-A +A
علي مكي (الطائف) okaz_online@
أعاد «سوق عكاظ» وهج الشاعر الجاهلي النابغة الذبياني، إذ استوقفت قصائده الكثير من الزوار. ويعد الذبياني من فحول الشعراء، ومن سادات قومه. كانت تضرب له قبة من جلد أحمر بـ«سوق عكاظ»، فيقصده الشعراء ويعرضون عليه أشعارهم.

«عكاظ» استحضرت صوت النابغة الذبياني من خلال هذا الحوار الافتراضي، للتعرف على حياته، وموقفه حول الكثير من القضايا، وعن حياة قومه، وأيامهم وأساطيرهم، ومواقفهم، وغيرها. واختارت من أبياته ما يجيب على هذه التساؤلات. وإلى نص الحوار:


• كنتَ سيّد الشعراء في سوق عكاظ، تُفتيهم في أشعارهم تحت قبتك الحمراء، فهل ذكرت عكاظ في شعرك؟

أرأيتَ يومَ عكاظ حينَ لقيتني

تحت العجاجِ فما شققتَ غباري

• هناك من يرى أنك لستَ من شعراء المعلقات، فما ردك؟

ينْبئكَ ذو عرضهم عني وعالمُهم

وليس جاهلُ شيءٍ مثل من عَلِمَا

• هل لك في الحرب صولاتٌ وجولات كما في الشعر؟

والخيلُ تعلمُ أنا في تَجاوُلها

عند الطعانِ أُولُو بؤسى وإنعامِ

• ما حالك مع الشيب والهوى؟

فكَفْكفْتُ مني عَبْرَة ًفرَدَدتُها

على النحرِ منها مستهلٌّ ودامعُ

على حينَ عاتبتُ المَشيبَ على الصِّبا

وقلتُ: ألمّا أصحُ والشيبُ وازعُ؟

• ماذا تقول عن مكارم الأخلاق؟

متى تلقهمْ لا تلقَ للبيتِ عورةً

ولا الضيفَ ممنوعاً ولا الجارَ ضائعا

• ما مكانةُ الجار عندكم؟

لا يُبعد اللهُ جيراناً تركتُهمُ

مثل المصابيح تجلو ليلةَ الظُّلَمِ

• ما رسالتك لمن تُحبّ؟

فإنْ تحيَ لا أمللْ حياتي وإنْ تمتْ

فما في حياتي بعد موتك طائلُ

• ما مدى وفائك للملك النعمان؟

مهلاً فداءً لك الأقوامُ كلّهُمُ

وما أُثمِّرُ من مالٍ ومن ولدِ

• كنتَ بعيداً عن ملك المناذرة النعمان وفي مأمنٍ من فتكه حين كنت عند ملوك الغساسنة، فلماذا عدتَ إليه؟

فإنكَ كالليلِ الذي هو مُدركي

وإن خِلتُ أنَّ المُنْتأى عنكَ واسعُ

• ما ردك على من اتهمك بخيانة الملك النعمان مع زوجته المتجرّدة؟

لعمْري وما عمري عليَّ بهيّنٍ

لقد نطقتْ بُطْلاً عليَّ الأقارعُ

• عصامُ حاجبُ الملك ومستودع سرِّه كان صديقاً وفيّاً لك فماذا قلت فيه؟

نفسُ عصامٍ سوَّدتْ عصاما

وعلمتْه الكرَّ والإقداما

• ماذا قلت في حلفائكم قبيلة بني أسد؟

إذا حاولتَ في أسدٍ فجوراً

فإني لستُ منك ولستَ منِّي

فهمْ درعي التي استلأَمتُ فيها

إلى يوم النِّسارِ وهم مِجنِّي

• هل صحيح أنك وقومك على دين النصرانية؟

محلَّتُهُمْ ذاتُ الإلهِ ودينُهم

قويمٌ فما يرجونَ غير العواقبِ

• هل كنت من أهل اللهو والمجون؟

حياك ربي فإنا لا يحلُّ لنا

لهو النساء وإنّ الدين قد عَزَما

‏• هل كنتم تصلّون على الميت؟

فآبَ مصلُّوهُ بعينٍ جليّةٍ

وغودر بالجولان حزمٌ ونائلُ

• هل ورد في شعرك ذكرٌ للأنبياء السابقين؟

إلا (سليمان) إذ قال الإلهُ له

قم في البريّةِ فاحدُدْها عن الفَنَدِ

فألفيتُ الأمانةَ لم تخُنْها

كذلك كان (نوحٌ) لا يخونُ

• هل كان العدل صفة حميدة عندكم؟

أبى اللهُ إلا عدلَهُ ووفاءهُ

فلا النُّكْرُ معروفٌ ولا العرفُ ضائعُ

• ما موقفك من قبيلة عبس؟

جزى اللهُ عبساً في المواطن كلها

جزاءَ الكلاب العاوياتِ وقد فعلْ

‏• بماذا كنتم تُقسِمون؟

حلفتُ فلم أترك لنفسك ريبةً

وليس وراء الله للمرءِ مذهبُ

• ماذا قلتَ عن الموت؟

فلا تبعدنْ إن المنيّةَ موعدٌ

وكلُّ امرئٍ يوماً به الحالُ زائلُ

• هل كنتم تتطيرون بالغراب؟

زعمَ الغرابُ بأنَّ رحلتنا غداً

وبذاك خبّرنا الغُدافُ الأسودُ

• هل كنتم تستسقون إذا أجدبت الأرض؟

حرَّبْت أبيضَ يُستسقى الغمامُ به

من آلِ جفنةَ في عزٍّ وفي كرمِ

• كيف ترى جزاء الخيانة؟

وتُخضب لحيةٌ غدرتْ وخانتْ

بأحمرَ من نجيعِ الجوفِ آني

• أرحنا ببيتِ غزل.

ألمحةً من سنا برْقٍ رأى بصري؟

أمْ وجهُ نُعْمٍ بدا لي أم سنا نارِ؟

• بماذا تنصح الإخوة؟

ولستِ بمُستبقٍ أخاً لا تلمُّهُ

على شَعَثٍ أيُّ الرجالِ المُهذبُ

• وماذا عن الصديق؟

واستبْقِ ودَّكَ للصديقِ ولا تكنْ

قتباً يعضُّ بغاربٍ مِلحاحا

• هل ترى في اليأس منفعة؟

واليأسُ مما فاتَ يُعْقبُ راحةً

ولَرُبَّ مَطعمةٍ تعودً ذُباحا

• بماذا وصفت ناقتك؟

حذّاءُ مدبرة ٌسكّاءُ مقبلةٌ

للماء في النحرِ منها نوطة عجبُ

• وماذا أنشدت في الخيل؟

خيلٌ صيامٌ وخيلٌ غيرُ صائمَةٍ

تحتَ العجاج وأُخرى تعلُكُ اللُّجُما

• ماذا تقول لأعدائك؟

فصالحونا جميعاً إن بدا لكُمُ

ولا تقولوا لنا أمثالَها عامِ

• ماذا لو لم يقبل أعداؤك الصلح؟

فإنْ تغلبْ شقاوتكم عليكمْ

فإنِّي في صلاحكمُ سعيتُ

• هل أنت في مأمنٍ من الدهر؟

من يطلبِ الدهرَ تُدركْهُ مخالبُهُ

والدهرُ بالوتر ناجٍ غيرُ مطلوبِ

• قيل: إنك مؤسس فن الاعتذار في الشعر العربي، فأنشدنا بعض ما قلت في ذلك.

أتاني أبيتَ اللعنَ أنك لمتني

وتلك التي أهتمُّ منها وأنصَبُ

فبتُّ كأنَّ العائداتِ فرشن لي

هَرَاساً به يُعلى فِراشي ويُقشبُ

حلفتُ فلم أترك لنفسك رِيبةً

وليس وراء الله للمرءِ مذهبُ

لئن كنت قد بلغت عني وشايةً

لَمُبلِغُكَ الواشي أغشُّ وأكذبُ

ولكنني كنتُ امرأً ليَ جَانِبٌ

من الأرض فيهِ مُسترَادٌ ومَطلبُ

مُلوكٌ وإخوانٌ إذا ما أتيتُهم

أُحَكَّمُ في أموالهم وأُقَرَّبُ

كفعلِكَ في قومٍ أراكَ اصطفيتَهُم

فلم تَرَهُمْ في شكر ذلك أذنبوا

• أريد أن أختم هذا الحوار الشائق معك بنصيحةٍ منك تُسديها لي؟

تعصي الإلهَ وأنت تُظهرُ حُبّهُ

هذا لعَمْرُك في المقالِ بديعُ

لو كنتَ تصدقُ وُدَّهُ لأطعتَهُ

إنَّ المحبَّ لمن يُحبُّ مطيعُ