رغم الثمانين وتبعاتها، إلا أن الشاعر المفكر محمد العلي كان في كامل طاقته الإيجابية المعهودة، وقدم في فنون الدمام مساء أمس الأول (الأحد) بمنتهى اللياقة الوجدانية والمعرفية ورقته عن (الاغتراب) من خلال سرد بانورامي عن الصعلكة وسلوك الصعاليك التمردي على رتابة القبيلة، منذ زمن العرب الأوائل، وعدّ العلي مفهوم الجماعة الوارد في الأثر مغلوطاً وملتبساً عند البعض كون (الجماعة) تعني ما وافق المشترك الإنساني والعقل الأخلاقي والشعور الجمالي لا التبعية المطلقة للكثرة؛ كونها ليست دوماً دليل هداية ورشاد.
شاعر النخل والماء، وافق الناقد الدكتور عبدالله الغذامي في رؤيته النقدية الأخلاقية والمثالية عن واقع الشعراء العرب، وإدانته شعراء العصر الأموي والعباسي، ومن قبلهم، ومن بعدهم، بمن فيهم أدونيس ونزار قباني كونهم شوهوا الذات العربية، بإحالتها إلى ذات مشعرنة بتمجيدهم الطغيان، وتحميل شعرهم نسقاً خفياً مدمراً للذات.
وثمن اللفتة الماهرة للناقد علي الشدوي التي ذهب فيها إلى أن المناهج الدراسية تسبب اغتراب الطالب عن نفسه؛ كونها لا علاقة لها بالحياة الاجتماعية التي يعيشها، ولا بأي هدف من أهدافه.
واستعاد رؤية الكاتب توفيق السيف في التحول إثر استقلال العلوم إلى اعتماد البشر أدوات تفسير لعالمهم من خارج إطار الدين، وتطورت العلاقة من حالة الانفعال، وانتظار الأمر والنهي، إلى التأمل والبحث عن تفسيرات لما يجري فيه، فازدادت مساحة التساؤل، وتقلصت مساحة اليقين، وتغير موقف الإنسان من الانصياع إلى الرغبة في الاستقلال.
وسلط العلي الضوء خلال ساعة ونصف من النقاش على طبيعة الصراع بين الثقافتين السائدة والمضادة، وذهب إلى أن جذره صراع اجتماعي، يهدف إلى التغيير، ويصل -أحيانا- إلى التناحر، ولفت إلى أن جميع من حاولوا التغيير من الفلاسفة والمفكرين والمصلحين وحتى الشعراء والأدباء، اكتووا بنار الصراع، وذاقوا مرارة الاغتراب، إلا أن النتيجة تكون دائماً إيجابية؛ لأنها تثمر التقدم والتطور.
واستعرض صاحب (لا ماء في الماء) تاريخ الاغتراب منذ الشاعر الأموي الأحيمر السعدي الذي يعتبر من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية القائل (عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى، وصوّتَ إنسانٌ فكدت أطير).
مضيفاً: الاغتراب في العصر العباسي تغير من عزلة لا إرادية، كما هو حال العصر الجاهلي، وتحول إلى عزلة إرادية رغبة في البعد عن المجتمع المتفاوت طبقياً، مستعيداً قصيدة ابن الرومي: أترانـــي دون الأُلـــى بلغوا الآمال مــن شرطــــة ومــن كتّـــابِ، وتجارِ مـــــثلِ البهــائم فازوا، بالمنى في النفـــوس والأحبـــــابِ، ويظلّون في المناعــــــم واللـــذات بيــن الكواعـــــب الأتــــرابِ)، ونص أبي تمام (وأصرف وجهي عن بلاد أرى بها، لساني معقولا وقلبيَ مقفلا، وجد بها قوم سواي فصادفوا، بها الصنع أعشى والزمان مغفلا)، والمتنبي الذي كان يتمزق نفسياً (إذا كان بعض الناس سيفا لدولة، ففي الناس بوقات لها وطبول).
وقسم العلي الاغتراب النفسي إلى إيجابي، يتمثل في التحول المعرفي، ونضج الوعي، اللذين يرتفع بهما الإنسان على نفسه، من خلال تجاربه، وتقلبه في وجوه التفاعل الاجتماعي، ودرجات التعلم. واغتراب سلبي، يبرز في الشعور بالوحدة حتى بين الأهل والأصدقاء. وانفصال الفرد عن التفاعل الاجتماعي، والانفعال بالمؤثرات، والشعور بلا جدوى الحياة) ليتحول إلى مرض.
وذهب إلى أن لكل مجتمع حضاري ثقافتين: ثقافة سائدة، تعززها السلطة الاجتماعية والسياسية، هدفها إبقاء الوضع الاجتماعي كما هو بلا تغيير، وثقافة مضادة هدفها التغيير الجذري الشامل لكل أوضاع المجتمع المتخلفة.
ولم يخفِ العلي أن مداخلات الحضور على الورقة لم تكن في مستوى واحد، بل تفاوتت بحسب فهم واستيعاب المعلقين وبقدر اشتغالهم وقربهم من الفلسفة إلا أنه امتن للحضور الذي أنصت وناقش خلال ساعة ونصف ورقة موغلة في استقصاء حراك بشري سالف غير منفصم العرى عن واقعٍ معاش.
شاعر النخل والماء، وافق الناقد الدكتور عبدالله الغذامي في رؤيته النقدية الأخلاقية والمثالية عن واقع الشعراء العرب، وإدانته شعراء العصر الأموي والعباسي، ومن قبلهم، ومن بعدهم، بمن فيهم أدونيس ونزار قباني كونهم شوهوا الذات العربية، بإحالتها إلى ذات مشعرنة بتمجيدهم الطغيان، وتحميل شعرهم نسقاً خفياً مدمراً للذات.
وثمن اللفتة الماهرة للناقد علي الشدوي التي ذهب فيها إلى أن المناهج الدراسية تسبب اغتراب الطالب عن نفسه؛ كونها لا علاقة لها بالحياة الاجتماعية التي يعيشها، ولا بأي هدف من أهدافه.
واستعاد رؤية الكاتب توفيق السيف في التحول إثر استقلال العلوم إلى اعتماد البشر أدوات تفسير لعالمهم من خارج إطار الدين، وتطورت العلاقة من حالة الانفعال، وانتظار الأمر والنهي، إلى التأمل والبحث عن تفسيرات لما يجري فيه، فازدادت مساحة التساؤل، وتقلصت مساحة اليقين، وتغير موقف الإنسان من الانصياع إلى الرغبة في الاستقلال.
وسلط العلي الضوء خلال ساعة ونصف من النقاش على طبيعة الصراع بين الثقافتين السائدة والمضادة، وذهب إلى أن جذره صراع اجتماعي، يهدف إلى التغيير، ويصل -أحيانا- إلى التناحر، ولفت إلى أن جميع من حاولوا التغيير من الفلاسفة والمفكرين والمصلحين وحتى الشعراء والأدباء، اكتووا بنار الصراع، وذاقوا مرارة الاغتراب، إلا أن النتيجة تكون دائماً إيجابية؛ لأنها تثمر التقدم والتطور.
واستعرض صاحب (لا ماء في الماء) تاريخ الاغتراب منذ الشاعر الأموي الأحيمر السعدي الذي يعتبر من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية القائل (عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى، وصوّتَ إنسانٌ فكدت أطير).
مضيفاً: الاغتراب في العصر العباسي تغير من عزلة لا إرادية، كما هو حال العصر الجاهلي، وتحول إلى عزلة إرادية رغبة في البعد عن المجتمع المتفاوت طبقياً، مستعيداً قصيدة ابن الرومي: أترانـــي دون الأُلـــى بلغوا الآمال مــن شرطــــة ومــن كتّـــابِ، وتجارِ مـــــثلِ البهــائم فازوا، بالمنى في النفـــوس والأحبـــــابِ، ويظلّون في المناعــــــم واللـــذات بيــن الكواعـــــب الأتــــرابِ)، ونص أبي تمام (وأصرف وجهي عن بلاد أرى بها، لساني معقولا وقلبيَ مقفلا، وجد بها قوم سواي فصادفوا، بها الصنع أعشى والزمان مغفلا)، والمتنبي الذي كان يتمزق نفسياً (إذا كان بعض الناس سيفا لدولة، ففي الناس بوقات لها وطبول).
وقسم العلي الاغتراب النفسي إلى إيجابي، يتمثل في التحول المعرفي، ونضج الوعي، اللذين يرتفع بهما الإنسان على نفسه، من خلال تجاربه، وتقلبه في وجوه التفاعل الاجتماعي، ودرجات التعلم. واغتراب سلبي، يبرز في الشعور بالوحدة حتى بين الأهل والأصدقاء. وانفصال الفرد عن التفاعل الاجتماعي، والانفعال بالمؤثرات، والشعور بلا جدوى الحياة) ليتحول إلى مرض.
وذهب إلى أن لكل مجتمع حضاري ثقافتين: ثقافة سائدة، تعززها السلطة الاجتماعية والسياسية، هدفها إبقاء الوضع الاجتماعي كما هو بلا تغيير، وثقافة مضادة هدفها التغيير الجذري الشامل لكل أوضاع المجتمع المتخلفة.
ولم يخفِ العلي أن مداخلات الحضور على الورقة لم تكن في مستوى واحد، بل تفاوتت بحسب فهم واستيعاب المعلقين وبقدر اشتغالهم وقربهم من الفلسفة إلا أنه امتن للحضور الذي أنصت وناقش خلال ساعة ونصف ورقة موغلة في استقصاء حراك بشري سالف غير منفصم العرى عن واقعٍ معاش.