يقف الشاعر ردة السفياني على رجم بناه أسلافه عشاق الحياة، ويضع كفه على جبينه، ليرصد عناقيد البرق المتدلي من نُصُب الخريف، في داخله عطش عصافير نامت مع الدجى فسرت بها أحلامها إلى غدران الماء، وقامت ضحى لتتهجى ملامح قرويين سارحين للمسقى وكأنما هم يسابقون إلى كرم غيمة شحيحة:
مستمطرة قالوا وبرق الحيا لاح
صلّوا وخيل عيونهم في مزونه
تعبت وهي تترقب البرق بالحاح
في ناسها كل المواجع حنونه
تسمّرت حواس الشعر في أرقى مرتفع التطلعات، وصوّبت أنظارها نحو ظلال عابر، والاحتمالات تدوي في الذهن كإيقاع سمر مثير، والخيال يطير بشاعر إلى ما يشاء وما لا يشاء، ومن خلفه صفوف ترتل بأركان بيوت رمادية ابتهالات البشارة، وكأنما المطر للرعاة والمزارعين أحد أفراد العائلة الغائبين، ولا أظن أن هناك من سبق ردة لهذه الصورة الفنتازية والمعبرة عن واقع حيوي ونابض بالحب والحياة:
كن المطر بأرواحهم يخلق أرواح
إن مرّهم لافي عنه ينشدونه
علاقة القروي بالمطر علاقة وجدانية، وفطرية، إنها علاقة الحياة، إذ دون الغيث لا معنى ليوميات هي أقرب لتراجيديا إغريقية، ولم تكن استغاثة المزارعين لأجل أنفسهم فقط، بل يرفعون إلى السماء حاجة السنبلة والعصفور والنمل والحجل والوبر والشجر، ومع كل استطالة كف في فضاء الله تنبعث أشجان الطلح والآراك، وتغدو الأدعية جسداً والغيمة روحاً «تلقى لوبله وسما بيدي فلاح، يسقي عصافير السنابل شجونه»
وبرغم زمهرير الشتاء، وهاجس الغياث المُلح على ذاكرة لا تنهزم وإن تعاضدت عوامل الشقاء،لا يركن القروي إلى عوامل تدفئة فارهة، فمشاعره الحيّة تغنيه عن تسوّل الدفء، وإن استعان بمصباحه (الكيروسيني) ليمنح بصره قدرة على رؤية مسامره، والحركة في محيط حبات تمر ودلة شاذلية:
ما يحملون لبردهم غير مصباح
مطفي ولعلوم السهر يشعلونه
يخفت سهرهم واشعل البال من راح
يضوي بيان وحوّل الليل دونه
وكما ينطلق الصباح بتسبيحة واستغاثة شيخ تبحث عن مكامن استجابة ومظان رجع صدى، يختتم المساء بكائن منذور للسهر المسكون بانتظار الذي يأتي ولا يأتي:
يدهشك شيخ إن مدّد أقصاه وانزاح
ينام ما نام السهر في عيونه
هكذا يتحول النص إلى وثيقة شراكة محتملة بين الأرض والسماء، ليغدو شعر ردة قائد مفاوضات بين الغيم الشحيح والوجوه المألوفة.
مستمطرة قالوا وبرق الحيا لاح
صلّوا وخيل عيونهم في مزونه
تعبت وهي تترقب البرق بالحاح
في ناسها كل المواجع حنونه
تسمّرت حواس الشعر في أرقى مرتفع التطلعات، وصوّبت أنظارها نحو ظلال عابر، والاحتمالات تدوي في الذهن كإيقاع سمر مثير، والخيال يطير بشاعر إلى ما يشاء وما لا يشاء، ومن خلفه صفوف ترتل بأركان بيوت رمادية ابتهالات البشارة، وكأنما المطر للرعاة والمزارعين أحد أفراد العائلة الغائبين، ولا أظن أن هناك من سبق ردة لهذه الصورة الفنتازية والمعبرة عن واقع حيوي ونابض بالحب والحياة:
كن المطر بأرواحهم يخلق أرواح
إن مرّهم لافي عنه ينشدونه
علاقة القروي بالمطر علاقة وجدانية، وفطرية، إنها علاقة الحياة، إذ دون الغيث لا معنى ليوميات هي أقرب لتراجيديا إغريقية، ولم تكن استغاثة المزارعين لأجل أنفسهم فقط، بل يرفعون إلى السماء حاجة السنبلة والعصفور والنمل والحجل والوبر والشجر، ومع كل استطالة كف في فضاء الله تنبعث أشجان الطلح والآراك، وتغدو الأدعية جسداً والغيمة روحاً «تلقى لوبله وسما بيدي فلاح، يسقي عصافير السنابل شجونه»
وبرغم زمهرير الشتاء، وهاجس الغياث المُلح على ذاكرة لا تنهزم وإن تعاضدت عوامل الشقاء،لا يركن القروي إلى عوامل تدفئة فارهة، فمشاعره الحيّة تغنيه عن تسوّل الدفء، وإن استعان بمصباحه (الكيروسيني) ليمنح بصره قدرة على رؤية مسامره، والحركة في محيط حبات تمر ودلة شاذلية:
ما يحملون لبردهم غير مصباح
مطفي ولعلوم السهر يشعلونه
يخفت سهرهم واشعل البال من راح
يضوي بيان وحوّل الليل دونه
وكما ينطلق الصباح بتسبيحة واستغاثة شيخ تبحث عن مكامن استجابة ومظان رجع صدى، يختتم المساء بكائن منذور للسهر المسكون بانتظار الذي يأتي ولا يأتي:
يدهشك شيخ إن مدّد أقصاه وانزاح
ينام ما نام السهر في عيونه
هكذا يتحول النص إلى وثيقة شراكة محتملة بين الأرض والسماء، ليغدو شعر ردة قائد مفاوضات بين الغيم الشحيح والوجوه المألوفة.