من الجوائز المرموقة التي تشد أنظار محبي الأدب في العالم، «جائزة الغونكور» التي تعتبر إحدى الجوائز الضخمة ليس من حيث قيمتها المالية الضئيلة جداً والمقدرة بـ10 يورو، ولكن من حيث الإسقاطات التي يجنيها الفائز بعد الفوز، إذ تحقق الرواية المتوجة مبيعات عالية تتجاوز 300 ألف نسخة.
وكشفت لجنة «الغونكور» عن الفائز للغونكور 2019 في مطعم «Drouant»، وهو المطعم التقليدي التي تجتمع فيه لجنة جائزة «الغونكور» وجائزة «رونودو» منذ عام 1914.
وفاز الكاتب الفرنسي جون بول دوبوا في الدور الثاني بصعوبة أمام البلجيكية إميلي نوثومب، بواقع ستة أصوات مقابل أربعة، حيث يعتبر من الكتاب الفرنسيين غزيري الإنتاج، ففي جعبته أكثر من 22 رواية، واقتبست معظم أعماله إلى أفلام سينمائية.
لم يكن تتويج رواية «الرجال لا يسكنون العالم بالطريقة نفسها» بـ«الغونكور» هو أول تتويج لبول دوبوا، بل في رصيد الكاتب الفرنسي جوائز عدة أهمها جائزة «فيمينا» في 2004.
دو بوا وصفه رئيس لجنة تحكيم «الغونكور» برنارد بيفو بأنه استثنائي في الكتابة، وأنه كان يستحق الفوز بـ«الغونكور» في 2016 عن روايته السابقة «خلافة»، والتي تعتبر أيضاً من أفضل الروايات.
وأمام فوزه بـ«الغونكور»، علق دوبوا بأنه متأثر جداً لذلك وسعيد، وأن الجائزة لن تغير منه، إلا أنه سيكون أكثر مسؤولية أمام القراء الذين لم يفكر أن يكتب لهم من أجل إرضائهم، ولكنه كان يكتب لأشخاص معدودين في حياته ومؤثرين.
وأضاف: «الآن يمكنني أن أصف لكم إحساسي، لدي شعور غريب، فرحة لا توصف، سأكف عن التعبير لأنني سأقول الكثير من الحماقات».
وجاء اختيار لجنة التحكيم برئاسة برنارد بيفو، رواية الكاتب الفرنسي دوبوا، ضمن قائمة وصلت إلى النهائي ضمت أربعة مرشحين، هم جان لوك كواتاليم، وأوليفييه رولين، والبلجيكية أميلي نوثومب.
أكاديمية «الغونكور» التي تضم عشرة أعضاء يرأسهم برنارد بيفو، تضم كل من إيريك إيمانويل شميث، وديديه دوكوا، وبول كوستو، وباتريك رامبو، والعربي الوحيد المغربي طاهر بن جلون، وفيرجيني ديسبينت، وفرانسوا شاندرناجر، وفيليب كلودل، وبيير أسولين.
اللجنة اختلفت في الدور الأول على الفائز، فكانت المنافسة شديدة بين البلجيكية أميلي نوثومب عن روايتها «العطش»، والفرنسي جون بول دو بوا عن روايته «الرجال لا يسكنون العالم بالطريقة نفسها»، واستقرت في التصفيات الثانية على الرأي الأخير بمنح جون بول دوبوا الجائزة عن رواية كتب عنها النقاد الكثير من المقالات ووصفت بنص أنيق وفاخر.
بول دو بوا نظم أدوار أبطاله في سرد تصارعت فيه وقائع العالم الفعلي الذي يتصارع فيه الخير والشر، فبطله بول، ابن قس، مسجون في كندا، يعود بذاكرته ليسرد المحن المأساوية، وجرائمه التي أدخلته السجن وحولته إلى شخصية شريرة، تتوارى وراءها شخصية خيِّرة عرفت اللحظات السعيدة والأوقات الممتلئة بالحياة الجميلة.
ففي «الرجال لا يسكنون العالم بالطريقة نفسها» عن دار النشر أوليفييه، يقدم جون بول دوبوا قصة بول هانسن، سجين في مونتريال الكندية، ويعيد صياغة اللحظات العظيمة التي صنعت سعادة بطله في الماضي من خلال الذكريات والهزيمة، وكل ذلك في هدوء بزنزانته المقدرة مساحتها بستتة أقدام.
ويسافر القارئ مع أبطال الرواية من تولوز إلى شمال الدنمارك، بين صيادي السمك عبر شمال كندا، حيث الأسمدة السامة تسمم التربة، وهو ما دفع ببول هانسن إلى السجن، ولن يكتشف القارئ ذلك إلا في نهاية اعترافه الطويل والمأساوي والهزلي في آن واحد.
روايته الفائزة بـ«الغونكور» تعتبر من أحسن الأعمال التي قدمها دوبوا لقرائه باللغة الفرنسية، مزعجة في بعض الأحداث، تجمع بين التشويق والكشف المبكر، بين الإنسانية واللغة الفارهة، بين كل المتناقضات وبين العمق الإنساني، بين الحنين إلى الماضي والبحث في الذكريات عن السعادة المفقودة، وبين أدوات الشر التي تدفع الإنسان إلى الانحراف عن مسارات الخير، باختصار، «الغونكور» تتوج رواية الذكريات والهزيمة.