

‏وليس تمحوهُ العيونْ.

‏مَنْ يأخذُ العهدَ القديمَ

‏على المسافةِ أن تكونْ؟

‏مَنْ يُرجِع الأملَ الممزَّقَ

‏ بين أنيابِ الظنونْ؟

‏مَنْ يحرس الخطواتِ من غمزِ الحجارةِ

‏واغتيابِ الشوكِ

‏مَنْ يحمي الممرات الكسيرةِ

‏مِنْ وعودٍ لا تجيءُ

‏ومِنْ لقاءٍ لا يطولْ؟

‏مَنْ يحرس العشبَ المجاورَ للمقابرِ

‏والزهورَ على الطلولْ؟

‏أحتاجني..

‏أحتاج صدقَ الماءِ في وجه الغبارِ

‏وجرأة القصبِ المكابرِ في الحقولْ

‏أبدًا أحاور زرقة الوجع المخثر في وريدي:

‏لا تنادي العابرينَ..

‏فليسَ توجعني الجروحُ

‏وليسَ توجعني الطعونْ.

‏‏لأعودَ لي..

‏أحتاجُ صوتاً لا يساومني على ثمن النداءْ

‏صوتًا أورّثه الطفولةَ

‏والينابيعَ الحميمة في أراضي الذاكرةْ

‏صوتًا أمررهُ كثيرًا في ثقوبِ الناي

‏أو في ما تبقَّـــى من همومي الغابرةْ

‏صوتًا يفيضُ كما يسيلُ الكحلُ من عينِ النساء إذا بكينْ

‏صوتاً يمد لي اليدينْ..

‏صوتاً يرشُّ الماءَ في عُمري

‏فيبعثُ من مَواتي ومضةً

‏ويعيدُ لي قمرَ المساءِ

‏مُذهَّبًا في أضلعي

‏يا أيها الضوءُ المسافرُ في دمي..

‏هبني دعاءَ الأنبياءِ

‏وعزلةَ المتصوفينْ

‏هبني حروفكَ كلَّها

‏وارسمْ بحبركَ في فراغي نجمةً أو نجمتينْ.

‏‏لأعودَ لي..

‏أحتاجني..

‏أحتاجُ قلبًا لا تلونهُ المداراتُ السَّــــحيقةْ

‏قلبًا يشقُّ مواسمَ الأوجاعِ في لغتي

‏ويجترحُ الحقيقةْ

‏قلبًا يبادلني الحديقة والنَّدى

‏يختاطُ مِنْ ليلي الحكايةَ

‏والشُّموسَ مِن الصَّدى

‏يبتاعُ لي صَمتَ الخريفِ

‏وطائرينِ بلا مَدى

‏لا شيء يُشبه قلبيَ المنحوت في صخرِ السنينِ

‏سوى القصيدة في ضُــــلوعٍ شَـــــاعِرةْ

‏أو رجفة الريحِ اليتيمةِ في المدينةِ

‏بعدما يَهمِي الضَّبابْ

‏أو قطرة الماءِ التي..

‏نسيتْ خياناتِ الترابْ.

‏لا شيء في قلبيْ سوى

‏ قلبي الممرغِ بالعذابْ

‏هذي الليالي الحائرات تخيطُ لي تيهًا رماديَّ الجهاتِ

‏وأغنياتٍ للحنينِ

‏وقبضتين على الهواءْ

‏هذي السنينُ تسومُــني خوفَ الخريفِ من الطيورِ الهارباتِ من السَّماءِ إلى السَّماءْ

‏هل تعرفُ النَّارُ الرمادَ إذا تطايرَ في الهباءْ؟

‏هل يعرفُ الوردُ البكاءْ؟

* شاعرة سعودية