-A +A
حامد جوينة
فضَّلْتُ صَمتي إذْ أهْداني التَّعَبا

والصمتُ أبلغُ من آهاتِنا عَتَبا


عصفورةً كنتُ هل مازالَ يذكُرُها؟

فوالدي ما تَنَاسَى أنْ يكونَ أبا...

في عيدِ ميلاديَ ٱلثَّاني ٱشترى قُزَحاً

وٱبتاعَ لي نجمةً خضراءَ لا لُعَبا

وكان لي لقبٌ أني فراشتُهُ

كم كان يُسعِدُني أن أسمعَ اللّقبا !

فلو شَكَوتُ لهُ من شَوكةٍ ألَمَاً

تمزَّقَ القلبُ في أحشائهِ إرَبا

كان الحنونُ أبي يُرضي أميرَتَهُ

ما بالَهُ اليومَ لا يَقْضي لها أَرَبا؟

أما إلى مُدنِ العُشَّاقِ أدخلني

فكيف يمنعُ ظِلِّي كلما اقْتَرَبا..

صديقه شاعر يأتي لمَنزِلنا

لكنهُ أغلقَ الابوابَ والحُجُبا

وضعتُ أُذنيَ خلف البابِ أسمعهُ

وقمتُ أفتحُ فيهِ -خِلْسَةً- ثُقُبا

ما لي وللشعرِ كي أمسي أُتابعهُ؟

بل ما لجسميَ صارَ الآنَ مُضْطَرِبا؟

أيعزفُ الشعرُ ناياً في أصابعهِ؟

ما لامسَ القلبَ إلا والأسى هَرَبا

وهل يكونُ رآني حينَ أشَّرَ لي

أن أقطفَ الحرفَ من ديوانهِ عِنبا؟

أنحلةٌ ورحيقُ الشعرِ مَنْهلُها؟

أزهرةٌ راقَها في الصُّبحِ ريحُ صَبَا؟

وحينَ ودّعَنا ألقى دفاتِرهُ

بمدخلِ البيتِ كيلا تجلِبَ الكُرَبا

بلابلُ الحبِّ فيها أم عَنادِلُهُ؟

أصغى لها العود ثم اهتزّ مُنْطَرِبا !

ماذا أُخبِّئُ من لُبِّي؟ فيوسفُهُ

كالبُنِّ؛ كلُّ صباحٍ نحوَهُ ٱنجذَبا

يا وَيْلتا ! كيفَ أنْجُو من قصائدهِ

وكلُّ رَيْحانةٍ بي تعشقُ الطَّرَبا

وسائدي عنهُ قبلَ النوم تسألُني

ماذا أقولُ لها لو تطلبُ السَّببا؟

ولَوْعةُ الحبِّ في صدري مَوَاقِدُها

ووالدي غافلٌ.. من يُطفئُ اللهبا؟

ألم يلاحظْ شرودي حين يَذْكرهُ

ألم يرَ الدمعَ من عينيّ مُنْسكِبا؟

بالأمسِ كان إلى الغيمات يحملني

واليومَ ينشئ في أحداقيَ السُّحُبا

تُراهُ يعرفُ ما في قلبِ طِفْلتِهِ

حتى أضافَ على نيرانِها حَطَبا؟ !

بلوايَ بلوايَ إني لن أبوحَ لهُ !

وهل جننتُ؟ فكم من عاشقٍ صُلبا

رُغمَ المرارةِ يبقى الصَّبرُ سُكَّرَنا

والصمتُ أبلغَ من آهاتنا عَتَبا