الشيخ محمد بن راشد أثناء مشاركته في حفل زفاف المر.
الشيخ محمد بن راشد أثناء مشاركته في حفل زفاف المر.
د. عبدالله المدني
د. عبدالله المدني




محمد المر
محمد المر




محمد القرقاوي وزير شؤون مجلس الوزراء الإماراتي يطالع أحد مؤلفات المر.
محمد القرقاوي وزير شؤون مجلس الوزراء الإماراتي يطالع أحد مؤلفات المر.
-A +A
قراءة: د. عبدالله المدني *
إذا ما فتحنا ملف المشاهير في عوالم الأدب والفكر والثقافة والشعر والخط العربي واللوحات الفنية والمقتنيات التراثية والفنون بمختلف أشكالها وفروعها في دولة الإمارات الشقيقة، فلن نجد أفضل من الأستاذ محمد المر كي نتحدث عنه، فهو بحق مفخرة ليس لبلده الإمارات فحسب، وإنما أيضا لسائر دول الخليج العربي. لقد وهبه الله قدرة استثنائية لخوض كل المجالات المشار إليها والإمساك بتلابيبها. وهو من جانبه لم يتردد لحظة واحدة في صقل تلك الموهبة بالدراسة الأكاديمية، والقراءة والاطلاع، بل والترحال إلى مختلف أصقاع العالم في رحلات هدفها الأسمى الاطلاع على ثقافات الأمم والشعوب وكنوزها الحضارية وفنونها المتنوعة وعاداتها وتقاليدها بعين مجهرية، الأمر الذي أكسبه علما فوق علم ودراية فوق دراية سخرها لخدمة وطنه الذي يعانق السحاب في كل المجالات ويتطلع إلى تحقيق مركز ثقافي متميز يوازي مركزه الاقتصادي والتنموي والسياحي. يدهشك المر بذائقته الفنية وألقه الثقافي ومطاردته لكل ما هو مثير ورائع؛ ابتداء من السينما والمسرح والموسيقى الكلاسيكية وانتهاء بالعمارة الإسلامية والخط العربي. فحينما تطأ قدماه أرضا خارج وطنه لا يهدر ثانية من وقته في توافه الأمور، إنما ينطلق منذ لحظة الوصول الأولى لزيارة المتاحف والقلاع والأسواق والمتنزهات والمهرجانات الفنية وصالات العروض المسرحية والسينمائية، ملتقطا الصور ومردفا إياها بمعلومات مفصلة عما رآه وسمعه. وبعبارة أخرى يتصرف صاحبنا تصرف الرحالة العظام الذين لا يكتفون بزيارة المكان ومشاهدة ما عليه، وإنما يتماهون معه ويحاورونه ويرصدون نبضه.

ولا أبالغ لو قلت إنه يتصرف هنا كما يتصرف الإنسان الياباني لجهة برمجة رحلته برمجة دقيقة كي لا تفوته زيارة أي معلم، وكي يتعلم كل شيء بتفاصيله الدقيقة وخفاياه التاريخية. وأعتقد أن المر لو عاش عصر ما قبل اختراع كاميرا التصوير لفعل ما كان يفعله الياباني آنذاك من الجلوس أمام المعالم الحضارية ورسمها باليد.


حينما انتخب في 15 نوفمبر 2011 رئيسا للمجلس الوطني الاتحادي الذي هو بمثابة برلمان لدولة الإمارات سادنا الحزن، ليس بسبب شكنا في قدراته على التكيف مع مسؤوليات هذا الجسم السياسي وإنما بسبب خسارتنا لوجه ثقافي خليجي بارز. إذ اعتقدنا وقتها أن السياسة سوف تسرقه منا، لكننا كنا مخطئين إذ واصل الرجل حضوره في قلب المشهد الثقافي جنبا إلى جنب مع مسؤولياته السياسية الكثيرة. وأحسبه كان مقتنعا بمقولة الشاعر الإنجليزي «ت. إس إليوت Thomas Stearns Eliot»؛ ومفادها أن «الثقافة هي ما يجعل الحياة تستحق أن تحيا». شخصيا اعتقدت أن مجال الرجل مقتصر على الإبداع القصصي، وذات مرة أخطأت في الضغط على زر الهاتف الجوال فذهبت أحد الأعمدة الفنية التي أكتبها أسبوعيا في «الأيام» البحرينية عن الشخصيات السينمائية المصرية إلى شخصه الكريم فاعتذرت له لأجده يطالبني بالمزيد كل أسبوع منوها بأن السينما من ضمن اهتماماته وأنه يحتفظ بالكثير من كتبها ومجلاتها النادرة.

وحينما طلبت منه قبل عامين أن يشرفني بكتابة مقدمة لكتابي «النخب في الخليج العربي.. قراءة في سيرها» رحب كثيرا واكتشفت أن التاريخ الاجتماعي ومؤلفات السير هي الأخرى من ضمن اهتماماته، فسررتُ أيما سرور لأني طرقت الباب المناسب خصوصا بعد قراءتي لمقدمته التي كانت نصا فنيا رائعا. بعد ذلك ومن خلال التواصل الإلكتروني بيننا اكتشفت أن اهتمامات المر تتجاوز كل ما سبق إلى التاريخين المعماري والبريدي للإمارات وسلطنة عمان والتحف والنقود الإسلامية. ولد محمد أحمد محمد المر الفلاسي سنة 1955 في دبي ابنا لعائلة عريقة معروفة، وفيها نشأ وترعرع في ظل أسرة صغيرة يسودها الحب والألفة والتعاون والترابط مكونة منه ومن والديه وثلاث شقيقات، وأنهى دراسته الأولية في مدارس دبي لينتقل بعدها إلى الولايات المتحدة الأمريكية طالبا في مدرسة ماكسويل للإدارة العامة والعلاقات الدولية التابعة لجامعة سيراكيوز بولاية نيويورك. وقد أنهى دراسته في هذه المدرسة وتخرج فيها سنة 1978 حاملا شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية.

لكن المر حينما قصد الولايات المتحدة لم يكن كغيره من أقرانه حيث كان قد راكم ذخيرة معرفية جيدة من خلال المدارس التي التحق بها في سن مبكرة، ومن خلال مصاحبته لوالده إلى الأسواق والمجالس والمقاهي، ومن خلال شغفه بقراءة كل ما يقع بين يديه سواء في البيت أو المدرسة أو في المكتبات العامة والخاصة. فمن الكتب التي أنهى قراءتها في سنواته المبكرة: «ألف ليلة وليلة»، «كليلة ودمنة»، «عنترة العبسي» «المتنبي»، «أبوزيد الهلالي»، «سيف ابن ذي يزن»، «الأميرة ذات الهمة»، علاوة على كتب الشعر النبطي والأمثال الشعبية وسلسلة كتب دار المعارف المصرية.

هذا الشغف بالقراءة والاطلاع قاده إلى شغف آخر تمثل في كتابة المواضيع الإنشائية في صحف الحائط المدرسية، فكتابة مواد في الصحافة المحلية. وهذه الأخيرة ساهمت في دفعه نحو الاطلاع على الأدب الإنجليزي وكلاسيكيات الثقافة الانغلوسكسونية ومؤلفات «تشارلز ديكينز» و«أرنيست همنغواي» التي لا أعتقد أن أحدا من أقرانه كان يوليه أي اهتمام في تلك الأيام الخوالي.

أصدر كتاب «آمال وطنية.. مقالات في حب الإمارات» عام 1997، ثم كتاب «حول العالم في 22 يوما» عام 1998 وهو كتاب أدب رحلات ممتع يسرد فيه صاحبه ما حدث له خلال رحلة إلى أوروبا استغرقت 22 يوما. وعن هذا المؤلف كتب محرر صحيفة الخليج الإماراتية (21/‏‏‏1/‏‏‏2013): «لا يمكن المرور على كتاب حول العالم في 22 يوماً من دون الالتفات إلى تشرّب المر للأدب العربي القديم وتأثره بموروث النثر العربي، من أدب جلسات، وفكاهة، ورحلات وغيرها، ففي الكتاب تظهر دراية المر بهذا الموروث وتشربه له، سواء في اللغة أو البناء الكتابي أو حتى الموضوع».

وله أيضا كتاب «كلام الناس» الصادر في عام 2000 وهو دراسة عن لهجة الإمارات، حاز على جائزة الدولة التقديرية للعلوم والفنون والآداب في دورته الأولى سنة 2006 عن فئة الآداب، وكتاب «عجائب الدنيا.. مقالات في الثقافة والحياة والمؤانسة» الذي جمع فيه مختارات من مقالات كان ينشرها في مجلة «الرياضة والشباب» من خلال عموده الأسبوعي «منتصف الأسبوع». وفيه نرى تنوعا في الموضوعات المتناولة يعكس مدى اتساع ثقافة المؤلف. فمن الكتابة حول لقاء مع محتال ظريف إلى الكتابة عن حوار مع الرحالة الإنجليزي مبارك بن لندن (ويلفريد ثيسيجر). ومن وصف ليلة صيف ممتعة مع أوبرا كارمن إلى الدخول في تفاصيل عادات الأكل عند أمير الشعراء أحمد شوقي. ومن الحديث عن اضطهاد الذكر للأنثى في الأمثال الدارجة، إلى الحديث عن أسرار الحب الكيميائية. كما صدرت له مجموعتان من القصص القصيرة هما «حكايات دبي» و«غمزة موناليزا»، وهما الإصداران اللذان ترجما إلى الإنجليزية.

ولم ينس المر المسرح العربي، فقام بتأليف مسرحية «على جناح التبريزي» المعروفة، ليكشف بذلك عن موهبة جديدة من مواهبه الأدبية متعددة الأشكال. وفي عام 2011 اتجه المر إلى جمع الأعمال الأدبية لخمسين كاتبا وشاعرا من مواطنيه وأصدرها في كتاب بعنوان «إبداعات إماراتية»، وأهدى نسخته الأولى إلى الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة في معرض إكسبو 2011. وكان هدفه من هذا العمل هدفا وطنيا نقيا تمثل في اطلاع القريب والبعيد على حركة الإبداع والخارطة الشعرية والقصصية في دولة الإمارات. تلك الحركة التي لئن كانت قصيرة العمر نسبيا ولا تجاري شبيهاتها في الوطن العربي، إلا أنها نجحت في فرض نفسها على المشهد الثقافي العربي العام، علما بأن الكتاب ترجم لاحقا إلى الإنجليزية والتايلاندية. قلنا إن المر انتخب في نوفمبر سنة 2011 بالتزكية لرئاسة برلمان بلاده، فكان ثامن رئيس له، وأول أديب يتولى هذا المنصب الرفيع. دامت رئاسته للمجلس الوطني الاتحادي، التي اتسمت بهدوء المثقف وتواضع العالم، مذاك وحتى نوفمبر 2015 حينما خلفته الدكتورة أمل عبدالله القبيسي، لتسجل الإمارات بذلك أيضا سابقة جديدة من نوعها في المنطقة. وفي أعقاب تسليم منصبه البرلماني عاد المر مجددا إلى عشه الطبيعي.. عش الثقافة والفكر والفن، وبقيت المطالعة والقراءة في الموروث الشعبي والأدب وسائر الفنون عنواناً يومياً لحياته. وفي هذه الفترة، وتحديدا في مطلع يونيو 2016 قام بتأسيس «جاليري بيات» ليكون بيتا لعرض أعمال الفنانين الإماراتيين واستضافة أعمال المستشرقين الأوروبيين الجدد الذين سبق أن زاروا الإمارات وأعجبوا بطبيعتها وتضاريسها فجسدوها في لوحات فنية جميلة.

لكن من كان مثله في ثقافته الموسوعية واهتماماته اللاحصرية لا يمكن الاستغناء عن علمه وخبرته بسهوله، فكان قرار سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي في 18 نوفمبر 2016 بتعيينه رئيساً لمجلس إدارة «مؤسسة مكتبة محمد بن راشد آل مكتوم» التي ترسم السياسات العامة والخطط الإستراتيجية اللازمة لتحقيق أهداف المكتبة وعلى رأسها أن تكون أكبر مكتبة من نوعها على المستوى العربي. ولم يمض سوى وقت قصير إلا وأضيفت إلى أعبائه مسؤولية وطنية جديدة. حيث أصدر الشيخ محمد بن راشد قرارا آخر في مطلع مارس 2018 قضى بتعيينه رئيسا لمجلس أمناء «جائزة محمد بن راشد للغة العربية»، وذلك خلفاً للمرحوم فاروق شوشة الذي ترأس المجلس خلال سنواته السابقة.

خلال مسيرته المهنية شغل المر منصب رئيس مجلس دبي الثقافي من عام 2004 إلى عام 2008، ثم صار رئيسا لهيئة دبي للثقافة والفنون فنائبا لرئيس الهيئة التي بحسب تصريحه لصحيفة الشرق الأوسط (26/‏‏‏10/‏‏‏2013) اهتمت بدعم الحركة الفنية والثقافية، وشجعت الفنانين والمبدعين، ولاسيما الشباب منهم دون تمييز، وذلك انطلاقا من قناعة راسخة بأن «دعم القطاع الثقافي يمثل محورا أساسيا في مسيرة التنمية الشاملة التي تشهدها دبي ودولة الإمارات العربية»، ناهيك عن قناعة أخرى مضمونها أن «درجة تقدم وتحضر الشعوب تقاس أيضا بتطور قطاعها الثقافي، لكن هذا لا يعني أبدا أن الحكومة تحتكر الثقافة، بل إنها تترك المجال مفتوحا أمام المجتمع المدني والأفراد للمساهمة بدورهم في بناء الصرح والأمثلة كثيرة».

وحينما سألته مراسلة الصحيفة المذكورة عن التنوع الثقافي الذي تشهده دبي والخوف من أن يؤدي ذلك إلى طمس الثقافة المحلية الإماراتية، كانت إجابة المر صارمة وواضحة وغير تقليدية. إذ رد قائلا: «التنوع الثقافي لا يتعارض مع الثقافة المحلية، بل يكملها ويثريها، وفنانونا خاصة الشباب منهم يحصلون على رعاية ودعم خاص. انظروا حولكم سترون الكم الهائل من اللوحات والأعمال الفنية المستوحاة من واقع المجتمع الإماراتي، أما الإشكاليات الأخرى فهي مشتركة بين كل الفنانين الذين هم بشر قبل أي شيء. فالفن يتعدى حدود الوطن: قضايا التلوث، المجاعة، الحروب.. هي تعنينا كلنا والمبدعون في الإمارات كغيرهم يجمعون بين المحلية والعالمية». وبالعودة إلى مسيرته المهنية، نرى أنه ترأس تحرير جريدتي «البيان» و«الخليج تايمز» الإنجليزية، وعمل مديرا لمصرف الشرق الأوسط. وعين عضوا في الهيئة الاستشارية لجائزة الشيخ زايد للكتاب، وشغل عضوية مجلس إدارة مؤسسة الإمارات للإعلام، وكان في عام 2009 ضمن أعضاء الجائزة العالمية للرواية العربية. غير أن «ندوة الثقافة والعلوم» بدبي، وهو كيان ثقافي رائد عمل من أجل تجسيد جهود أبناء الإمارات في المجالات الفكرية والثقافية والعلمية كانت وستبقى حبه الأول ونقطة ضعفه. فقد ترأس مجلس إدارتها منذ تأسيسها عام 1987 حتى سنة 2001، وفي ظلها كانت بداياته وعطاؤه من أجل التجديد والانفتاح، وكانت زراعة اللبنات الأولى لمشهد ثقافي يليق ببلد يتطلع إلى العلا. ولهذا كان وفيا لمعشوقته الأولى دوما وأيا كانت مشاغله وارتباطاته.

قصصه برائحة وألوان الخليج



بالعودة إلى مجموعاته القصصية، التي صدر آخرها سنة 2000 تحت عنوان «فيضان القلب»، نجد أن هناك إجماعا من قبل النقاد على أن الرجل استثمر في أعماله القصصية درايته ومعايشته لواقع البيئة الإماراتية وحياتها الاجتماعية قبل اكتشاف النفط وبعده، ووظف قدراته الأدبية في صياغة تلك الأحوال بروح ساخرة لاذعة ولهجة عامية محكية تارة، وبروح جادة موجعة ولغة عربية فصحى تارة أخرى. ومن هنا كتب أحدهم: «قصص محمد المر فيها رائحة الخليج وألوان الخليج وبسمات ودموع الخليج. يدخل القارئ مع الأديب إلى البيوت الخليجية فيشاهد الإنسان العربي في الخليج وهو في أكثر لحظات حياته حميمية وخصوصية، ويخرج معه إلى الأزقة والشوارع والأسواق فيتأمله وهو يتفاعل ويتصارع مع الآخرين»، ثم استطرد قائلا: «يرجع القارئ مع الأديب إلى الماضي فيشاهد إنسان الخليج وهو يصارع الطبيعة والمجتمع فيوفق ويفشل، في مواقف مأساوية وضاحكة وصريحة ومباشرة وبعيدة عن الحنين الرومانسي إلى الماضي ويعود معه إلى الحاضر فيتأمله وهو يتكيف ويتأقلم مع تأثيرات (الذهب الأسود) في مواقف مضحكة ومؤلمة تلخص كل دراما الحياة الإنسانية في المجتمعات الخليجية». وعن الموضوع نفسه كتب المحرر الثقافي بصحيفة الخليج (مصدر سابق) قائلا: «أدرك المر مبكراً أن العمل الأدبي الخارج من بيئة الأديب وشواغله اليومية هو العمل الأكثر صدقاً ومتانة، فظهرت قصصه مشبعة بأجواء الحياة الإماراتية، وتعكس المسكوت عنه في الشارع والبيت والمدرسة والمسجد الإماراتية. حتى بات القارئ الإماراتي يشعر وهو يقرأ قصص المر، أنه يقرأ قصة تحكي عنه مشغولة بلغة المر الخاصة وتكنيك بنائه المشوّق».

ولأن فن الخط العربي ودعم الخطاطين واقتناء لوحاتهم يقع في صميم اهتمامات المر فقد صرح على هامش افتتاح «جاليري بيات» قائلا: «إن هذا الجاليري يأتي من أجل الاهتمام بفن الخط، هذا الفن النبيل الذي تعلمون -لا شك- ما يحتله من مكانة في قلبي، والذي أعتقد أنه يعاني الإهمال ولم يحظ بما يستحقه من العناية والتقدير». وأضاف أن افتتاح الجاليري جاء لتقديم هذا الفن الجميل لأكبر عدد ممكن من المتذوقين والمشاهدين من كل أطياف المجتمع.

«اللوفر» و«المتروبوليتان» و«أوبرا فيينا» أثرت تجربته الأدبية



في حوار أجراه معه الصحفي المصري كامل يوسف حسين، ونشرته مجلة «العربي» الكويتية (عدد ديسمبر 1997) رد المر على سؤال حول خفايا اهتماماته العديدة، فقال: «عندما تفتحت عيناي على نتاجات الفكر والأدب، في مرحلة مبكرة من حياتي، تأثرت بأعمال توفيق الحكيم، وسلامة موسى، وطه حسين، وحسين فوزي، وعباس محمود العقاد، وخالد محمد خالد، وغيرهم من الكتاب والأدباء المصريين، الذين حصلوا على ثقافة موسوعية متعددة الجوانب والاهتمامات. ومعظم أولئك الكتاب الكبار كتبوا في مجالات فكرية وأدبية مختلفة، فدبجوا المقالات الصحفية، وألفوا السير الذاتية، وكتبوا الأعمال القصصية والروائية والمسرحية، واهتموا بأدب الرحلات.. إلخ. كما أنهم، على الرغم من اهتمامهم الكبير بالتراثين الأدبي والفكري العربي، إلا أنهم نهلوا بغزارة من معين الحضارة الأوروبية. تأثري بتلك التجربة الغنية لأولئك الرواد الكبار جعلني، عندما سافرت للدراسة في أمريكا وأوروبا، أهتم بالعديد من الشؤون والشجون الأدبية والفكرية والفنية. فقرأت في الأدب المسرحي الغربي، وترددت على العروض المسرحية الجادة في نيويورك ولندن، وواظبت على مشاهدة روائع الفنون في متاحف اللوفر والمتحف البريطاني والمعرض الوطني ومتحف المتروبوليتان والكونستهستوريش وغيرها، وتابعت تاريخ الموسيقى الكلاسيكية، وحضرت روائع الأوبرا والباليه والموسيقى الكلاسيكية في مسارح «الكوليزيم» و«كوفنت جاردن» و«المتروبوليتان» و«كارنبي هول» و«أوبرا فيينا» و«المسرح الوطني» في ميونيخ و«أوبرا باريس».. إلخ، وقرأت نتاجات أهم كتاب المقالة الصحفية المميزة في الصحافة البريطانية والأمريكية والغربية، واطلعت على العديد من أعمال أدب الرحلات المعاصر، مثل كتابات «بول ثورو» و«نيبول» و«تشاتوين».

ثم أضاف الرجل قائلا: «كل ذلك أدى إلى تعدد نتاجاتي واهتماماتي، ولست أدري إذا كان هذا التعدد يغني تجربتي ومساهمتي الأدبية المتواضعة، أم أنه عامل سلبي يشتت جهودي وقدراتي في مجالات شتى، بدلا من تركيزها في مجال واحد؟ ولكن هذا ما حدث، وما باليد حيلة».

اكتشف المر، بعد عودته من دراسته الجامعية، أنه راكم ما يؤهله لدخول عالم القصة والرواية ففعل، خصوصا أن دراسته في أمريكا مكنته تمكينا عاليا من اللغة الإنجليزية، وبالتالي سهلت أمامه قراءة القصص والروايات الغربية والاطلاع على تقنياتها الفنية.

وهكذا نشر مجموعته القصصية الأولى تحت عنوان «حب من نوع آخر» بغلاف من تصميمه في عام 1982، وأردفها في الفترة ما بين 1983 ــ 1989 بـ11 مجموعة قصصية.

* أستاذ العلاقات الدولية مملكة البحرين