ما الذي يجعل 3 لوحات إعلانية تغضب مدينة بكاملها؟ ما الذي يغضب شرطة مدينة من 3 لوحات إعلانية وملصقات مهملة على جانب المدينة؟ هل اللوحات الإعلانية تغضب وتستفز المرء إلى درجة يعمد إلى حرقها؟ هل اللوحات كعمل فني وحمالة صور هي أقسى من الكتابة.. ومن الكلام ومن فن الخطابة؟
بداية يمكن تأطير سينما المخرج الايرلندي مارتن ماكدونا في سينما الاستفزار والتي تبحث في ماهية الصور بارتكازها على انتقاء فكرة جديدة والاشتغال بعمق داخل سرد متعدد المسارات وداخل حبكات عدة ومن خلال قدرة المخرج الإبداعية والتخييلية في نسج كوميديا بمذاقات سوداء وتشكلها واعتمادها على مزج 3 تيمات أساسية: العنف والحزن والشعور بالذنب وتأنيب الضمير.
ينفتح فيلم «ثلاث لوحات إعلانية خارج إيبنغ، ميسوري» (113 دقيقة/2017/ ميزانية الفيلم 55 مليون دولار/ نوع دراما/ جريمة) للمخرج الايرلندي مارتن ماكدونا على ميلدريد هايز أمٌ مطلقة (فرانسيس مكدورماند)..عائدة من محلها تقود سيارتها وهي في حالة كمد وحزن وتستوقفها 3 لوحات إعلانية مخربة على جانب الطريق وبالقرب من محل سكنها وتعمد إلى استئجار وإعداد 3 ملصقات تصف فيها..أين وصلت قضية ابنتها أنجيلا التي اغتصبت وقتلت منذ 7 أشهر. 3 لوحات إعلانية منفصلة عن بعضها البعض بمسافة قريبة وفي ذات الاتجاه بهذه الجمل المستفزة: «أُغتصِبت بينما كانت تحتضر»، «وحتى الآن لا مُعتقَلين؟»، «كيف ذلك أيها العميد ويلوغبي؟».
الاستفزاز أكثر من القتل
لاشيء أقبح من الاستفزاز وتعرية الحقائق.. هذا الاستفزاز يغضب عصبة الشرطة بالمدينة لأنهم لم يتوصلوا إلى الجناة وأنهم لم يؤدوا مسؤولياتهم على وجهها الكامل بل والمس بشكل كبير بصورة الشرطة في خدمة الشعب دون إلقاء القبض على الجناة وتعرضهم للسخرية من قبل ساكنة المدينة من خلال 3 إعلانات كبيرة..وبإعلان فشلهم بدءا من مدخل الطريق المؤدي إلى مدينة إينبغ. يشعر رجال الشرطة بالحرج الشديد وأن امرأة لا سلطة لها.. منعزلة.. وحيدة.. تتسم شخصيتها بالعناد والإصرار في عملها تقوم بتبخيس عمل عدد كبير منهم من خلال 3 ملصقات وتصويرهم رجالا فاشلين قابعين في مكاتبهم... فماذا سيكون رد فعلهم؟
يصور الفيلم حالة الغضب والحنق التي يعيشها رجال الشرطة..في مقدمتهم رئيس المركز الشريف بيل ويلوغبي (وودي هارلسون).. والضابط جايسون ديكسون (سام روكويل)..حيث يحاولان تضييق الخناق على الأم المطلقة وابنها المراهق المصاب بحالة الاكتئاب جراء كلام مسيء يتداول في المدرسة من قبل زملائه. غضب رجال الشرطة يترجم باستدعاء صديقتها وزميلتها في العمل السمراء دنيس بتهمة حيازتها لكميات صغيرة من مخدر الماريخاونا. تم بالتهديد وبالاعتداء جسديا وبضرب مبرح على صاحب المطبعة الشاب ريد الذي قام بإنجاز الـ3 ملصقات ورميه من الطابق الأول. الغضب يترجم مرة ثالثة باستدعاء الأم المطلقة واستجوابها بمركز الشرطة بشكل تهكمي واتهامها بالاعتداء على طبيب الأسنان لكنها تتحمل كل هذه الإهانات وهذا الإذلال.
لغة التحدي
تتحدى ميلدريد هايز أولا فعل الصمت والسكوت المطبق على تناسي قضية ابنتها أنجيلا المغتصبة بالجهر من خلال فكرة إنشاء 3 ملصقات إعلانية كبرى. ثانيا من خلال تحديها لشرطة مدينة إيبنغ والدخول معهم في جدل ونقاشات لا تنتهي دون الخوف منهم. ثالثا من خلال إلقاء قنينات المولوتوف على مركز الشرطة وإشعال النار فيه. رابعا من خلال عزمها مع ضابط الشرطة المطرود إلى السفر خارج المدينة بحثا عن قاتل ابنتها وهنا ينتهي الفيلم. تحاول بطلة الفيلم تكثيف لغة التحدي واستجماع قواها لتحقيق فعل العدالة المغتصب والمغيب.
الفن في مواجهة السلطة
يطرح الفيلم قضية بالغة الأهمية ويتعلق الأمر من خلال التطرق لمسألة الفن في مواجهة السلطة، السلطة التي تتولد عنها مقاومة تبدو مستترة في بداية الأمر وصامتة ولكنها موجودة وقادرة على رد الفعل. يظهر الفن هنا من خلال قيام الشاب ريد بإنجاز فكرة الملصقات بلونها الأحمر الثوري والمثير ومواجهته للسلطة حيث توجد إدارته أمام مركز الشرطة. ويعمل الضابط جايسون ديكسون بتعنيفه وضربه ورميه من الطابق الأول. هذه المواجهة التي تتأسس على استخدام الفن كمحفز لاستنهاض فعل العدالة المغيب وشطط السلطة وقمعها. بينما يواجه الشاب ضابط الشرطة بعد تعرضه لحروقات بليغة في جسده بمنحه عصيرا والحديث معه بلغة مؤدبة وعدم التشفي في حالته وهو الراقد بالقرب منه في السرير المجاور وغير القادر على الحركة.
تترجم فكرة الملصقات الإعلانية كفكرة محورية وأساسية بشكل إبداعي.. مفكر فيها وفي حالة الآخر المالك والمستحوذ للسلطة في مواجهة الأفكار المبدعة وقدرتها على استفزاز الآخر.
شخصيات التمرد والخنوع
يمكن تقسيم الشخصيات داخل الفيلم إلى قسمين: شخصيات متمردة وشخصيات تواجه التمرد بشراسة... تمثل شخصية الأم المطلقة.. شخصية متمردة إلى جانب الضابط جايسون ديكسون والشاب ريد المصمم للملصقات ورفيقتها في العمل وكذلك رئيس مركز الشرطة الذي يدعم فكرة 3 إعلانات ويدفع لشهر آخر في استمرارها وينتحر غير خاضع لموت بطيء وهو المريض بسرطان البنكرياس في مراحل متقدمة منه. على عكس هذه الشخصيات تعكس الشخصيات الأخرى ابنها الخاضع والمصاب بحالة الاكتئاب وكذلك زوجها السابق تشارلي الذي يلومها بشدة على موت ابنتهما. هذا التضاد وهذا التقابل بين الشخصيات منح الفيلم مخارج سردية عدة ونوافذ إبداعية استغلها المخرج بذكاء كبير في توجيه الفيلم في خيوط متينة نحو البحث عن القاتل الذي اغتصب أنجيلا وأرداها قتيلة.
الأمكنة وفكرة التضاد
تحضر 7 أمكنة داخل الفيلم تعكس نفسيات شخصيات الفيلم منزل الأم المطلقة ومحل عملها رفقة صديقتها ومركز الشرطة كأمكنة تعبر عما تعانيه الشخصيات من توتر وضيق وحرج وتشنجات وقلق دائم والمحاولات المتكررة في السعي للخروج منها. في حين يمكن اعتبار الطريق ومكان وضع اللوحات الإعلانية الثلاث مكانا للمواجهة وللفرجة.. مواجهة العدالة المغيبة وفرجة لكل المسافرين والعابرين من ذات الطريق. وهو مكان تعبر فيه شخصيات الفيلم عن غضبها وتعاطفها مع قضية أنجيلا. كما تجسد شخصيات الفيلم داخل الحانة وكذلك داخل مركز الشرطة مكانا للمواجهة وتبادل الاتهامات تصل في كثير من الأحيان إلى استخدام العنف لحسم المواقف.. تعرض الأم المطلقة للوم والتوبيخ من طرف زوجها تشارلي داخل الحانة وتعرضها كذلك للتقريع والتهكم داخل مركز الشرطة. السيارة كمكان مهمل حيث تجد الأم فكرة الملصقات وهي عائدة من عملها ذات مساء وكذلك في انسجامها مع الضابط جايسون ديكسون في الاتجاه خارج المدينة بحثا عن مغتصب ابنتها حيث ينتهي الفيلم.
العدالة المغيبة:
يقدم الفيلم رؤية متقدمة عن العلائق الممكنة بين السلطة والفن والسجالات المطروحة من خلال كتابة المخرج مارتن ماكدونا ورؤيته الإخراجية التي تعكس فكرة العدالة المغيبة والشطط في استعمال السلطة وقدرة الإنسان على خلق أفكار إبداعية قوية تخلخل الاعتيادي والنمطي وتطرح أسئلة مقلقة عمن ارتكب فعل الاغتصاب وكيف نجا من العقاب؟؟.
يعمد تشارلي الزوج السابق ميلدريد هايز إلى إحراق الملصقات الثلاثة وبنفس الإصرار والحماس تعاد الإعلانات إلى مكانها وبذات اللون.. وهو إعلان عن فعل الاقتناع بجدوى إظهار الحقيقة المبحوث عنها.
تعكس مشاهد ولقطات التصوير واللقطات القريبة حالات التشنج والنفسيات المضطربة والغضب الكبير وبحث الأم ومعها الضابط المطرود بعناد كبير عن تجاوز مآزقها ورهاناتها الحياتية ومواقفها المتشددة وإيمانها المطلق بحقائقها.
الحقيقة الضائعة...
تعكس سينما المخرج الايرلندي مارتن ماكدونا (ولد في 26 مارس 1970 بلندن) المتمرس في الكتابة المسرحية والسينمائية.. كوميديا سوداء تتشكل من ثلاث ركائز أساسية: العنف والحزن والشعور بالذنب وتأنيب الضمير.
يمكن تلخيص فكرة الفيلم المحورية من خلال شخصية الضابط جايسون ديكسون الذي يعيش نمطا في تغيير الشخصيات داخل الفيلم وفي تقلباتها من حالات الزهو والإحساس بالقوة والتباهي بفعل السلطة إلى حالات الحزن والشعور بالذنب وتأنيب الضمير والبحث عن الحقيقة الضائعة في أبعاد إنسانية كبرى.
بداية يمكن تأطير سينما المخرج الايرلندي مارتن ماكدونا في سينما الاستفزار والتي تبحث في ماهية الصور بارتكازها على انتقاء فكرة جديدة والاشتغال بعمق داخل سرد متعدد المسارات وداخل حبكات عدة ومن خلال قدرة المخرج الإبداعية والتخييلية في نسج كوميديا بمذاقات سوداء وتشكلها واعتمادها على مزج 3 تيمات أساسية: العنف والحزن والشعور بالذنب وتأنيب الضمير.
ينفتح فيلم «ثلاث لوحات إعلانية خارج إيبنغ، ميسوري» (113 دقيقة/2017/ ميزانية الفيلم 55 مليون دولار/ نوع دراما/ جريمة) للمخرج الايرلندي مارتن ماكدونا على ميلدريد هايز أمٌ مطلقة (فرانسيس مكدورماند)..عائدة من محلها تقود سيارتها وهي في حالة كمد وحزن وتستوقفها 3 لوحات إعلانية مخربة على جانب الطريق وبالقرب من محل سكنها وتعمد إلى استئجار وإعداد 3 ملصقات تصف فيها..أين وصلت قضية ابنتها أنجيلا التي اغتصبت وقتلت منذ 7 أشهر. 3 لوحات إعلانية منفصلة عن بعضها البعض بمسافة قريبة وفي ذات الاتجاه بهذه الجمل المستفزة: «أُغتصِبت بينما كانت تحتضر»، «وحتى الآن لا مُعتقَلين؟»، «كيف ذلك أيها العميد ويلوغبي؟».
الاستفزاز أكثر من القتل
لاشيء أقبح من الاستفزاز وتعرية الحقائق.. هذا الاستفزاز يغضب عصبة الشرطة بالمدينة لأنهم لم يتوصلوا إلى الجناة وأنهم لم يؤدوا مسؤولياتهم على وجهها الكامل بل والمس بشكل كبير بصورة الشرطة في خدمة الشعب دون إلقاء القبض على الجناة وتعرضهم للسخرية من قبل ساكنة المدينة من خلال 3 إعلانات كبيرة..وبإعلان فشلهم بدءا من مدخل الطريق المؤدي إلى مدينة إينبغ. يشعر رجال الشرطة بالحرج الشديد وأن امرأة لا سلطة لها.. منعزلة.. وحيدة.. تتسم شخصيتها بالعناد والإصرار في عملها تقوم بتبخيس عمل عدد كبير منهم من خلال 3 ملصقات وتصويرهم رجالا فاشلين قابعين في مكاتبهم... فماذا سيكون رد فعلهم؟
يصور الفيلم حالة الغضب والحنق التي يعيشها رجال الشرطة..في مقدمتهم رئيس المركز الشريف بيل ويلوغبي (وودي هارلسون).. والضابط جايسون ديكسون (سام روكويل)..حيث يحاولان تضييق الخناق على الأم المطلقة وابنها المراهق المصاب بحالة الاكتئاب جراء كلام مسيء يتداول في المدرسة من قبل زملائه. غضب رجال الشرطة يترجم باستدعاء صديقتها وزميلتها في العمل السمراء دنيس بتهمة حيازتها لكميات صغيرة من مخدر الماريخاونا. تم بالتهديد وبالاعتداء جسديا وبضرب مبرح على صاحب المطبعة الشاب ريد الذي قام بإنجاز الـ3 ملصقات ورميه من الطابق الأول. الغضب يترجم مرة ثالثة باستدعاء الأم المطلقة واستجوابها بمركز الشرطة بشكل تهكمي واتهامها بالاعتداء على طبيب الأسنان لكنها تتحمل كل هذه الإهانات وهذا الإذلال.
لغة التحدي
تتحدى ميلدريد هايز أولا فعل الصمت والسكوت المطبق على تناسي قضية ابنتها أنجيلا المغتصبة بالجهر من خلال فكرة إنشاء 3 ملصقات إعلانية كبرى. ثانيا من خلال تحديها لشرطة مدينة إيبنغ والدخول معهم في جدل ونقاشات لا تنتهي دون الخوف منهم. ثالثا من خلال إلقاء قنينات المولوتوف على مركز الشرطة وإشعال النار فيه. رابعا من خلال عزمها مع ضابط الشرطة المطرود إلى السفر خارج المدينة بحثا عن قاتل ابنتها وهنا ينتهي الفيلم. تحاول بطلة الفيلم تكثيف لغة التحدي واستجماع قواها لتحقيق فعل العدالة المغتصب والمغيب.
الفن في مواجهة السلطة
يطرح الفيلم قضية بالغة الأهمية ويتعلق الأمر من خلال التطرق لمسألة الفن في مواجهة السلطة، السلطة التي تتولد عنها مقاومة تبدو مستترة في بداية الأمر وصامتة ولكنها موجودة وقادرة على رد الفعل. يظهر الفن هنا من خلال قيام الشاب ريد بإنجاز فكرة الملصقات بلونها الأحمر الثوري والمثير ومواجهته للسلطة حيث توجد إدارته أمام مركز الشرطة. ويعمل الضابط جايسون ديكسون بتعنيفه وضربه ورميه من الطابق الأول. هذه المواجهة التي تتأسس على استخدام الفن كمحفز لاستنهاض فعل العدالة المغيب وشطط السلطة وقمعها. بينما يواجه الشاب ضابط الشرطة بعد تعرضه لحروقات بليغة في جسده بمنحه عصيرا والحديث معه بلغة مؤدبة وعدم التشفي في حالته وهو الراقد بالقرب منه في السرير المجاور وغير القادر على الحركة.
تترجم فكرة الملصقات الإعلانية كفكرة محورية وأساسية بشكل إبداعي.. مفكر فيها وفي حالة الآخر المالك والمستحوذ للسلطة في مواجهة الأفكار المبدعة وقدرتها على استفزاز الآخر.
شخصيات التمرد والخنوع
يمكن تقسيم الشخصيات داخل الفيلم إلى قسمين: شخصيات متمردة وشخصيات تواجه التمرد بشراسة... تمثل شخصية الأم المطلقة.. شخصية متمردة إلى جانب الضابط جايسون ديكسون والشاب ريد المصمم للملصقات ورفيقتها في العمل وكذلك رئيس مركز الشرطة الذي يدعم فكرة 3 إعلانات ويدفع لشهر آخر في استمرارها وينتحر غير خاضع لموت بطيء وهو المريض بسرطان البنكرياس في مراحل متقدمة منه. على عكس هذه الشخصيات تعكس الشخصيات الأخرى ابنها الخاضع والمصاب بحالة الاكتئاب وكذلك زوجها السابق تشارلي الذي يلومها بشدة على موت ابنتهما. هذا التضاد وهذا التقابل بين الشخصيات منح الفيلم مخارج سردية عدة ونوافذ إبداعية استغلها المخرج بذكاء كبير في توجيه الفيلم في خيوط متينة نحو البحث عن القاتل الذي اغتصب أنجيلا وأرداها قتيلة.
الأمكنة وفكرة التضاد
تحضر 7 أمكنة داخل الفيلم تعكس نفسيات شخصيات الفيلم منزل الأم المطلقة ومحل عملها رفقة صديقتها ومركز الشرطة كأمكنة تعبر عما تعانيه الشخصيات من توتر وضيق وحرج وتشنجات وقلق دائم والمحاولات المتكررة في السعي للخروج منها. في حين يمكن اعتبار الطريق ومكان وضع اللوحات الإعلانية الثلاث مكانا للمواجهة وللفرجة.. مواجهة العدالة المغيبة وفرجة لكل المسافرين والعابرين من ذات الطريق. وهو مكان تعبر فيه شخصيات الفيلم عن غضبها وتعاطفها مع قضية أنجيلا. كما تجسد شخصيات الفيلم داخل الحانة وكذلك داخل مركز الشرطة مكانا للمواجهة وتبادل الاتهامات تصل في كثير من الأحيان إلى استخدام العنف لحسم المواقف.. تعرض الأم المطلقة للوم والتوبيخ من طرف زوجها تشارلي داخل الحانة وتعرضها كذلك للتقريع والتهكم داخل مركز الشرطة. السيارة كمكان مهمل حيث تجد الأم فكرة الملصقات وهي عائدة من عملها ذات مساء وكذلك في انسجامها مع الضابط جايسون ديكسون في الاتجاه خارج المدينة بحثا عن مغتصب ابنتها حيث ينتهي الفيلم.
العدالة المغيبة:
يقدم الفيلم رؤية متقدمة عن العلائق الممكنة بين السلطة والفن والسجالات المطروحة من خلال كتابة المخرج مارتن ماكدونا ورؤيته الإخراجية التي تعكس فكرة العدالة المغيبة والشطط في استعمال السلطة وقدرة الإنسان على خلق أفكار إبداعية قوية تخلخل الاعتيادي والنمطي وتطرح أسئلة مقلقة عمن ارتكب فعل الاغتصاب وكيف نجا من العقاب؟؟.
يعمد تشارلي الزوج السابق ميلدريد هايز إلى إحراق الملصقات الثلاثة وبنفس الإصرار والحماس تعاد الإعلانات إلى مكانها وبذات اللون.. وهو إعلان عن فعل الاقتناع بجدوى إظهار الحقيقة المبحوث عنها.
تعكس مشاهد ولقطات التصوير واللقطات القريبة حالات التشنج والنفسيات المضطربة والغضب الكبير وبحث الأم ومعها الضابط المطرود بعناد كبير عن تجاوز مآزقها ورهاناتها الحياتية ومواقفها المتشددة وإيمانها المطلق بحقائقها.
الحقيقة الضائعة...
تعكس سينما المخرج الايرلندي مارتن ماكدونا (ولد في 26 مارس 1970 بلندن) المتمرس في الكتابة المسرحية والسينمائية.. كوميديا سوداء تتشكل من ثلاث ركائز أساسية: العنف والحزن والشعور بالذنب وتأنيب الضمير.
يمكن تلخيص فكرة الفيلم المحورية من خلال شخصية الضابط جايسون ديكسون الذي يعيش نمطا في تغيير الشخصيات داخل الفيلم وفي تقلباتها من حالات الزهو والإحساس بالقوة والتباهي بفعل السلطة إلى حالات الحزن والشعور بالذنب وتأنيب الضمير والبحث عن الحقيقة الضائعة في أبعاد إنسانية كبرى.