كثيراً ما يقف الشاعر أمام ما يسمى (الحظ) أو القضاء والقدر عاجزاً عن التصرف كون خياراته محدودة، ما يجعل التسليم بالمقدّر خير وسيلة لتجاوز المأساة، إلا أن روح المبدع المرهف لا تفوّت فرصة تفريغ الشحنات السالبة والاستعاضة عن حالة الفقد أو الوجع بالتضامن الإنساني، والشاعر الكويتي فهد راشد بورسلي 1918- 1960 ابن تاجر لؤلؤ يصوغ قصيدته وفق معيار الدرر ولا يترك أثراً لصياغة ولا أدوات إلا ما انطبع في أذهان الناس وسكنهم من أبيات وجدانية، تناقلها الحُداة، وتناغمها الشُداة، وسار وسرى بها الركبان، ولعل قصيدة (الله أقوى يا نصيبي وأنا وش بيدي... كل ما عــدّلت واحــد يميل الثاني) من القصائد المحظوظة، بسعة انتشارها، وقوة سبكها بما تضمنته أبياتها من حكم ودراية بالأيام وطبائعها، فلا يمكن أن تعتدل الأشياء والأنفس على مدى الوقت ولا تميل أيضاً لأن الحياة مجبولة على كدر، وعدل وميل «هي الأمور كما شاهدتها دول، من سرّه زمنٌ ساءته أزمان» ولا ريب أن الأغنية مركب بحري أو مركبة فضاء تجسّر المسافات خصوصاً في زمن المذياع وما قبل الصورة، إذ بلغت هذه القصيدة الأسماع وتحولت إلى نشيد مقاومة وسلوك دفاعي يعزّي الذات لتنعتق من قسوة المواقف الصعبة.
بورسلي يروي لنا عبر نصه حكاية الافتتان بالجمال في يوم بهجة وفرح ليكون ذلك اليوم بؤرة الألم ونواة الجرح:
ولعوني بالهوى من نهـــار العيـدي
عادت الأعياد تلعب على الشبّاني
قيدوني يا لله أنك تفك القيدي
من يحل القيد؟ من يرضي الزعلاني؟
ومن التحديات الكبرى التي تواجه الشاعر إبان صياغة النص تحدي إخراج نفسه لتغدو القضية قضية الجميع، وهنا تتجلى مهارة الصناعة الشعرية، وتحميل الحظ مسؤولية ما يجري كما قال أحدهم:
إن قام حظك باع لك واشترى لك
وإن نام حظك لا شرى لك ولا باع
وشاعرنا يدرك أنه ليس وحده في مطب تعثر الحظ، بل هناك ملايين تتعثر حظوظهم، ما يجعل القريب بعيداً، والصديق الذي كان ودوداً ولطيف معشر يغدو متنكراً وعاقاً:
من عثر حظه يصير القريب بعيدي
والصديق اللي تبي يستوي قوماني
ومهما كانت جسارة الشاعر وتساميه إلا أنه بشر عرضة للضعف، ولا يجد مناصاً من استعطاف المحبوب:
ليش ما تشفق على عشرتي يا سيدي
يا بو شامه لا تشمّت بي العدواني
ما هقيت أنه بعد ما يطب الميدي
ليلةٍ فاتت جرحنــــــي ولا داواني
ما نفــــع به كثرة العـــــــلم والترديدي
جادلٍ ناشي على الكبر والطغياني
والله إني يا هوى البال في تنكيدي
لا ذكرتك هلّ دمعي على الأوجاني
وقبل الختام ينقلنا الشاعر إلى حالة الرضا من الغنيمة بالإياب، وعندما يتذكر ما فاته، وما أخفق في تحقيقه من أمانيه، يغدو مسكوناً بهبات النسيم الذي يصابحه ويماسيه وينشر حوله رائحة الذكريات:
كل ماهبّ الهوى قلت له يا سيدي
ما تبيع الورد يا راعي البســـــــتاني
ثم يقنع بواقع الحال ويلجأ للتمني، باعتبار الأماني بضاعة المفاليس:
ليتني عبدٍ لكم ملك وأنت السيدي
والثمن ما بيه يا مطرق الريحاني
فهو يرتضي الرق ليكون قريباً خصوصاً أن الفراق لم يكن اختيارياً:
حدني على المفارق وأنا ما ريدي
والجـفا والبعد شيٍ من الحرماني
بورسلي يروي لنا عبر نصه حكاية الافتتان بالجمال في يوم بهجة وفرح ليكون ذلك اليوم بؤرة الألم ونواة الجرح:
ولعوني بالهوى من نهـــار العيـدي
عادت الأعياد تلعب على الشبّاني
قيدوني يا لله أنك تفك القيدي
من يحل القيد؟ من يرضي الزعلاني؟
ومن التحديات الكبرى التي تواجه الشاعر إبان صياغة النص تحدي إخراج نفسه لتغدو القضية قضية الجميع، وهنا تتجلى مهارة الصناعة الشعرية، وتحميل الحظ مسؤولية ما يجري كما قال أحدهم:
إن قام حظك باع لك واشترى لك
وإن نام حظك لا شرى لك ولا باع
وشاعرنا يدرك أنه ليس وحده في مطب تعثر الحظ، بل هناك ملايين تتعثر حظوظهم، ما يجعل القريب بعيداً، والصديق الذي كان ودوداً ولطيف معشر يغدو متنكراً وعاقاً:
من عثر حظه يصير القريب بعيدي
والصديق اللي تبي يستوي قوماني
ومهما كانت جسارة الشاعر وتساميه إلا أنه بشر عرضة للضعف، ولا يجد مناصاً من استعطاف المحبوب:
ليش ما تشفق على عشرتي يا سيدي
يا بو شامه لا تشمّت بي العدواني
ما هقيت أنه بعد ما يطب الميدي
ليلةٍ فاتت جرحنــــــي ولا داواني
ما نفــــع به كثرة العـــــــلم والترديدي
جادلٍ ناشي على الكبر والطغياني
والله إني يا هوى البال في تنكيدي
لا ذكرتك هلّ دمعي على الأوجاني
وقبل الختام ينقلنا الشاعر إلى حالة الرضا من الغنيمة بالإياب، وعندما يتذكر ما فاته، وما أخفق في تحقيقه من أمانيه، يغدو مسكوناً بهبات النسيم الذي يصابحه ويماسيه وينشر حوله رائحة الذكريات:
كل ماهبّ الهوى قلت له يا سيدي
ما تبيع الورد يا راعي البســـــــتاني
ثم يقنع بواقع الحال ويلجأ للتمني، باعتبار الأماني بضاعة المفاليس:
ليتني عبدٍ لكم ملك وأنت السيدي
والثمن ما بيه يا مطرق الريحاني
فهو يرتضي الرق ليكون قريباً خصوصاً أن الفراق لم يكن اختيارياً:
حدني على المفارق وأنا ما ريدي
والجـفا والبعد شيٍ من الحرماني