إبراهيم الشيخي
إبراهيم الشيخي
-A +A
قراءة: علي الرباعي OKAZ_online@
يحتل الشعر الاجتماعي مكانة كبيرة في الوعي المجتمعي العام، خصوصاً أن رهان الشاعر الأول على جمهوره، ولا غنى له عن التعبير عن شؤونه وشجونه، وكم من شعر متهم بالتحليق في فضاءات لا علاقة لها بالواقع، وتجنح نحو عوالم خيالية وفانتازية، ما يعني أن الشاعر المهووس بقامته المديدة، وقيافته الجاذبة لا يعدو شهوانياً يبرمج المساءات لأسر أنظار وأسماع معجبين ومعجبات.

وبما أن الشاعر إبراهيم الشيخي يتكئ على مخزون ثقافي وإنساني ثري، فغالباً ما يتجاهل ضجيج الجمهور وينصت لهمس ضميره، ليصدع بأحزان الآخرين قبل أن يصدح بأفراح نفسه، ويأنف الشيخي أن يكون صورة مصغرة لذلك الصياد الذي يمد صنارته إلى بحر عامر بالصنانير ويتمطى على أريكة الانتظار ليترقب ما يجود به سخاء الشواطئ، بل هو غواص ماهر في محيطات الشجن والدرر المضرّجة بأوجاع الجيل الشاب، يعبر من خلال أبياته في قصيدة (هموم الوظيفة) بلسان الحال والمقال:


تركني صباح الأمس عهدة صباح اليوم

وانا مثل مانـا ما اختلـف شـي باوضاعـي

ما غير الاكل والشرب والتسليه والنوم

وتضييـع وقـت ومهزلـه مـا لـهـا داعــي

صفعني زمانـي ليـن طحـت وعجـزت اقـوم

وجانـي يمثـل قـصـة الـذيـب والـراعـي

وفي قصيدته التي كتبها قبل سنوات عدة، يرخي سيناريست الهم الشبابي زمام أبياته على رصيف الأمل المتجدد بوطن يؤمن اليوم بقدرات شبابه وفتياته ويفتح لهم آفاق مستقبل لا حدود لطموحاته الواقعية. إذ تمخر كلمات الشيخي عباب أمواج متلاطمة دون تمويه ولا مهادنة على أمل الوصول إلى ضفاف آمنة، يحرث الجهات بمهارة ربان يستشرف المستقبل المشرق ولا يعبأ بأحداق المرافئ المخيفة:

نهـاري وليلـي راح ضيقـة صـدر وهـمـوم

همـومٍ تجـي وتــروح جمـلـه وقطـاعـي

ربما يعجز الحرفُ أحياناً عن التعبير بكل مكنونات نفس مشحونة بقلق وهواجس البحث عن عمل، إلا أن قرب الشاعر من إشكالية شريحة عريضة من الشباب يعلي من قيمته الشعرية، خصوصاً أنه يعلم أن الأيام ليست حالمة ولا نبيلة مع حامل شهادة حالم بمستقبل مترف، ذلك أن العمل يحتاج إلى صبر ومهارة وقبول بالواقع:

طموحـي وظيفـه بابهـا لـم يـزل مـزحـوم

تهـاوى عليـه العـالـم اشـكـال وانـواعـي

ماكنت احسب الدعـوى وجاهـه وحـب خشـوم

ودهنـة سيـور تـكـال بالـمـد والصـاعـي

ولا يغفل الشاعر الأصوات الناقمة على المحسوبية، فوراء الكواليس همهمات، لا يتوانى مُخرج الإبداع من وضعها في السطور الأولى من موال المعاناة، ليصفع بها تيارات اليأس المغالطة والمعتسفة أقوال ولاة الأمر، ومنهج القيادة، المؤصل لمفهوم الوطن للجميع:

راعـي الواسطـه وين ما يتجـه مخـدوم

بجـرة قلـم يصبـح لـه الـدرب مطـواعـي

وانـا بآخـر الطابـور واقـف كمـا المجـذوم

ما حـد يقتـرب منـي ملفّـي علـى ذراعــي

وارجّــع شهـاداتـي لبـروازهـا المشـؤوم

ويمضـي علـي الوقـت ويـمـر باسـراعـي