رغم انقراض الكتاب الموسوعيين في عالمنا العربي فإن سمير الفيل يكتب القصة والرواية والمسرح والنقد وأدب الطفل، وله خبرة عريضة بالصحافة. أصدر خلال 18 عاما 15 مجموعة قصصية و3 روايات، فاز أخيرا بجائزتين مهمتين: جائزة الدولة التشجيعية في القصة القصيرة، وجائزة يوسف أبورية في القصة والرواية التي ينظمها اتحاد كتاب مصر. الفيل الذي شارك منذ 7 سنوات في مشروع جمع التراث اللامادي لمنظمة اليونسكو العالمية بباريس، وعضو لجنة الدراسات الأدبية واللغوية بالمجلس الأعلى للثقافة، وواحد ممن يؤسسون لفكرة أدب المقاهي، حول تجربته الطويلة مع الفن والكتابة كان لنا معه هذا اللقاء.
• كيف يستطيع الكاتب أن يفصل بين أفكاره وأفكار شخصياته في العمل الإبداعي؟
•• لا أتصور أن كاتبا ما يمكنه أن يتخلص من أفكاره، ولا تصوراته عن الحياة، ولا معتقداته الفكرية والجمالية، غاية ما في الأمر أنه يقدم تصوراته ومنطلقاته الفنية من خلال عملية الكتابة التي تنضح بكل ما يعتور في داخله من رؤى وهواجس حول قضايا الفن التي هي انعكاس صادق وأمين لقضايا الحياة.
ربما كانت لي بعض التصورات الجمالية التي لابد أن أتحسسها خلال عملية كتابة النص، وربما كان علي ألا أقحم السياسي بشكل قسري فهذا يؤدي إلى جفاف الفكرة وشحوبها.
• هل الشخصية تولد مكتملة في ذهن الكاتب منذ البداية أو تتشكل مثل ما يتشكل الجنين ويكبر؟
•• سأتحدث عن تجربتي فأقول إنني واحد من الكتاب الذين يقدمون «اسكتشا» للنص قبل البدء في تحريره لكنني غالبا ما أطلق العنان لشخصياتي كي تتصرف دون أن أقتحم عليها حياتها. أنا راصد أمين لحركة الشخصيات وفي نفس الوقت لدي خبرة في التعامل مع اللغة وتشكيلها للتعبير عن معتقدي الفني، وهو ما يولد نصا مليئا بالحياة، يقتحمها من الداخل / المتن، ولا يكتفي بعملية التسكع على الهامش.
• التصاقك بالمقهى هل هو حالة فراغ أم البحث عن المزيد من الشخصيات التي تحركك على الكتابة وهل المقهى حالة مصرية بامتياز؟
•• لم أدخل المقهى إلا عام 2011، إذ كنت قبلها قد انخرطت في تيار الوظيفة والحياة، وقد غلبت على نصوصي في فترات سابقة الكتابة عن تجاربي الشخصية: عوالم الحارة، فترة التجنيد، محل الأحذية الذي عملت به، زمن اشتغالي بورش الأثاث، العمل مدرسا في السعودية، توجهي للعمل بتوجيه المسرح.
في كل الأحوال كنت أستقي مادة قصصي من الحياة، سواء أحداث عشتها، أو رأيتها بأم عيني، أو سمعت عنها، لكنني فكرت مرة أن أجرب الجلوس على المقهى، وقد دهشت لهذا التنوع المذهل في الرؤى والتصورات التي امتزجت بشخصيات رأيتها تقاوم الموت عبر التفاعل مع الحياة. قلت لنفسي يومها: ها أنت تضع يدك على كنز جديد، ومن يومها صار المقهى جزءا من مصادري للكتابة، إضافة إلى أن المقهى صار مكانا لتجمع أصدقائي الكتاب والجلوس مع القادمين من مدن أخرى؛ ففيه انفتاح على الشوارع والميادين والحارات. أرى أن نجيب محفوظ بعبقريته قد سبقني لإدراك ما في المقاهي من غنى، كذلك كان خيري شلبي الذي كتب بالقرب من المقابر، ووحيد الطويلة الذي تحسس حكاياته الفاتنة على طاولات المقاهي، ومحمد المخزنجي الذي عالج أسرار المرضى المصدورين بالمستشفيات في أعماله البديعة، وأدباء آخرون لاذوا بالريف أو البحر أو الصحراء. هنا، المكان يمنحك طرف الخيط لتتابعه على مهل وهدوء وقناعة، لا يسبب لك ارتباكا.
• ارتبطت بالحرب من خلال قصصك ورواياتك ماذا تعني لك الحرب وهل الحرب هزيمة أم انتصار؟
•• هذه قصة تستحق أن تروى، فقد بدأت شاعرا حين قدمني عبدالرحمن الأبنودي كي أقول الشعر في جرن قمح بقرية «كفر البطيخ» سنة 1969، وظللت أكتب الشعر حتى وقعت حرب 1973 فعكفت على كتابة أول نص سردي هو رواية «رجال وشظايا» الذي تحمس له جمال الغيطاني، وصدر عن الهيئة العامة للكتاب، في نفس التوقيت أعلن عن مسابقة قومية في القصة القصيرة فحازت قصتي «في البدء كانت طيبة» على جائزة منظمة الشباب ومجلة صباح الخير1974، وفي العام التالي فازت قصتي «كيف يحارب الجندي بلا خوذة؟» بنفس المركز في مسابقة أعدتها القوات المسلحة، وفي السنة الـ3 فازت قصتي «سقط في الـ2 صباحا» بجائزة الثقافة الجماهيرية.
حدث أن ارتبط اسمي على مدار سنوات بأدب الحرب لكنني حاولت في كتاباتي أن اهتم بالإنسان لا بضجيج الحرب وهدير الدبابات وقصف الطائرات، ووقع المعارك وهو ما أشار إليه الدكتور جورج جحا في تقرير«رويتر» عن مجموعتي «شمال.. يمين» التي قبض فيها على فكرة أن كل قصصي هي تلمس الإنساني من وراء قشرة الجيش الصلبة.
• تخلق شخصيات تكون قريبة منا، نتلمسها، نشعر بها، نتحدث معها نبكي ونضحك من خلالها، في تصورك كيف يصل الكاتب إلى هذه الدرجة من الإتقان؟
•• ليس لدي الثقة في أن أضع «روشتة» لتبيان كيفية كتابة نص قصصي مميز، لكنني في العادة أتجه لكتابة ذات عنفوان لأنني اختار اللحظة المناسبة للقص، ولدي استبصار بحيث أجعل شخصياتي تبسط تجاربها بقدر من الاستقلال، وهناك غير ذلك زاوية الالتقاط التي أحاول قدر الإمكان ألا تكون مسبوقة أو مكررة ناهيك عن محاولتي ككاتب أن أكون صادقا فيما أكتب، وهو ذلك النوع من الصدق الذي يجعل صراع الشخصيات حقيقيا، بلا زيف أو تمويه أو إخفاء.
هناك أمر آخر هو أنني أشعر أن في الكتابة نوعا من اللعب الفني الحميد، فأميل إلى الطرافة، والنهل من أجواء الحارات الشعبية. ربما أقع أحيانا تحت ضغوط أخلاقية أو فكرية لكنني أستطيع استخلاص الذوات القلقة والمعذبة من محيطها القاسي لتشع حكمة وتمردا وقفزا على مدارات الواقع الضيق.
• خلال عقود من كتابتك للقصة، ما التغيرات التي طرأت على الشخصية المصرية؟
•• لا يمكن أن أقع في خطأ التعميم، ولكن نظرة متأملة للواقع تجعلني أشعر بتيارات تنخر في بنية المجتمع، باسم التحرر التام مرة وباسم العولمة مرة أخرى مع وجود تيارات متكلسة لها الغلبة مصر المعتدلة التي كانت تعرض وجهها للشمس انكفأت على نفسها واستولى السلفيون على المنابر فصعبوا حياة الناس وطرحوا خطابا في غاية العقم والجمود وأنا أرى أن مهمة الكاتب في هذا العصر أن يسهم في إزاحة الظلام في الدروب وأن يتسلح بالفكر المستنير صعودا لوجه وطن يحلم بالمستقبل ولا يرسف في أغلال الماضي وأتصور أن الثقافة والتعليم جناحان للتقدم بدون جناح منهما سوف يحدث السقوط لا محالة.
• جائزة الدولة التشجيعية تأتي أخيرا إلى سمير الفيل هل تأخرت؟ وماذا تضيف تلك الجوائز للأديب بعد أن قطع مشوارا طويلا؟
•• حصلت العام الماضي 2017 على جائزة الدولة في القصة القصيرة عن مجموعة «جبل النرجس» وهناك أصوات عديدة رأت أنني استحق الجائزة التقديرية، لكنني أتفهم المواءمات، وأدرك أن الجوائز ليست كل شيء. أنا أكتب منذ سنة 1968، وكوني أحصل على جائزة متأخرة فهو لا يعني أنها أتت بالخطأ، لكن هناك ظروف تحيط باللجان التي تقدم تقاريرها. والمدهش أنني منذ شهر فقط حصلت على جائزة يوسف أبورية في الرواية والقصة القصيرة عن مجموعة «حمام يطير»، ويقدمها اتحاد كتاب مصر، وهذا يجعلني في حيرة من أمري. فعندي 15 مجموعة فازت منها مجموعتان فقط. ربما كان التقصير من جانبي. على أية حال أكتب في كل وقت وهذا لا يرتبط مطلقا بموسم الجوائز.
• تكتب الشعر والمسرح والرواية والقصة وتمارس النقد كيف تجد متسعا لكل هذا وما هو أقرب هوا لنفسك؟
•• إنه سؤال صعب، لكن دعني أكون صريحا معك. أميل للقصة القصيرة وأجدها فنا في غاية الصعوبة، ويأتي المسرح بعد ذلك وقد قدمت أعمالا عديدة لنوادي المسرح، ثم يأتي الشعر الذي عرفت به فعندي 5 دواوين شعرية من بينها ديوان «الخيول» 1982 والذي تحول سنة 1990 إلى عرض مسرحي هو «غنوة للكاكي» من ألحان توفيق فودة وإخراج شوقي بكر.
• حصلت منذ أسابيع على جائزة يوسف أبورية في القصة القصيرة، والتي ينظمها اتحاد الكتاب. ماذا عن العمل الفائز؟
•• تتضمن مجموعة «حمام يطير» نصوصا تميل إلى المعالجة الواقعية لقضايا المرأة في مصر، فهي تعاني قسوة المجتمع، وتحاط بمجموعة من النواهي والزواجر، وهي تشق طريقها رغم كل ذلك لتقدم نموذجا للكفاح اليومي كما أن المجموعة تكشف عن العلاقات السرية المتكتمة في المدن الصغيرة، في قصص «مشيرة»، و«نرجس» و«تمرحنة»، و«خزين السنين» و«أرز وعدس». لقد أزحت الغطاء عن المستور لكنني قدمته عبر لغة جميلة!
• ماذا تضيف تلك الجوائز للأديب بعد أن قطع مشوارا طويلا في مسيرته؟
•• بالنسبة لي تنفعني قيمة الجائزة في شراء أشياء كان يصعب الحصول عليها، لا أكثر. لكنها لا تقدم لي دعما معنويا فأنا أكتب في جميع الأحوال، وأعرف كيف أوجه بوصلتي مهما كانت الظروف.
• ما القاعدة التي يجب أن يتبناها كاتب اليوم؟
•• لا توجد قاعدة بعينها غير: الصدق، الإخلاص، الحرفية. وسوف أضيف لذلك ألا يقع الكاتب في شباك الأيديولوجية لأنه حتما سوف يتعثر. عليه فقط أن يمتلك رؤية متقدمة للعالم ولنفسه وللقضايا الكبرى ويتعامل معها بمنتهى اليقظة والأريحية.
• «الأستاذ مراد» هو عملك الأخير، حدثنا عنه؟
•• أتحدث في المجموعة عن نماذج بشرية قابلتها في مسيرة حياتي، وتركت داخلي انطباعا بما في حياة الناس من ندوب غائرة، وهو ما نجده في قصص مثل: «فواطم»، «سعاد»، «خديجة»، «صابحة»، «سي عبداللطيف»، «الولد فايق» وهناك «حكايات فلسطينية» وأهديتها لصديقي الكاتب الفلسطيني الراحل زكي العيلة.
• ما أهم النقاد الذين لامسوا تجربتك بفهم واستبصار؟
•• كثيرون تمكنوا من الكتابة بإجادة عن تجربتي السردية، منهم: الدكتورة عزة بدر، الدكتورة وجدان الصائغ، الدكتور عيد صالح، أنيس البياع، الدكتورة شهلا العجيلي، الدكتور سيد محمد قطب، الدكتور أشرف عبدالرحمن، الدكتورة هويدا صالح، إبراهيم جاد الله، الدكتورة زينب إبراهيم، إبراهيم حمزة، فكري داود، شوقي بدر يوسف، الدكتور شريف الجيار، إيمان الزيات، ريم أبوالفضل، منى منصور، منال يوسف، رضوى جابر.
وقد أقيمت حول تجاربي ندوتان في غاية الأهمية بكل من قصر ثقافة الشاطبي، وإتيليه الإسكندرية. مهمة النقد أن يضيء مسارات كانت معتمة لدى الكاتب أو أن يقدم تفسيرا جماليا لما كتبه.
• كيف يستطيع الكاتب أن يفصل بين أفكاره وأفكار شخصياته في العمل الإبداعي؟
•• لا أتصور أن كاتبا ما يمكنه أن يتخلص من أفكاره، ولا تصوراته عن الحياة، ولا معتقداته الفكرية والجمالية، غاية ما في الأمر أنه يقدم تصوراته ومنطلقاته الفنية من خلال عملية الكتابة التي تنضح بكل ما يعتور في داخله من رؤى وهواجس حول قضايا الفن التي هي انعكاس صادق وأمين لقضايا الحياة.
ربما كانت لي بعض التصورات الجمالية التي لابد أن أتحسسها خلال عملية كتابة النص، وربما كان علي ألا أقحم السياسي بشكل قسري فهذا يؤدي إلى جفاف الفكرة وشحوبها.
• هل الشخصية تولد مكتملة في ذهن الكاتب منذ البداية أو تتشكل مثل ما يتشكل الجنين ويكبر؟
•• سأتحدث عن تجربتي فأقول إنني واحد من الكتاب الذين يقدمون «اسكتشا» للنص قبل البدء في تحريره لكنني غالبا ما أطلق العنان لشخصياتي كي تتصرف دون أن أقتحم عليها حياتها. أنا راصد أمين لحركة الشخصيات وفي نفس الوقت لدي خبرة في التعامل مع اللغة وتشكيلها للتعبير عن معتقدي الفني، وهو ما يولد نصا مليئا بالحياة، يقتحمها من الداخل / المتن، ولا يكتفي بعملية التسكع على الهامش.
• التصاقك بالمقهى هل هو حالة فراغ أم البحث عن المزيد من الشخصيات التي تحركك على الكتابة وهل المقهى حالة مصرية بامتياز؟
•• لم أدخل المقهى إلا عام 2011، إذ كنت قبلها قد انخرطت في تيار الوظيفة والحياة، وقد غلبت على نصوصي في فترات سابقة الكتابة عن تجاربي الشخصية: عوالم الحارة، فترة التجنيد، محل الأحذية الذي عملت به، زمن اشتغالي بورش الأثاث، العمل مدرسا في السعودية، توجهي للعمل بتوجيه المسرح.
في كل الأحوال كنت أستقي مادة قصصي من الحياة، سواء أحداث عشتها، أو رأيتها بأم عيني، أو سمعت عنها، لكنني فكرت مرة أن أجرب الجلوس على المقهى، وقد دهشت لهذا التنوع المذهل في الرؤى والتصورات التي امتزجت بشخصيات رأيتها تقاوم الموت عبر التفاعل مع الحياة. قلت لنفسي يومها: ها أنت تضع يدك على كنز جديد، ومن يومها صار المقهى جزءا من مصادري للكتابة، إضافة إلى أن المقهى صار مكانا لتجمع أصدقائي الكتاب والجلوس مع القادمين من مدن أخرى؛ ففيه انفتاح على الشوارع والميادين والحارات. أرى أن نجيب محفوظ بعبقريته قد سبقني لإدراك ما في المقاهي من غنى، كذلك كان خيري شلبي الذي كتب بالقرب من المقابر، ووحيد الطويلة الذي تحسس حكاياته الفاتنة على طاولات المقاهي، ومحمد المخزنجي الذي عالج أسرار المرضى المصدورين بالمستشفيات في أعماله البديعة، وأدباء آخرون لاذوا بالريف أو البحر أو الصحراء. هنا، المكان يمنحك طرف الخيط لتتابعه على مهل وهدوء وقناعة، لا يسبب لك ارتباكا.
• ارتبطت بالحرب من خلال قصصك ورواياتك ماذا تعني لك الحرب وهل الحرب هزيمة أم انتصار؟
•• هذه قصة تستحق أن تروى، فقد بدأت شاعرا حين قدمني عبدالرحمن الأبنودي كي أقول الشعر في جرن قمح بقرية «كفر البطيخ» سنة 1969، وظللت أكتب الشعر حتى وقعت حرب 1973 فعكفت على كتابة أول نص سردي هو رواية «رجال وشظايا» الذي تحمس له جمال الغيطاني، وصدر عن الهيئة العامة للكتاب، في نفس التوقيت أعلن عن مسابقة قومية في القصة القصيرة فحازت قصتي «في البدء كانت طيبة» على جائزة منظمة الشباب ومجلة صباح الخير1974، وفي العام التالي فازت قصتي «كيف يحارب الجندي بلا خوذة؟» بنفس المركز في مسابقة أعدتها القوات المسلحة، وفي السنة الـ3 فازت قصتي «سقط في الـ2 صباحا» بجائزة الثقافة الجماهيرية.
حدث أن ارتبط اسمي على مدار سنوات بأدب الحرب لكنني حاولت في كتاباتي أن اهتم بالإنسان لا بضجيج الحرب وهدير الدبابات وقصف الطائرات، ووقع المعارك وهو ما أشار إليه الدكتور جورج جحا في تقرير«رويتر» عن مجموعتي «شمال.. يمين» التي قبض فيها على فكرة أن كل قصصي هي تلمس الإنساني من وراء قشرة الجيش الصلبة.
• تخلق شخصيات تكون قريبة منا، نتلمسها، نشعر بها، نتحدث معها نبكي ونضحك من خلالها، في تصورك كيف يصل الكاتب إلى هذه الدرجة من الإتقان؟
•• ليس لدي الثقة في أن أضع «روشتة» لتبيان كيفية كتابة نص قصصي مميز، لكنني في العادة أتجه لكتابة ذات عنفوان لأنني اختار اللحظة المناسبة للقص، ولدي استبصار بحيث أجعل شخصياتي تبسط تجاربها بقدر من الاستقلال، وهناك غير ذلك زاوية الالتقاط التي أحاول قدر الإمكان ألا تكون مسبوقة أو مكررة ناهيك عن محاولتي ككاتب أن أكون صادقا فيما أكتب، وهو ذلك النوع من الصدق الذي يجعل صراع الشخصيات حقيقيا، بلا زيف أو تمويه أو إخفاء.
هناك أمر آخر هو أنني أشعر أن في الكتابة نوعا من اللعب الفني الحميد، فأميل إلى الطرافة، والنهل من أجواء الحارات الشعبية. ربما أقع أحيانا تحت ضغوط أخلاقية أو فكرية لكنني أستطيع استخلاص الذوات القلقة والمعذبة من محيطها القاسي لتشع حكمة وتمردا وقفزا على مدارات الواقع الضيق.
• خلال عقود من كتابتك للقصة، ما التغيرات التي طرأت على الشخصية المصرية؟
•• لا يمكن أن أقع في خطأ التعميم، ولكن نظرة متأملة للواقع تجعلني أشعر بتيارات تنخر في بنية المجتمع، باسم التحرر التام مرة وباسم العولمة مرة أخرى مع وجود تيارات متكلسة لها الغلبة مصر المعتدلة التي كانت تعرض وجهها للشمس انكفأت على نفسها واستولى السلفيون على المنابر فصعبوا حياة الناس وطرحوا خطابا في غاية العقم والجمود وأنا أرى أن مهمة الكاتب في هذا العصر أن يسهم في إزاحة الظلام في الدروب وأن يتسلح بالفكر المستنير صعودا لوجه وطن يحلم بالمستقبل ولا يرسف في أغلال الماضي وأتصور أن الثقافة والتعليم جناحان للتقدم بدون جناح منهما سوف يحدث السقوط لا محالة.
• جائزة الدولة التشجيعية تأتي أخيرا إلى سمير الفيل هل تأخرت؟ وماذا تضيف تلك الجوائز للأديب بعد أن قطع مشوارا طويلا؟
•• حصلت العام الماضي 2017 على جائزة الدولة في القصة القصيرة عن مجموعة «جبل النرجس» وهناك أصوات عديدة رأت أنني استحق الجائزة التقديرية، لكنني أتفهم المواءمات، وأدرك أن الجوائز ليست كل شيء. أنا أكتب منذ سنة 1968، وكوني أحصل على جائزة متأخرة فهو لا يعني أنها أتت بالخطأ، لكن هناك ظروف تحيط باللجان التي تقدم تقاريرها. والمدهش أنني منذ شهر فقط حصلت على جائزة يوسف أبورية في الرواية والقصة القصيرة عن مجموعة «حمام يطير»، ويقدمها اتحاد كتاب مصر، وهذا يجعلني في حيرة من أمري. فعندي 15 مجموعة فازت منها مجموعتان فقط. ربما كان التقصير من جانبي. على أية حال أكتب في كل وقت وهذا لا يرتبط مطلقا بموسم الجوائز.
• تكتب الشعر والمسرح والرواية والقصة وتمارس النقد كيف تجد متسعا لكل هذا وما هو أقرب هوا لنفسك؟
•• إنه سؤال صعب، لكن دعني أكون صريحا معك. أميل للقصة القصيرة وأجدها فنا في غاية الصعوبة، ويأتي المسرح بعد ذلك وقد قدمت أعمالا عديدة لنوادي المسرح، ثم يأتي الشعر الذي عرفت به فعندي 5 دواوين شعرية من بينها ديوان «الخيول» 1982 والذي تحول سنة 1990 إلى عرض مسرحي هو «غنوة للكاكي» من ألحان توفيق فودة وإخراج شوقي بكر.
• حصلت منذ أسابيع على جائزة يوسف أبورية في القصة القصيرة، والتي ينظمها اتحاد الكتاب. ماذا عن العمل الفائز؟
•• تتضمن مجموعة «حمام يطير» نصوصا تميل إلى المعالجة الواقعية لقضايا المرأة في مصر، فهي تعاني قسوة المجتمع، وتحاط بمجموعة من النواهي والزواجر، وهي تشق طريقها رغم كل ذلك لتقدم نموذجا للكفاح اليومي كما أن المجموعة تكشف عن العلاقات السرية المتكتمة في المدن الصغيرة، في قصص «مشيرة»، و«نرجس» و«تمرحنة»، و«خزين السنين» و«أرز وعدس». لقد أزحت الغطاء عن المستور لكنني قدمته عبر لغة جميلة!
• ماذا تضيف تلك الجوائز للأديب بعد أن قطع مشوارا طويلا في مسيرته؟
•• بالنسبة لي تنفعني قيمة الجائزة في شراء أشياء كان يصعب الحصول عليها، لا أكثر. لكنها لا تقدم لي دعما معنويا فأنا أكتب في جميع الأحوال، وأعرف كيف أوجه بوصلتي مهما كانت الظروف.
• ما القاعدة التي يجب أن يتبناها كاتب اليوم؟
•• لا توجد قاعدة بعينها غير: الصدق، الإخلاص، الحرفية. وسوف أضيف لذلك ألا يقع الكاتب في شباك الأيديولوجية لأنه حتما سوف يتعثر. عليه فقط أن يمتلك رؤية متقدمة للعالم ولنفسه وللقضايا الكبرى ويتعامل معها بمنتهى اليقظة والأريحية.
• «الأستاذ مراد» هو عملك الأخير، حدثنا عنه؟
•• أتحدث في المجموعة عن نماذج بشرية قابلتها في مسيرة حياتي، وتركت داخلي انطباعا بما في حياة الناس من ندوب غائرة، وهو ما نجده في قصص مثل: «فواطم»، «سعاد»، «خديجة»، «صابحة»، «سي عبداللطيف»، «الولد فايق» وهناك «حكايات فلسطينية» وأهديتها لصديقي الكاتب الفلسطيني الراحل زكي العيلة.
• ما أهم النقاد الذين لامسوا تجربتك بفهم واستبصار؟
•• كثيرون تمكنوا من الكتابة بإجادة عن تجربتي السردية، منهم: الدكتورة عزة بدر، الدكتورة وجدان الصائغ، الدكتور عيد صالح، أنيس البياع، الدكتورة شهلا العجيلي، الدكتور سيد محمد قطب، الدكتور أشرف عبدالرحمن، الدكتورة هويدا صالح، إبراهيم جاد الله، الدكتورة زينب إبراهيم، إبراهيم حمزة، فكري داود، شوقي بدر يوسف، الدكتور شريف الجيار، إيمان الزيات، ريم أبوالفضل، منى منصور، منال يوسف، رضوى جابر.
وقد أقيمت حول تجاربي ندوتان في غاية الأهمية بكل من قصر ثقافة الشاطبي، وإتيليه الإسكندرية. مهمة النقد أن يضيء مسارات كانت معتمة لدى الكاتب أو أن يقدم تفسيرا جماليا لما كتبه.