عشر سنوات على إصدار الترجمة العربية للكتاب الفرنسي «أوضاع العالم» (الذي حصلت مؤسسة الفكر العربي على الحقوق الحصرية لترجمته من دار «لاديكوفرت»)، وأثارت موضوعات الكتاب السنوي نقاشات واسعة بين المهتمين والمختصين طيلة الأعوام الماضية، وشكلت وثائق مرجعية للكثير من الدوائر الأكاديمية والبحثية والصحافية.
«بحثاً عن بدائل» هو عنوان «أوضاع العالم 2018» الذي صدرت ترجمته العربية حديثاً عن مؤسسة الفكر العربي، وعالجه 33 أكاديميا وباحثا، وأشرف عليه الأكاديمي برتران بادي والمؤرّخ دومينيك فيدال.
واختير موضوع الكتاب انطلاقاً من السجال الدائر حول ازدهار البدائل والخيارات التي يقترحها الفكر الغربي منذ زمن، والتي جعلت منه أكثر تفوّقاً على الثقافات الأخرى، إذ «شكلت العلامة الفارقة لهذا الفكر» على حد تعبير بادي، الذي يرى أن «فكرة التعددية ذاتها سلكت مسالك طويلة في الفكر الغربي، وفكرة الخيار البديل تبدو كواحدة من نتائجها ومفضياتها المنطقية».
«أوضاع العالم 2018» هو ملف البحث عن البدائل، والبدائل هنا هي الكثرة، أو ما يسميه برتران بادي بـ «التعدّدية» أو الفكرة الحاضرة أبداً في الفكـر الغربي، الذي يتعقل فكرة الخيار البديل، كما لو كانت في طبيعة الأشياء، وتصح وتكون مقبولة في بلدان تقول بالتمثيل والانتخابات والأحـزاب والتنظيمات، وتلجأ إلى التداول وتعتمـد التغيير وغيره. لكن آخـرين سيقولون إن هـذا الخيار ليس حقيقة وإنمـا هـو تورية، وليس واقعـاً وإنمـا بيان وبلاغة. والكاتب يتسـاءل: «متى كانت اللعبة الدولية توفّر بداية خيار بديل؟» وهـو يذكّر شأن زملائه فردريك لوبارون ودلفين آليِّس، بمارغريت تاتشر، وشعارها الشهير «ليس ثمّة من خيار بديل» There is no«alternative» الذي تحوّلت الأحـرف الأولى منه (تينا أو (TINA إلى الاسـم الذائع لسياستها، وسياسةِ من سـار على نهجها في الثمانينيّات من القرن الماضي، من «الليبيراليّين الجـدد».
قـد تكثر البدائل في «أوضاع العالم 2018»، لكن عوامل العرقلة والكبح والتجميد تمنعها من المـرور. وللمعرقلين فلسفة قوامها القول كما يلاحظ فردريك لوبارون أن الاقتصاد عِلم. بل إنـه علم مطلق «يعلو على كافة الخيارات السياسية ويحلّ محلّ السجال والمناظرة».
وهناك ما يسميه جان كارتييه-بريسّون الفسـاد المنتظم الممنهج، والذي يعني في رأيـه «الفسـاد الذي أصبح عنصراً لا يستغنى عنه لبقاء نمط الضبط والانتظام السياسي-الاقتصادي القائم»؛
وثمـّة عامل آخـر يرصده برونـو كوتـريس، وهو محافظة الطبقات السياسية، إذ ثمّة استياء سياسيّ يمتدّ إلى ما وراء السلطات العموميّة، ويتعداها ليصل إلى المؤسسات وإلى معايير العملية الديموقراطية. لكن أول العقبات التي يتناولها كتاب «أوضاع العالم 2018» هي تلك التي يشـير إليها تريستان ماتلار، الذي يلاحظ بأن ثمـة اختلالاً في دفوق المعلومات العابرة للقوميات، لا يزال قائما منذ سبعينيّات القرن الماضي، أي منذ أيّام احتجاجات حركة عـدم الانحياز.
بعـد هذا يأتي الحديث عن بدائل اليسار الأمريكي اللاتيني التي تتولاها الباحثة سونيفا لابارث وزميلها الصحفي مارك سانت-أوبيري؛ ويؤكدان أن أزمنة المرجعيات السياسية والرمزية «للتقدّميّات» التي أمسكت بالسلطة في سنوات 2000، في أمريكا اللّاتينيّة، هي أزمنة شـاقّة. كما أنّ دينامية اليسارات واليمينات القائمة حقاً في أمريكا اللاتينية لا تتّبع سـيناريو وحيداً أوحـداً. لكن إذا كان لا بـدّ من أن نعـزو درجة مـا من المصداقية أو «المعقولية» لمفعول «نهاية الدورة» وكذلك الشعور بالغرق الذي يواكبه، فإن ذلك لا يعود إلى السياق الاقتصادي غـير الملائم الذي ينال من هذه البلدان كافة.
وبعـد التجارب الجارية، تأتي التطورات القادمة والآفاق المحتملة، إذ يستعرض دومينيك فيدال وضع النظام الدولي الحالي، ويلاحظ أنّـه «يدير العولمة ويســيّرها في مصلحة الغرب». إنه مأزوم وبديله وطريق الخروج يمـرّ في رأيـه حكمـاً بالأمم المتّحدة التي «تملك مفتاح التغيير»، ويفترض إصلاح مؤسّساتها. أمّـا آلان غريش فينظر إلى هـذا النظام من زاوية أخرى، هي زاوية انبثاق وصعود قوى (البريكس وسواها) تريـد أن تأخـذ مكانها تحت الشمس. أمـا إيف سانتومير فيطرح مســألة بدائل النظام الانتخابي، طامحاً إلى إدخال بعض النسبية على النظم القائمة. وتتناول كاترين ساماري نهضة وأزمات الحركة المناهضة للعولمة، أو مـا تسمّيه «العالمية البديلة»، التي بدأت «بلقاء القارّات الثلاث من أجل البشرية وضد النيوليبرالية» في صيف عام 1996، وبدأت بتنظيم «منتدى دافوس مضادّ» لذاك الذي ينعقد في دافوس في سويسرا، وينعقد بذات التاريخ.
أما صوفي شـابيل فتطرح مسـألة البدائل البيئوية الزراعية، وتركّز على الزراعة البيولوجية واسترداد البذار كما يفعل البرازيليون، وترويج الزراعة المدينية. بينما تتناول راشيل كنايبيل الانتقال الطاقوي، ولاسيما الطاقة المتجدّدة، كتلك المستخرجة من الرياح والتي باتت منذ العام 2015 تُمثّل 50% من استهلاك الدانمارك، و36% من استهلاك إسبانيا، ونسبة 59% من استهلاك البرتغال و75% من طاقة النمسا (التي تستمدّها من المياه). وأخـيراً نشير إلى عمل هيرفيه لو كروسنييه المرموق حول الرقميّة والأفق التقني العالمي الجـديد.
«بحثاً عن بدائل» هو عنوان «أوضاع العالم 2018» الذي صدرت ترجمته العربية حديثاً عن مؤسسة الفكر العربي، وعالجه 33 أكاديميا وباحثا، وأشرف عليه الأكاديمي برتران بادي والمؤرّخ دومينيك فيدال.
واختير موضوع الكتاب انطلاقاً من السجال الدائر حول ازدهار البدائل والخيارات التي يقترحها الفكر الغربي منذ زمن، والتي جعلت منه أكثر تفوّقاً على الثقافات الأخرى، إذ «شكلت العلامة الفارقة لهذا الفكر» على حد تعبير بادي، الذي يرى أن «فكرة التعددية ذاتها سلكت مسالك طويلة في الفكر الغربي، وفكرة الخيار البديل تبدو كواحدة من نتائجها ومفضياتها المنطقية».
«أوضاع العالم 2018» هو ملف البحث عن البدائل، والبدائل هنا هي الكثرة، أو ما يسميه برتران بادي بـ «التعدّدية» أو الفكرة الحاضرة أبداً في الفكـر الغربي، الذي يتعقل فكرة الخيار البديل، كما لو كانت في طبيعة الأشياء، وتصح وتكون مقبولة في بلدان تقول بالتمثيل والانتخابات والأحـزاب والتنظيمات، وتلجأ إلى التداول وتعتمـد التغيير وغيره. لكن آخـرين سيقولون إن هـذا الخيار ليس حقيقة وإنمـا هـو تورية، وليس واقعـاً وإنمـا بيان وبلاغة. والكاتب يتسـاءل: «متى كانت اللعبة الدولية توفّر بداية خيار بديل؟» وهـو يذكّر شأن زملائه فردريك لوبارون ودلفين آليِّس، بمارغريت تاتشر، وشعارها الشهير «ليس ثمّة من خيار بديل» There is no«alternative» الذي تحوّلت الأحـرف الأولى منه (تينا أو (TINA إلى الاسـم الذائع لسياستها، وسياسةِ من سـار على نهجها في الثمانينيّات من القرن الماضي، من «الليبيراليّين الجـدد».
قـد تكثر البدائل في «أوضاع العالم 2018»، لكن عوامل العرقلة والكبح والتجميد تمنعها من المـرور. وللمعرقلين فلسفة قوامها القول كما يلاحظ فردريك لوبارون أن الاقتصاد عِلم. بل إنـه علم مطلق «يعلو على كافة الخيارات السياسية ويحلّ محلّ السجال والمناظرة».
وهناك ما يسميه جان كارتييه-بريسّون الفسـاد المنتظم الممنهج، والذي يعني في رأيـه «الفسـاد الذي أصبح عنصراً لا يستغنى عنه لبقاء نمط الضبط والانتظام السياسي-الاقتصادي القائم»؛
وثمـّة عامل آخـر يرصده برونـو كوتـريس، وهو محافظة الطبقات السياسية، إذ ثمّة استياء سياسيّ يمتدّ إلى ما وراء السلطات العموميّة، ويتعداها ليصل إلى المؤسسات وإلى معايير العملية الديموقراطية. لكن أول العقبات التي يتناولها كتاب «أوضاع العالم 2018» هي تلك التي يشـير إليها تريستان ماتلار، الذي يلاحظ بأن ثمـة اختلالاً في دفوق المعلومات العابرة للقوميات، لا يزال قائما منذ سبعينيّات القرن الماضي، أي منذ أيّام احتجاجات حركة عـدم الانحياز.
بعـد هذا يأتي الحديث عن بدائل اليسار الأمريكي اللاتيني التي تتولاها الباحثة سونيفا لابارث وزميلها الصحفي مارك سانت-أوبيري؛ ويؤكدان أن أزمنة المرجعيات السياسية والرمزية «للتقدّميّات» التي أمسكت بالسلطة في سنوات 2000، في أمريكا اللّاتينيّة، هي أزمنة شـاقّة. كما أنّ دينامية اليسارات واليمينات القائمة حقاً في أمريكا اللاتينية لا تتّبع سـيناريو وحيداً أوحـداً. لكن إذا كان لا بـدّ من أن نعـزو درجة مـا من المصداقية أو «المعقولية» لمفعول «نهاية الدورة» وكذلك الشعور بالغرق الذي يواكبه، فإن ذلك لا يعود إلى السياق الاقتصادي غـير الملائم الذي ينال من هذه البلدان كافة.
وبعـد التجارب الجارية، تأتي التطورات القادمة والآفاق المحتملة، إذ يستعرض دومينيك فيدال وضع النظام الدولي الحالي، ويلاحظ أنّـه «يدير العولمة ويســيّرها في مصلحة الغرب». إنه مأزوم وبديله وطريق الخروج يمـرّ في رأيـه حكمـاً بالأمم المتّحدة التي «تملك مفتاح التغيير»، ويفترض إصلاح مؤسّساتها. أمّـا آلان غريش فينظر إلى هـذا النظام من زاوية أخرى، هي زاوية انبثاق وصعود قوى (البريكس وسواها) تريـد أن تأخـذ مكانها تحت الشمس. أمـا إيف سانتومير فيطرح مســألة بدائل النظام الانتخابي، طامحاً إلى إدخال بعض النسبية على النظم القائمة. وتتناول كاترين ساماري نهضة وأزمات الحركة المناهضة للعولمة، أو مـا تسمّيه «العالمية البديلة»، التي بدأت «بلقاء القارّات الثلاث من أجل البشرية وضد النيوليبرالية» في صيف عام 1996، وبدأت بتنظيم «منتدى دافوس مضادّ» لذاك الذي ينعقد في دافوس في سويسرا، وينعقد بذات التاريخ.
أما صوفي شـابيل فتطرح مسـألة البدائل البيئوية الزراعية، وتركّز على الزراعة البيولوجية واسترداد البذار كما يفعل البرازيليون، وترويج الزراعة المدينية. بينما تتناول راشيل كنايبيل الانتقال الطاقوي، ولاسيما الطاقة المتجدّدة، كتلك المستخرجة من الرياح والتي باتت منذ العام 2015 تُمثّل 50% من استهلاك الدانمارك، و36% من استهلاك إسبانيا، ونسبة 59% من استهلاك البرتغال و75% من طاقة النمسا (التي تستمدّها من المياه). وأخـيراً نشير إلى عمل هيرفيه لو كروسنييه المرموق حول الرقميّة والأفق التقني العالمي الجـديد.