هأنذا أكتبُ بعد شهورٍ جافة ببؤس الساخطينَ والمنقطعينَ عنِ الأمل، تساؤلات عدة تدق رأسي: هل أنا كاتبةٌ حقيقيةٌ أم أنني بقعة حبر؟! هل ما أبحثُ عنهُ هو ذاكَ الشيء الهلاميُّ الذي يدعى الشهرة؟ هل أستحقُّ هذهِ الانحناءةَ في رقبتي لأنني أنكفئُ في ظلامِ أغزلُ مِعطفَ القصيدة؟ اليوم.. وحينما أشرقتْ أصابعي بالكتابة، بعدَ أن هجرني الإلهام نفضتُ غبارَ لوحةِ المفاتيح، وكنستُ ذاكرتي، حينها سمعتُ صوتَ أطفالٍ من حولي، يركضونَ في كل اتجاه، يشتتونَ أفكاري، ويوزعون فرحتي، رغم أنني أسكنُ وحيدةً في هذه الشقةِ، استكريتُهَا منذُ زمن بعيد.
ضعيفة التهويةِ والضوء، والأصواتُ هنا تكادُ تكونُ معدومة، هيَ مقبرةٌ على شكلِ بناية، كلُّ سكانِها مَوتَى عدا ذلكَ الضوءُ الخافت والحي الذي يلامسُ قلبي كلما بدأتُ في كتابةِ سطرٍ جديد، وسرعانَ ما يحتضر.
أصواتٌ أخرى اعتدتها ساكنةً مثلي: (المكيفُ الذي يبكي من حرارةِ الصيفِ وليس لديَّ وقتٌ كافٍ لأكفف دمعه، ضجيج الغسالةُ يشعرني بأنني بصحة ومازلتُ أتعرقُ، الثلاجةُ تفزعني كلما تنهدت فجأةً لتذكرني بأنَّ هناكَ عضواً جائعاً داخل جسدي، الأدراج الصدئة أمُدها بالزيتِ في فتراتٍ متباعدةٍ كي تتوقف عن زنِّها كطفلةٍ مزعجةٍ تشبهُ تلكَ التي أعرفُها حينما كانتْ تمسكُ بثوبِ أمها لترغِمَهَا على سماعِهَا، الأطعمةُ المعلبةُ أفتحُها ويختلطُ مع الصوت رائحة الحديد الكريهة، أما الصوتُ الوحيدُ من بينهم الذي يشعرني بأنَّ هناكَ من يهتمُّ بي هو ذاكَ الصوتُ الذي افتقدتهُ منذ فترةٍ طويلةٍ وعادَ اليوم ينبعثُ عبر شاشة الحاسبِ الآليِّ ليكتبَ لي (مرحباً) بخلفية زرقاء ويأخذني بعدها إلى جرعة مضاعفة من الوحدة والعزلة).
حينما يغمرني طفحُ المساء.. ثم تتسللُ ابتسامةُ أولِ الفجر، أسمعُ تدافع أكواب القهوةِ تتحاشر في الحوض، تهمس لبعضها بصيرورة الأقدار! حوارٌ بائسٌ لا يعرفه سواي: -أمامَها سكةُ سفرٍ طويلة، رغمَ ضياعِ جواز سفري.
-ستتزوجُ من ثري.. وماذا عن السنوات المنسية في قطار العمر؟ صورةُ كلبٍ على الفنجانِ الأخيرِ وفي يدي سيجارة.
تلكَ الأعقابُ النتنةُ التي افترشتْ لونَها البنيّ في كلِّ مكانٍ على أسناني ورائحةِ فمي، شعري، إصبعيّ، ومساماتي الواسعة، أنفاسي التي لا تحملني للطابقِ الأول.. ثم أزفر زفرةً محتملةً تجمعُ الأملَ في رئةٍ واحدة.
اليومَ فقط أيقنتُ بأنني أسمعُ وأرى فقط.. لأكتب.
* قاصة سعودية
ضعيفة التهويةِ والضوء، والأصواتُ هنا تكادُ تكونُ معدومة، هيَ مقبرةٌ على شكلِ بناية، كلُّ سكانِها مَوتَى عدا ذلكَ الضوءُ الخافت والحي الذي يلامسُ قلبي كلما بدأتُ في كتابةِ سطرٍ جديد، وسرعانَ ما يحتضر.
أصواتٌ أخرى اعتدتها ساكنةً مثلي: (المكيفُ الذي يبكي من حرارةِ الصيفِ وليس لديَّ وقتٌ كافٍ لأكفف دمعه، ضجيج الغسالةُ يشعرني بأنني بصحة ومازلتُ أتعرقُ، الثلاجةُ تفزعني كلما تنهدت فجأةً لتذكرني بأنَّ هناكَ عضواً جائعاً داخل جسدي، الأدراج الصدئة أمُدها بالزيتِ في فتراتٍ متباعدةٍ كي تتوقف عن زنِّها كطفلةٍ مزعجةٍ تشبهُ تلكَ التي أعرفُها حينما كانتْ تمسكُ بثوبِ أمها لترغِمَهَا على سماعِهَا، الأطعمةُ المعلبةُ أفتحُها ويختلطُ مع الصوت رائحة الحديد الكريهة، أما الصوتُ الوحيدُ من بينهم الذي يشعرني بأنَّ هناكَ من يهتمُّ بي هو ذاكَ الصوتُ الذي افتقدتهُ منذ فترةٍ طويلةٍ وعادَ اليوم ينبعثُ عبر شاشة الحاسبِ الآليِّ ليكتبَ لي (مرحباً) بخلفية زرقاء ويأخذني بعدها إلى جرعة مضاعفة من الوحدة والعزلة).
حينما يغمرني طفحُ المساء.. ثم تتسللُ ابتسامةُ أولِ الفجر، أسمعُ تدافع أكواب القهوةِ تتحاشر في الحوض، تهمس لبعضها بصيرورة الأقدار! حوارٌ بائسٌ لا يعرفه سواي: -أمامَها سكةُ سفرٍ طويلة، رغمَ ضياعِ جواز سفري.
-ستتزوجُ من ثري.. وماذا عن السنوات المنسية في قطار العمر؟ صورةُ كلبٍ على الفنجانِ الأخيرِ وفي يدي سيجارة.
تلكَ الأعقابُ النتنةُ التي افترشتْ لونَها البنيّ في كلِّ مكانٍ على أسناني ورائحةِ فمي، شعري، إصبعيّ، ومساماتي الواسعة، أنفاسي التي لا تحملني للطابقِ الأول.. ثم أزفر زفرةً محتملةً تجمعُ الأملَ في رئةٍ واحدة.
اليومَ فقط أيقنتُ بأنني أسمعُ وأرى فقط.. لأكتب.
* قاصة سعودية