الروائي البحريني حسن مدن ود. إبراهيم سعافين في محاضرة «الثقافة في الخليج العربي».
الروائي البحريني حسن مدن ود. إبراهيم سعافين في محاضرة «الثقافة في الخليج العربي».
-A +A
«عكاظ» (عمّان) okaz_online@
اعتبر الكاتب والروائي البحريني الدكتور حسن مدن أن ظاهرة «القطيعة» بين الأجيال الثقافية، وما يعتري العلاقة بينها من خصومة، ليست جديدة في التاريخ الثقافي والإبداعي في بلدان منطقة الخليج. وبحسب مدن، فإن حركة تنقلات القبائل من منطقة إلى أخرى، والنزاعات والحروب في إطار الإقليم الواسع الذي نعرفه باسم الخليج والجزيرة العربية، لم يكن من شأنها أن تحدث نقلة نوعية تطال البنى الاجتماعية المستقرة التي ظلت عصية على التفكيك، وإن طالتها تغيرات في المظهر الخارجي الذي لا يذهب عميقاً في العصب.

وأضاف مدن في محاضرة بمنتدى عبدالحميد شومان الثقافي، أمس الأول (الثلاثاء)، حول «الثقافة في الخليج العربي: توصيف وتحديات»، قدمه فيها الدكتور إبراهيم سعافين، أنه يمكن للباحث في التاريخ السياسي للمنطقة أن يتحدث عن نشوء الدول الخليجية المستقلة بعد انتهاء عهد ما عرف بـ «الحماية» البريطانية عليها.


وأكد أن طبيعة التحولات الفكرية والسياسية التي شهدها العالم العربي في العقود القليلة الماضية أثرت على المشهد الثقافي الخليجي، حيث نشأت تعبيرات محلية للتيارات المختلفة الناشطة في حقول الثقافة والفكر والسياسة، حداثية كانت أم تقليدية. وبشأن بواكير الحداثة الأدبية والفكرية في المنطقة، بين أنها تمتد إلى أبعد مما تعارفنا عليه بالتاريخ، مع ظهور القصيدة الحديثة والقصة القصيرة وما إليهما بين سبعينات وثمانينات القرن العشرين وما تلاها، ولفت في هذا السياق إلى أن هذه البواكير تمثلت في الخطاب الإصلاحي النهضوي في فترة ما بين الحربين العالميتين وما بعدهما؛ وهو، وفق مدن، خطاب عبر بعمق عن الحاجة للتحديث المجتمعي وبناء الدولة الحديثة في المنطقة، ما أدى إلى تمكين الأجيال التالية أن تمضي أبعد مما ذهب إليه أبناء هذا الجيل من المتعلمين والمثقفين. وقال الروائي البحريني إن بدايات اكتشاف النفط وتصديره أدت إلى حدوث تشققات في مسار السير الرتيب لمجتمعات الخليج؛ ما أحدث هزة عميقة هددت مظاهر الثقافة الشفاهية السائدة بالاندثار قبل أن توثق أو تجمع مادتها، الأمر الذي بات يهدد المجتمع بأن يصبح مجتمعا بلا ذاكرة.

من جانب آخر، قال مدن إن «طبيعة التكنوقراط في العالم كله أن يكونوا بعيدين عن الغائية، وقلما ينغمسوا في القضايا الاجتماعية أو الثقافية، فالنجاحات المهنية التي يحققونها في الحقل الذي يعملون فيه تكفيهم، ولعل هنا يكمن الفرق بين المثقف وبين تقني الثقافة، والمعيار هنا ليس الشهادات فهي لا تجعل من المرء مثقفاً مهما علا مستواها»، مؤكداً أن المثقف من يُوظف رأسماله الرمزي: أي علمه وثقافته، اجتماعياً، أما التكنوقراط فيظل أسير وضعه المهني. وبين أن التحديات التي تواجهها الثقافة في بلدان الخليج العربي «ليست قليلة»، والتصدي لها هو أكبر من جهود أفراد، أو مؤسسات متفرقة، ويتطلب، أولاً، تشخيصاً جريئاً لها، وثانياً وضع خطط جادة ومدروسة وبعيدة المدى.

وتابع: «بعض مجتمعات الخليج لم تعبر برزخ التحولات التراكمي والطويل الذي عبرته المجتمعات الأخرى، وإنما قفزت قفزة سريعة واحدة من حالٍ إلى حالٍ، هكذا دون مقدمات، ومنطق الأمر يقتضي القول بأنه لولا اكتشاف النفط، لكان تطور هذه المجتمعات بطيئاً، لكن النفط قلب هذا المسار رأساً على عقب، فأتى الأمر على صورة انقلاب أو زلزال».