لكل زمن ملامحه التي تميزه عما عداه حتى أنها تتحول سمته وخصيصته، ومن أبرز ملامح الراهن المعاش الاحتفاء بفردانية الإنسان التي هي اليوم موقف أخلاقي، فلسفة حياتية، أيديولوجيا، ونظرة اجتماعية تؤكد على القيمة المعنوية للفرد..
ولأن المسرح كائن متأثر بقيم الكون والحياة، بل هو أحد أبرز الأمكنة التي تتمظهر فيها قيم الإنسان وتصوراته، لذا فقد تمخضت الممارسة المسرحية عن شكل مسرحي يحتفي بالفرد وهو فن «المونودراما» التي هي في حقيقتها تتماهى مع راهن حياتي يحيط بنا، تجسده تلك المحاولات الجادة والمستميتة لنشوء شكل أحادي تفرضه العولمة حين يرتدي العالم «الجينز» ويأكل «الهامبرجر» ويفضل احتساء «المشروبات الغازية» وهذا الواقع معاش ولا يحتاج برهانا، لكن ترى ما علاقة هذا بفن المونودراما؟!
هنا سأؤكد أن «المونودراما» يتقاطع في جزء من كينونتها مع هذا المعطى حين تتخلق حالة فوق خشبة المسرح تنتصر للفرد المأزوم على حساب تنوع المجموعة، وحين تستبيح تلك المساحات المخصصة في العرف المسرحي للشخصيات الأخرى.. لكن هل يعني أن المونودراما هنا عدائية وتمارس الإقصاء؟!
هذا السؤال مشروع ومنطقي وأرى أنه من الطبيعي أن ينبت بين يدي هذا الفن، لذا يلح بطرحه المنظرون، ما دفع بعضهم إلى رفضه ووصفه بأنه -أي المونودراما- كمن يمشي على قدم واحدة..
هذه الرؤية تكتسب وجاهتها من حقيقة أن المونودراما يُلغي أهم خصيصة للمسرح وهي (فن الحوار الأرقى بين الشخصيات) الذي تحرمنا منه المونودراما.
لست هنا لأصادر حق من يتبنى مثل هذه الفرضية؛ لكني أرى أن هؤلاء يتناسون أن المسرح هو في حقيقته كائن ثائر ومتجدد ويميل بطبعه نحو كسر المألوف وخرق السائد في سبيل اكتشاف جديد، وهذا ما يحققه المونودراما للمسرح.
وفوق هذا فـ«المونودراما» يوفر تلك المساحة الواسعة للنفس وهواجسها وآلامها وآمالها، وهو الوعاء المثالي لحديثها والأقدر على استيعاب تشظيات الإنسان المعاصر ومساحات بوحه الداخلي، حيث هناك في دواخلنا حديث مستمر وأصوات تتصاعد؛ في كثير من الأحيان لا نستطيع أو -لربما لا نود أن يسمعها غيرنا- ولا نرغب أن نمارس هذا الفعل في حضور الشخصيات الأخرى.
وحين لا نستطيع كبح هذه الرغبة يكون المونودراما هو الحل..
«المونودراما» حين نتأمله بعمق ووفق رؤيوية أعمق، سنجده فن الذات المعاصر؛ كونه تلك الحالة التي تصنع جسرا بيننا وبين ذواتنا، في حين لا تغفل الآخر حين يكون متوحدا معنا وحين يعود ليتوغل فينا؛ حيث تشابه الآلام حتمية، والمخاوف والهواجس مشترك إنساني، هذه الحالة من التوحد لأجل قضية ما، هو ما يعمل «المونودراما» من أجله. بل إن ما يقدمه أنها تنتصر للممثل كسيد للخشبة ويعيد له الدور ويستنفر طاقاته، ويستفزها، يستحضر وعيه الفني ويستحث فكره.
وهو -أي المونودراما- صديق المسرحيين الفقراء ما يجعله ابن كل الطبقات؛ فهو طوق النجاة للمسرح حين يكون المال عائقاً، بل هو حالة الهروب للأمام كونه لا يتطلب الكثير من الإمكانيات.
* مسرحي سعودي
ولأن المسرح كائن متأثر بقيم الكون والحياة، بل هو أحد أبرز الأمكنة التي تتمظهر فيها قيم الإنسان وتصوراته، لذا فقد تمخضت الممارسة المسرحية عن شكل مسرحي يحتفي بالفرد وهو فن «المونودراما» التي هي في حقيقتها تتماهى مع راهن حياتي يحيط بنا، تجسده تلك المحاولات الجادة والمستميتة لنشوء شكل أحادي تفرضه العولمة حين يرتدي العالم «الجينز» ويأكل «الهامبرجر» ويفضل احتساء «المشروبات الغازية» وهذا الواقع معاش ولا يحتاج برهانا، لكن ترى ما علاقة هذا بفن المونودراما؟!
هنا سأؤكد أن «المونودراما» يتقاطع في جزء من كينونتها مع هذا المعطى حين تتخلق حالة فوق خشبة المسرح تنتصر للفرد المأزوم على حساب تنوع المجموعة، وحين تستبيح تلك المساحات المخصصة في العرف المسرحي للشخصيات الأخرى.. لكن هل يعني أن المونودراما هنا عدائية وتمارس الإقصاء؟!
هذا السؤال مشروع ومنطقي وأرى أنه من الطبيعي أن ينبت بين يدي هذا الفن، لذا يلح بطرحه المنظرون، ما دفع بعضهم إلى رفضه ووصفه بأنه -أي المونودراما- كمن يمشي على قدم واحدة..
هذه الرؤية تكتسب وجاهتها من حقيقة أن المونودراما يُلغي أهم خصيصة للمسرح وهي (فن الحوار الأرقى بين الشخصيات) الذي تحرمنا منه المونودراما.
لست هنا لأصادر حق من يتبنى مثل هذه الفرضية؛ لكني أرى أن هؤلاء يتناسون أن المسرح هو في حقيقته كائن ثائر ومتجدد ويميل بطبعه نحو كسر المألوف وخرق السائد في سبيل اكتشاف جديد، وهذا ما يحققه المونودراما للمسرح.
وفوق هذا فـ«المونودراما» يوفر تلك المساحة الواسعة للنفس وهواجسها وآلامها وآمالها، وهو الوعاء المثالي لحديثها والأقدر على استيعاب تشظيات الإنسان المعاصر ومساحات بوحه الداخلي، حيث هناك في دواخلنا حديث مستمر وأصوات تتصاعد؛ في كثير من الأحيان لا نستطيع أو -لربما لا نود أن يسمعها غيرنا- ولا نرغب أن نمارس هذا الفعل في حضور الشخصيات الأخرى.
وحين لا نستطيع كبح هذه الرغبة يكون المونودراما هو الحل..
«المونودراما» حين نتأمله بعمق ووفق رؤيوية أعمق، سنجده فن الذات المعاصر؛ كونه تلك الحالة التي تصنع جسرا بيننا وبين ذواتنا، في حين لا تغفل الآخر حين يكون متوحدا معنا وحين يعود ليتوغل فينا؛ حيث تشابه الآلام حتمية، والمخاوف والهواجس مشترك إنساني، هذه الحالة من التوحد لأجل قضية ما، هو ما يعمل «المونودراما» من أجله. بل إن ما يقدمه أنها تنتصر للممثل كسيد للخشبة ويعيد له الدور ويستنفر طاقاته، ويستفزها، يستحضر وعيه الفني ويستحث فكره.
وهو -أي المونودراما- صديق المسرحيين الفقراء ما يجعله ابن كل الطبقات؛ فهو طوق النجاة للمسرح حين يكون المال عائقاً، بل هو حالة الهروب للأمام كونه لا يتطلب الكثير من الإمكانيات.
* مسرحي سعودي