لم يندمل جرح الشعر بعد، ولم تستطع 8 سنوات مرت على رحيل «سيد البيد» الشاعر محمد الثبيتي أن تطفئ الحزن المتجذر في أعماق محبي شعره، فبالأمس 15 يناير 2019، حلت الذكرى الثامنة لرحيله، لكن إبداعه لم يفارق وجدان الشعر، إذ يعد نقاد تجربة الثبيتي تجربة شعرية خالصة في إطار قاموس خاص، نجح من خلاله في استنطاق معاجم اللغة والحكايات والأساطير ليقدم من خلال 4 مجموعات شعرية (تهجيت حلما تهجيت وهما) و(عاشقة الزمن الوردي) و(تضاريس) و(موقف الرمال موقف الجناس) أعذب الشعر وأصدقه.
الثبيتي كان من أمهر الحداثيين انتماءً للحداثة المؤصلة بالتراث، إذ لم ينبتّ عن جذوره الأولى، فجمع بين الفنيّة المعاصرة على مستوى الصورة والتخييل وبين المفردة المعجمية الأصيلة والمنفتحة على التأويل.
ويرى الناقد المكي الهمّامي أن الثّبيتي يحرص على تنويع الأشكال الشّعريّة في مدوّنته، ساعياً من وراء ذلك إلى اختبار الممكنات الجماليّة لكلّ شكل شعريّ، مشيراً إلى أن سيّد البيد اختط شَكلاً شعرياً وفق إرث من الأساليب الفنيّة المستعملة، فلم يسجن نفسه في شكل شعريّ بعينه، ولفت الهمامي إلى تجربة الثبيتي الخاصة كونه عمل على استثمار طاقة مجمل الأشكال الشّعريّة، فكانت تجربته أكبر من الأشكال، وإن اتّخذت منها سبيلاً للتّعبير.
من جانبه، قال الناقد الدكتور سعيد السريحي إن تسارع تطور التجربة الشعرية عند محمد الثبيتي رفع وتيرة الإرباك عند من كانوا يناصرون التجربة ومس أولئك الذين كانوا يناصبونها العداء، فاقتسم الفريقان الحيرة إزاء هذه اللغة الجديدة التي كانت تشكل لفريق تبشيراً بآفاق جديدة موغلة في الحداثة، كما تشكل لفريق آخر حجة لما يرونه من أن الحداثة لا تخرج عن أن تكون عبثاً باللغة ولعباً بالكلمات وإفساداً للذائقة، لافتاً إلى مهارة الثبيتي في تطوير تجربته إذ انتقل خلال 4 أعوام من لغة سهلة لم تتجاوز بعض القصائد العمودية المرتبطة بالمناسبات وقصائد أخرى تدور في فلك التجربة الرومانسية، إلى لغة معقدة موغلة في الغرابة تمثل أنموذجاً فريداً للحداثة الشعرية، وتتجاوز كثيراً من التجارب التي أنجزت على مستوى الشعرية العربية المعاصرة.
ويؤكد الشاعر خالد المحاميد أن الحديث عن محمد الثبيتي يجب أن يكون ناقصاً بالضرورة، إذ لا يمكن تفسير ما لا يفسر أحياناً ولا يمكن ارتكاب حماقة التأويل من دون السقوط في براثن اللغة نفسها وانزياحاتها والمعاني المبطنة، وهي لغة اشتقها الشاعر من قلب الجحيم الذي استعرت به مخيلته لابتكار معادل شعري لجحيمه الواقعي «أمضي إلى المعنى وأمتص الرحيق من الحريق» فالقصيدة لا تحمل مسماها ما لم تكن «قبضت على جمرها، وأذابت الجوارح في خمرها، فهي شهد على حد موس» وما بين لذة القصيدة وما بين جمرها مسافة سيقطعها الثبيتي فيما بعد، ويستدرك بها عبارته «في عاشقة الزمن الوردي» ونهرب من متاعبنا إليه «لافتاً إلى أنه يحترق بنار الشعر حين يصبح الشعر هو التعب نفسه والهروب منه إليه هو هروب واقعي من جحيم الحياة إلى جحيم الشعر، ولأن غول الحياة أكثر وحشية وعنفاً لا يستطيع الشاعر مواجهته إلا بالشعر»، ما بيد سوى أبيات شعر (على حد تعبيره)، وفي تجاربة المتأخرة حين تنتهي اللذة الرومانسية «شهد على حد موس» يغدو الشعر صافياً ولامعاً كنصل السيف.
يذكر أن الثبيتي ولد عام 1952 في وادي الشروط في بني سعد بمحافظة الطائف وعمل معلماً في عدد من المناطق ثم كلف بالعمل في المكتبة العامة بمكة، وانتسب لجامعة الملك عبدالعزيز ونال ليسانس في علم الاجتماع، وتوفي 15 يناير 2011 إثر متاعب صحية ناجمة عن جلطة في القلب.
الثبيتي كان من أمهر الحداثيين انتماءً للحداثة المؤصلة بالتراث، إذ لم ينبتّ عن جذوره الأولى، فجمع بين الفنيّة المعاصرة على مستوى الصورة والتخييل وبين المفردة المعجمية الأصيلة والمنفتحة على التأويل.
ويرى الناقد المكي الهمّامي أن الثّبيتي يحرص على تنويع الأشكال الشّعريّة في مدوّنته، ساعياً من وراء ذلك إلى اختبار الممكنات الجماليّة لكلّ شكل شعريّ، مشيراً إلى أن سيّد البيد اختط شَكلاً شعرياً وفق إرث من الأساليب الفنيّة المستعملة، فلم يسجن نفسه في شكل شعريّ بعينه، ولفت الهمامي إلى تجربة الثبيتي الخاصة كونه عمل على استثمار طاقة مجمل الأشكال الشّعريّة، فكانت تجربته أكبر من الأشكال، وإن اتّخذت منها سبيلاً للتّعبير.
من جانبه، قال الناقد الدكتور سعيد السريحي إن تسارع تطور التجربة الشعرية عند محمد الثبيتي رفع وتيرة الإرباك عند من كانوا يناصرون التجربة ومس أولئك الذين كانوا يناصبونها العداء، فاقتسم الفريقان الحيرة إزاء هذه اللغة الجديدة التي كانت تشكل لفريق تبشيراً بآفاق جديدة موغلة في الحداثة، كما تشكل لفريق آخر حجة لما يرونه من أن الحداثة لا تخرج عن أن تكون عبثاً باللغة ولعباً بالكلمات وإفساداً للذائقة، لافتاً إلى مهارة الثبيتي في تطوير تجربته إذ انتقل خلال 4 أعوام من لغة سهلة لم تتجاوز بعض القصائد العمودية المرتبطة بالمناسبات وقصائد أخرى تدور في فلك التجربة الرومانسية، إلى لغة معقدة موغلة في الغرابة تمثل أنموذجاً فريداً للحداثة الشعرية، وتتجاوز كثيراً من التجارب التي أنجزت على مستوى الشعرية العربية المعاصرة.
ويؤكد الشاعر خالد المحاميد أن الحديث عن محمد الثبيتي يجب أن يكون ناقصاً بالضرورة، إذ لا يمكن تفسير ما لا يفسر أحياناً ولا يمكن ارتكاب حماقة التأويل من دون السقوط في براثن اللغة نفسها وانزياحاتها والمعاني المبطنة، وهي لغة اشتقها الشاعر من قلب الجحيم الذي استعرت به مخيلته لابتكار معادل شعري لجحيمه الواقعي «أمضي إلى المعنى وأمتص الرحيق من الحريق» فالقصيدة لا تحمل مسماها ما لم تكن «قبضت على جمرها، وأذابت الجوارح في خمرها، فهي شهد على حد موس» وما بين لذة القصيدة وما بين جمرها مسافة سيقطعها الثبيتي فيما بعد، ويستدرك بها عبارته «في عاشقة الزمن الوردي» ونهرب من متاعبنا إليه «لافتاً إلى أنه يحترق بنار الشعر حين يصبح الشعر هو التعب نفسه والهروب منه إليه هو هروب واقعي من جحيم الحياة إلى جحيم الشعر، ولأن غول الحياة أكثر وحشية وعنفاً لا يستطيع الشاعر مواجهته إلا بالشعر»، ما بيد سوى أبيات شعر (على حد تعبيره)، وفي تجاربة المتأخرة حين تنتهي اللذة الرومانسية «شهد على حد موس» يغدو الشعر صافياً ولامعاً كنصل السيف.
يذكر أن الثبيتي ولد عام 1952 في وادي الشروط في بني سعد بمحافظة الطائف وعمل معلماً في عدد من المناطق ثم كلف بالعمل في المكتبة العامة بمكة، وانتسب لجامعة الملك عبدالعزيز ونال ليسانس في علم الاجتماع، وتوفي 15 يناير 2011 إثر متاعب صحية ناجمة عن جلطة في القلب.