الشيخ عبدالله القصبي
الشيخ عبدالله القصبي




صورة نادرة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز مع القصبي في القاهرة.
صورة نادرة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز مع القصبي في القاهرة.




.. ومع الأمير عبدالمجيد.
.. ومع الأمير عبدالمجيد.




يشرح للملك فيصل مراحل مشروع طريق الطائف عبر الهدا.
يشرح للملك فيصل مراحل مشروع طريق الطائف عبر الهدا.
-A +A
أنس اليوسف (جدة) 20_anas@
مرت الذكرى الرابعة لرحيل رجل الدولة وأحد أهم المقاولين السعوديين الشيخ عبدالله عثمان القصبي في الرابع من نوفمبر الماضي، حافلة بديمٍ هطلاء من المآثر العظيمة، تفيض بسيرة عطرة وتاريخ تجذر في أرض مُخضبة بالإنجاز، أينعت عبرها ملاحم من النضال الوطني عبر المسؤوليات الثقيلة، التي ما انفك يتصدى لها بعزيمة لا تتثاءب وروح لا تقر ولا تسكن. وضع الرهانات الصعبة والتحديات الكبرى خارطة لحياته العملية، ولطالما روض العقبات وطوع الظروف وأخذ بزمام الوقت في سبيل تحقيق ذاته وخدمة وطنها، حتى بات رمزاً وطنياً وضع بصمته في كل محطة عبرها ومرحلة عايشها. رحلة القصبي عطرة بالسيرة الطيبة، تنقل فيها من بغداد إلى الرياض مروراً بالقاهرة، حمل فيها هم البناة الرواد، ولا تقل محطاته العملية أهمية عن محطاته الفكرية، ظل متنقلاً لطلب العلم والعمل، وكانت له أدوار معروفة في المساهمة في تطوير البلاد بين القطاع العام والخاص. الدهشة التي عرف بها، لازمته منذ سن مبكر، إذ قادته الصدفة إلى مسارات غير تلك التي كانت في ذهنه، فالطريق نحو الصحافة والثقافة لم يكن خياراً بعد أن ساقه القدر نحو مسار آخر لم يكن في الحسبان، لا علاقة له بالقلم، بل عرفه أكثر على «الحجارة» والأسمنت والأسلفت لإنشاء «الطرق»، و«الحديد» والقضبان والكهرباء لإقامة «السكك الحديدية» وإدارتها. أسهم القصبي إبان شبابه وعمله في مجال التربية والتعليم في العراق في مواكبة النهضة العربية الفكرية، وانبرى نداً محاوراً لقامات الفكر العربي أمثال طه حسين والمازني وغيرهما، وكان فارساً في ميادين الإدارة إبان انخراطه في العمل الحكومي قبل عقود، وتدرج إلى أن صقل فكره وأغدق تجربته بخبرة قادته إلى قدرة عالية على وضع لبنات وزارات مهمة في حقبة البدايات، أهمها وزارة المواصلات (النقل حالياً)، التي نبعت أهميتها باعتبارها تربط أطراف المملكة ببعضها.

وكان القصبي من أوائل العاملين في الوزارة على المستوى الإداري، وعمل مع أول وزير للنقل والمواصلات (الأمير طلال بن عبدالعزيز) في بداياته، واستمر في العمل مع خلفه الأمير الراحل سلطان بن عبدالعزيز، وحينها كانت النقلة الكبرى في التفكير الإستراتيجي التخطيطي الشامل للوزارة.


محطة الزبير

ويعد الشيخ عبدالله بن عثمان القصبي من جيل النجديين الذين عاشوا في الزبير (جنوب البصرة) لأغراض تجارية، وتعود بداية الرحلة إلى الزبير من جده الذي انطلق من بلدة القصب في نجد إلى جنوب العراق، حيث كانت الفرص التجارية أكثر ازدهاراً، ورافقه ابنه عثمان (والد عبدالله وجد وزير التجارة الحالي ماجد القصبي) في أوائل القرن الماضي أو قبله بقليل.

وولد الشيخ عبدالله عام 1923، ودرس في مدارس العراق، ما ساهم في تزوده بالعلوم الحديثة التي لم تكن لتتوافر في بلدته الأم (القصب) حينها. وعمل في الحقل التعليمي بالعراق، وتخرج من جامعة فؤاد الأول في العاصمة المصرية (جامعة القاهرة حالياً) بدرجة الماجستير في الصحافة في الخمسينات الميلادية.

معركة «الحقوق»

حين اختار عبدالله القصبي أن يحدد مستقبله التعليمي بدراسة المحاماة، لم تكن طريقه معبدة بالورود، إذ واجه ممانعة داخلية قوية من والده الذي رفض الأمر جملة وتفصيلاً، ويستذكر القصبي أن والده حاول استمالته لدراسة ما يريد عبر الإغراء المادي قائلاً «إذا أردت دراسة ما تريد أعطيتك ديناراً في الشهر، أما إذا أردت أن تدرس ما أريد أنا سأمنحك 3 دنانير في الشهر». وفيما لم يغرِ ذلك العرض عبدالله، استمر في طريقه نحو رغبته الأولى، وقُبل في كلية الحقوق في بغداد، وبعد مرور ثلاثة أيام لاحظ أن اسمه مشطوب بالقلم الأحمر من قائمة المقبولين في الكلية، وحين استفسر عن الأمر، أبلغه عميد الكلية أنور القاضي أن قرار شطبه كان بتوجيه من الرجل القوي في بغداد رئيس غرفة تجارتها آنذاك كامل الخضيري. وما كان من القصبي إلا أن ذهب حينها لزيارة الخضيري ليستفسر منه عن الأسباب، فلم يستقبله وقال له «أنتم الشباب تعصون آباءكم، وأنا لا أستقبل العصاة لآبائهم»!، ليتوجه وقتها القصبي إلى والده في البصرة ليستفهم منه، فما كان من والده إلا القول «لو تخرجت محامياً وطلب قاتل منك الدفاع عنه هل تقبل؟»، ليجيب «أقبل عسى أن يخفف عنه الحكم»، وليسأله والده «ماذا لو كان قاتلاً مجرماً؟»، لينهي والده النقاش بالقول «تريد أن تدرس الحقوق لكي تدافع عن القتلة، اختر أحد أمرين هذا البيت أو كلية الحقوق»، ليسدل الستار على مغامرة لم تكتمل ويترك عبدالله الحقوق طاعة لوالده، ليتخرج من كلية المعلمين.

بهو فندق العزيزية

ومن بهو فندق العزيزية في ليلة من ليالي الطائف الحالمة، كان القصبي على موعد مع نقلة نوعية في مسيرة حياته، لم تلخبط أوراقه وخططه فحسب، بل قاده القدر إلى عالم لم يكن في ذهنه، بعيداً عن أحلامه وعوالمه التي يتمنى في مجالي الأدب والصحافة، زار الطائف برفقة والده في أوائل صفر 1373هـ، حيث الحكومة ووزراؤها ورجالها تقضي صيفها في معية الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن.

ويكشف القصبي في مقالة (نشرها لاحقاً في كتابه «رحلة قلم») كواليس تلك الأيام التي حولت بوصلة حياته العملية إلى موقع لم يكن بالحسبان، قائلاً «في رواق الفندق الصغير صباحاً وفي حديقته مساءً كان سكان الفندق وزوارهم يأتلفون حلقات يتجاذبون فيها أطراف الحديث.. وكان الأمير طلال بن عبدالعزيز صاحب إحدى هذه الحلقات.. وفي ذات مساء صادفت الأخ عبدالله الطريفي والأخ عبدالعزيز الماجد.. وخضنا كما يخوض غيرنا أحاديث الذكريات والإصلاح والتطلعات والأماني.. ثم انتقلنا إلى حلقة الأمير طلال وأدار الأمير الحديث ألواناً وسألني عن تحصيلي العلمي.. وانتهت الأمسية بتكليفي بالعمل مع سموه ولفَّنا الحماس فلم نحدد مرتبة ولا درجة ولا راتبا».

وفيما كان القصبي في السنة الأخيرة للحصول على الماجستير في الصحافة من جامعة القاهرة، أرجأ حينها الاشتراك في الامتحانات النهائية انهماكاً بالمهمة الجديدة، ويشير القصبي إلى أنه اجتمع بالوزير مرات ومرات لاستعراض الأنظمة والتقارير عن وزارات المواصلات في البلاد العربية، مضيفاً «ثم طلب سموه إعداد الهيكل الإداري الأول لوزارة المواصلات.. وأرسلت مخفوراً بالحماس والحيرة إلى أحد بيوت (الجفالي) بالطائف حيث أقمت أربعة أيام وثلاث ليال يأتيني فيها طعامي وكل ما أحتاج.. قرأت فيها كل ما وصلني من نظم وتقارير وأذكر أنني لم أصل إلى التصور المناسب للهيكل الجديد».

ويتابع القصبي حديثه «كان المطلوب تقديم الهيكل الإداري خلال أربعة أيام.. وجاء اليوم الرابع وكانت الأسس العامة قد وضحت.. وبعد عرض الموضوع على سموه ومناقشته مع الأستاذ (عبدالعزيز إبراهيم المعمر) يرحمه الله وكان سموه قد اختاره سكرتيراً عاماً للوزارة اتفقنا على أن يكون الهيكل الإداري الأول لوزارة المواصلات الوزير وسكرتير عام ثم سكرتير عام مساعد ثم مكتب لكل مصلحة من المصالح الثلاث التابعة للوزارة في حينه وهي (مصلحة السكك) ومصلحة (البرق والبريد) و(مصلحة الطرق) إلى جانب ثلاث إدارات إحداها (للمالية) والأخرى (للإدارة) والثالثة (للتفتيش) وحددنا لكل مكتب من مكاتب الإشراف على تلك المصالح (ثمانية) موظفين وللإدارات دون هذا العدد بحسب طبيعة أعمالها.. على أن يعاد الهيكل الإداري للوزارة في العام القادم وفي ضوء ممارسة العمل في العام الأول وكان ذلك».

راعي كرا

وبزغ نجم القصبي باعتباره أحد أبرز المقاولين السعوديين في مشاريع التشييد والطرق إبان فترة الطفرة، بعد تأسيسه مؤسسته «كرا» عام 1388 للهجرة، والتي اختار اسمها نسبة إلى جبل كرا الطود العملاق على مكة المكرمة من الطائف، إذ تولت مؤسسته تنفيذ أنفاق منى الخمسة وجسر الملك فيصل بمزدلفة والعديد من المشاريع في المشاعر المقدسة والمنطقة، كما رأس أول مجلس إدارة لشركة مكة للإنشاء والتعمير و3 شركات أخرى، وشغل عضوية مجالس إدارات العديد من الشركات منها شركة المصافي العربية، حتى عام 1421هـ، ليستقيل من جميع مناصبه، ويتفرغ لمؤسسته بعد أن بدأت في توسيع أنشطتها لتشمل مجالات الصناعة والتعدين.

القصيبي عن القصبي

ووصفه الراحل غازي القصيبي بأنه «من جيل الرواد الذين وضعوا بصماتهم على خارطة الوطن، وقد نهل من العلم في العراق مع أجيال من السعوديين الذين أبصروا النور في الزبير (...) وقد أسهم في تنوير الرأي العام من خلال منبر الصحافة».

وفي أيامه الأخيرة بعد عقود من العمل المستمر والجهد الدؤوب توارى القصبي عن الأنظار بحسب ما أكده الإعلامي المخضرم عضو مجلس الشورى سابقاً الدكتور عبدالرحمن الشبيلي الذي قال «إن الشيخ عبدالله صاحب قلم صريح، ورأي إصلاحي مستنير، توارى عن الأضواء في مزرعته بين مكة المكرمة والطائف، بعد أن فرغ نفسه من صحبة معدات المقاولات، ومعاناة المراجعات، وصداع المناقصات، وما يستتبعها من منغصات، تفرغ ليفتح ويقرأ ويتأمل ويكتب».

الرحيل المر

وفي نوفمبر عام 2014، ودع جيل الرواد أحد أهم رجال الدولة الذين خدموا وطنهم بإخلاص، وعده وزير المواصلات السابق ناصر السلوم «معلماً ورجلاً عظيماً من رجالات وزارة المواصلات الأوائل»، واسترجع السلوم ذكرياته مع الفقيد قائلاً «كان مسؤولاً عن الطرق في جدة، وهو أستاذي ونعتبره والداً ومربياً، عاش كريماً في أخلاقه وتعامله مع الناس، ونظيف اليد، واجتماعياً ويحب الجميع، كما أنه قائد في عمله ويدير عمله بكفاءة». ويضيف السلوم «أبدع في عمله كمسؤول حكومي وكمقاول وكصحفي كان شعلة من النشاط والهمة».

«مدرسة سلطان» الوزارية صقلته

ارتبط الشيخ عبدالله القصبي بولي العهد الراحل الأمير سلطان بن عبدالعزيز، الذي يراه «مؤسس الطرق في المملكة»، ولا يخفي القصبي إعجابه بالأمير سلطان، إذ يؤكد أن رؤية وتوجه الأمير أن تكون الطرق الرابطة بين أطراف المملكة هي المنطلق والأساس قبل أي منظور آخر.

ويروي القصبي في إحدى مقالاته التي نشرها في كتابه «رحلة قلم» (مصدر سابق)، عندما انتقلت وزارة المواصلات إلى عهد جديد بعد تعيين الأمير سلطان وزيراً لها في 1375هـ، قائلاً «أقبل يفيض حيوية وحماساً (...) ووضع لوزارة المواصلات أسسها الجديدة وسياستها الجديدة ودعم ميزانيتها، شيء لا بد أن يسجل للتاريخ وللأمير سلطان أنه كان يجتمع بالمسؤولين بصورة مستمرة ويتشاور معهم ويناقشهم في شؤون أعمالهم وبروح أخوية وكم غلب الحماس على المناقشة وعلا صوتها وحميت أجواؤها، وكم اجتمعنا بعد أوقات الدوام الرسمية في بيت سموه ولا حديث إلا المواصلات ومستقبل المواصلات.. وكان للعمل جو إخاء رائع وكان لسموه ثقة مطلقة برجاله وحديث عذب مع الجميع واستولى بذلك على محبة كل من عمل معه».

ويشير إلى حرص الأمير سلطان على أن تمر الطرق بأغلب قدر ممكن من المدن وإن طال المسار، وتعتبر أغلب الطرق الرابطة بين مناطق المملكة تمت دراستها في عهد الأمير سلطان إبان توليه حقيبة وزارة المواصلات، وكانت أشبه بمرحلة الأساس والنهج الذي سارت عليه أغلب الطرق، وللقصبي قصة شهيرة مع الأمير سلطان، عندما طلب الأمير سيارته للذهاب لوزارة المالية ولم يجدها، وكان القصبي يرافقه فطلب الأمير منه سيارته، ليقول القصبي للأمير «السيارة قرنبع» ولا تليق بكم!، ليطلب منه الأمير إحضارها، وركب معه في سيارته وأوصله إلى المكان، ليبرهن الأمير سلطان بن عبدالعزيز أن السيارة ليست إلا وسيلة لا غاية.

ويستذكر القصبي أن الأمير استقطب كثيراً من الشباب المثقف للعمل معه في الوزارة، وفي عهده تم وضع تنظيم السكك الحديدية، وتم إعفاء مديرها الأجنبي واستلمها الشيخ عبدالرحمن السليمان آل الشيخ أول مدير عام للسكك الحديدية، والذي أعاد بناءها وفق السياسة الجديدة بضرورة سعودة المصلحة، كما عزز الوزارة ببعض الكفاءات من المصالح التابعة، وعمل القصبي مديراً عاماً لمصلحة الطرق، وطلب منه الأمير تطوير المصلحة وإعداد مذكرة تفصيلية دقيقة للميزانية آنذاك، وقبل ذلك تم انتدابه إلى لندن في 1954 لحضور مؤتمر السكك الحديدية هناك والتدرب على إدارتها، مستذكراً أنه حضر المؤتمر الذي كان عدد أعضاء وفد الشقيقة مصر فيه (24) عضواً، وطُلب من رئيس كل وفد أن يلقي بحثاً، فجمع القصبي كل ما كتبته أرامكو وإدارات السكك في تقرير عن حماية الخط الحديدي من الرمال، وألقاها دون أن يعلم أحد أنه لم يفقه كثيراً آنذاك في السكك الحديدية، واصفاً ذلك بـ«المأزق الحرج والطريف»، ما حثه بعد ذلك على بذل المزيد من الجهود للاطلاع والدراية في هذا المجال.

في الصحافة.. حاور القلم.. ونكسة 67 أوقفته

بعد أن أخذت حقبة المواصلات والسكك الحديدية ما يزيد عن 10 أعوام من عمره، عاد القصبي إلى عالمه الذي يحب (الصحافة والثقافة)، باختياره عضواً في مؤسسة المدينة للصحافة والنشر، إبان قيام عهد المؤسسات الصحفية عام 1964. للعودة لمناوشة قلمه، ويبدأ حواره الأسبوعي «قال القلم.. وقلت للقلم»، بلغة عذبة، تناول فيها أهم الأحداث السياسية في العالم العربي، إلا أن عودته لم تستمر طويلاً حتى صدر قرار بإيقافه عن الكتابة، بعد نشره مقالة عن نكسة 67، غير عنوانه من «باسم من هذه التنازلات؟» إلى «أين نقف من هذه التنازلات؟»، إذ اعتبر الكاتب عبدالله مناع أن حساسية الوضع السياسي آنذاك مع «القاهرة» لم تكن تحتمل مقالاً وصفه بـ«العيار الثقيل».

ولا ينسى الوسط الثقافي الصحافي محاضرته الشهيرة عن «رئيس التحرير في الصحافة السعودية» أواخر الستينات الميلادية في إدارة تعليم جدة، التي قدم فيها رؤيته لمهمة دور «رئيس التحرير» في الصحافة أو الصحيفة على وجه الدقة كـ«ممثل» للسلطة الرابعة أو معبر عنها أو رائد لها، و«مهمته» في أن يكون عيناً لـ«الأمة» في تتبع السلبيات والقصور.. والكشف عنها، ويستذكر الصحافي عبدالله مناع أن القصبي قال ما قاله عن الصحافة، وتقاعس رؤساء التحرير فيها عن دورهم كـ«سلطة رابعة» رقابية.

ووصفه وزير الدولة عبدالعزيز الخويطر بأنه علم من الأعلام في الثقافة وملأ وقته فراغاً كان لابد من ملئه بكفء مثله، لوَّن جيله الصحافة بلون باهٍ، وكان مختلفاً عن السائد ولم يتبع سيل الرجاف، لافتاً إلى أن سيرته مرجع مهيأ للباحثين ومورد عذب لمعرفة مدى إسهاماته في قطاعات عدة.

واعتبر أن آراءه مثلت بحق فكر جيله وأصبح ما سجله محتلاً مكانة في تاريخ الأدب والفكر في بلادنا وجيله والجيل الذي سبقه هم الذين وضعوا الأسس لنهضة أدبية يبني على أسسها الجيل الحاضر من الأدباء والمفكرين ورجال الثقافة، ومن الذين تركوا بصمات، ووجهوا سير الصحافة وجهة سليمة تتفق مع اتجاهنا الفكري والاجتماعي ولم يقلدوا غيرهم تقليداً أعمى.

ويشير مقربون منه إلى أنه كان شديد الحماسة لمهنة الصحافة وتطويرها، يزور مطابع الصحيفة كل مساء حتى يشم رائحة الحبر، مليء بالشغف نحو كل ما هو جديد في عالم النشر، مستشعراً دور الإعلام التنموي في قيادة الوطن، وتأثير الكلمة على حياة الناس، حتى أنه كان مبادراً على الدوام بدعم أي فكرة تطويرية دون أن ينتظر أحداً ليطلب منه ذلك، وكان يسارع بمساعدة الزملاء مادياً، الذين تضرروا بصورة أو أخرى من وراء عملهم المهني، ووقف بجانبهم دون أن يعلم أحد حتى مرت أزماتهم بسلام، وله مؤلف بعنوان «رحلة قلم» وثق فيه العديد من مقالاته الجريئة التي تناولت الشأن الاجتماعي وهموم مؤسسات الصحافة والإعلام.