يبدو أنّ خلاف النقاد السعوديين حول المقال الذي كتبه محمد علي المحمود عن «داعشية المتنبي» ونشرته «عكاظ» في يوم الأربعاء: 13/ 11 / 2019م تحت عنوان «داعشية المتنبي تثير سخرية نقاد سعوديين» لن يقف عند سخرية بعض النقاد، بل يكاد الأمر يتطور ليكون هناك نقاد سعوديون وكتاب يقفون إلى جوار الكاتب المحمود متفقين معه فيما ذهب إليه، ومختلفين مع النقاد السعوديين الذين سخروا من مقالة المحمود، وإن كان لكلّ واحد منهم زاويته التي ينظر منها، حيث أكد الناقد والأكاديمي في جامعة الملك سعود الدكتور صالح زياد لـ«عكاظ» أنّ مقالة المحمود عن «داعشية المتنبي» تندرج ضمن مساره الفكري النقدي التنويري الذي ألفناه منه. وهي تقوم على منطق واضح في إدانة التمجيد للعنف، والكشف عن تلبسه بالبلاغة اللفظية، التي تزيّف مضموناً شريراً وخطيراً وتروِّج له.
وأضاف أنّ وجه الشبه الذي جمع فيه المحمود في مقالته بين المتنبي وداعش هو وجه واضح بأتم ما يكون الوضوح. وأدل ما يصدِّق على نفاذ فكرته النقدية هذه، هو ردود الفعل المنحازة للبلاغة اللفظية التي رأت في الطعن على المتنبي نيلاً من قيمة شعرية، من دون أن تلتفت إلى مضمون تلك البلاغة وما تروّج له.
وأنّ هذه الردود مأسورة إلى سجن ثقافي بالغ الرسوخ في وعينا، ومتشبعة به. مضيفاً، أنا لم أرَ، فيما قاله الأصدقاء في ردهم، وأنا أجلِّهم وأقدرهم، ما يفكك وينقض منهجياً منطقية ما تصفه المقالة ولا ما تنتهي إليه من نتائج.
أما الكاتب خالد العضاض فقال: «أثق كثيراً بعمق الكاتب محمد المحمود الأدبي والفكري، وهو ما يخوله في نظري إلى القول المعرفي الفاعل في تتبع خيوط العنف في الثقافة العربية، والذي رسخته التفاسير البشرية للنص الديني المتسامح، والنص المحتمِل أولاً، ثم رسخه ركنا الهوية العربية الآخرين مع الدين، وهما اللغة وفارسها الأول الشعر، والتاريخ الذي يكتبه المنتصر دائماً ليروي بطولاته وصولاته وجولاته العنفية أيضاً».
وأضاف العضاض، القول «بداعشية» الشعر العربي، لا المتنبي وحده، له ما يبرره، كما أن القول بنفي «داعشية» الشعر العربي له ما يناصره، الأمر كله متوقف على الزاوية التي نطل منها على القضية، فـ«الداعشية» كمفهوم ثقافي واجتماعي، متعلق بمسألة تبني الحل العنيف المتطرف، للقضايا الفكرية والمجتمعية، والتي تغذي فتنة القول بالإقصاء وصولاً إلى فتنة الفعل بالقتل لو تهيأت ظروفه، وبالنظر لمواقف الشعراء العرب -وعلى رأسهم المتنبي- نجد أن جل مواقفهم كانت مع السلطة الحاكمة، مادحة مفتخرة بالفتوح والانتصارات، خوفاً وطمعاً، لا كما تفعله «الداعشية» اليوم كمفهوم متحول ومتنقل، إذ هي على طول الخط ضد السلطة والتكوين الجماعي للمجتمع والدولة، بحكم النظرة الأممية في البنية المعرفية «للداعشية».
ولا أنكر وجود أدبيات اتخذت صفة العنف بسبب موقف معرفي، إلا أنّ تعميمه على كامل الشعر العربي لا أرى صوابه المطلق، بل يقاس على ذهنية صاحبه وموقفه ورؤيته لا أكثر، إذ إن الشعر أداة بالمقام الأول للتعبير وصياغة الخطاب، ولا يمكن الحكم على خطاب الشعر العربي في زمن حرب أو دفاع ضد معتدٍ أنه خطاب عنف، وهذا يدعونا إلى استجلاب كل الظروف المحتفية بكل نص على حده لإمكانية الحكم البصير والمستنير.
أما الدكتور أحمد الهلالي فيرى أن مقالة المحمود مبررة؛ لأنها تصف الثقافة العربية، وتتخذ المتنبي أنموذجاً بارزاً عليها، وإن اختلفت معه في جزئية تعلق العرب بالمتنبي واعتباره رأس الهرم الشعري بامتياز، فمن المعلوم أن ذلك لم يتأت من تعبيره عن (العنف)؛ بل لأنه حالة شعرية مائزة في جل الموضوعات التي يطرقها، فسوائره الشعرية على ألسنة الناس في الموضوعات الحضارية أكثر من سوائره العنفية.
ويضيف الهلالي، هذا اختلاف بسيط، أما ما ذهب إليه فإني أوافقه فيه، فثقافتنا العربية تمجّد العنف، وتفرد له مساحة أكبر من العفو والتسامح والتعايش، والكشف عن تلك الأنساق، ونقدها واجب على المشتغلين في النقد الثقافي، وكثير من شعراء العربية القدامى يصلحون نماذج لموضوع العنف، وإن تمايز بعضهم عن بعض، فهم نتاج نسق ثقافي أعلى، فرضته عليهم الحياة في زمنهم، وما تزال مقولاته تغذي موضوع العنف إلى يومنا هذا، وإن لم نتصدَ لها ستظل امتداداتها تشطر الذوات، وتؤثر في المهيأة منها لموضوع العنف، فيظل كامناً فيها حتى تتهيأ الظروف لانفجاره، كما في الحالة الداعشية.
ويؤكد الهلالي أنّ في مقالة المحمود دالين: ناطق ومضمر، فالمتنبي يحيل إلى الثقافة، وهو الدال الناطق هنا، وانتقاء المحمود له يأتي في سياق (هز الأغصان العليا) في الثقافة، لمكانة المتنبي الأثيرة في الوجدان العربي، أما (الداعشية) فجزء كبير من دلالاتها مضمر، يحيل إلى الديني، والجزء الناطق منها يحيل إلى الثقافي المتوحش، والمحمود انتقاها تقريباً للصورة، كون الداعشية هي المثال الحي المعلوم لأهل العصر عن معنى (العنف والتوحش)، مضيفاً، نشاهد اليوم الحالة العربية، ونعلم ما يعانيه الإنسان العربي، وما يقاسي من ويلات تجاوزها أبناء الثقافات الأخرى، بعد أن تخلصوا من أثقالهم الثقافية العنيفة، وصاغوا واقعهم ومستقبلهم بكيفية مغايرة لما كان عليه أسلافهم، ولا أخالهم استطاعوا تلك الصياغة إلا بعد أن دفعوا ثمناً باهظاً جداً، وكم سيكون الأمر جميلاً لو استطعنا العبور إلى تلك الضفة بسلام.
وأضاف أنّ وجه الشبه الذي جمع فيه المحمود في مقالته بين المتنبي وداعش هو وجه واضح بأتم ما يكون الوضوح. وأدل ما يصدِّق على نفاذ فكرته النقدية هذه، هو ردود الفعل المنحازة للبلاغة اللفظية التي رأت في الطعن على المتنبي نيلاً من قيمة شعرية، من دون أن تلتفت إلى مضمون تلك البلاغة وما تروّج له.
وأنّ هذه الردود مأسورة إلى سجن ثقافي بالغ الرسوخ في وعينا، ومتشبعة به. مضيفاً، أنا لم أرَ، فيما قاله الأصدقاء في ردهم، وأنا أجلِّهم وأقدرهم، ما يفكك وينقض منهجياً منطقية ما تصفه المقالة ولا ما تنتهي إليه من نتائج.
أما الكاتب خالد العضاض فقال: «أثق كثيراً بعمق الكاتب محمد المحمود الأدبي والفكري، وهو ما يخوله في نظري إلى القول المعرفي الفاعل في تتبع خيوط العنف في الثقافة العربية، والذي رسخته التفاسير البشرية للنص الديني المتسامح، والنص المحتمِل أولاً، ثم رسخه ركنا الهوية العربية الآخرين مع الدين، وهما اللغة وفارسها الأول الشعر، والتاريخ الذي يكتبه المنتصر دائماً ليروي بطولاته وصولاته وجولاته العنفية أيضاً».
وأضاف العضاض، القول «بداعشية» الشعر العربي، لا المتنبي وحده، له ما يبرره، كما أن القول بنفي «داعشية» الشعر العربي له ما يناصره، الأمر كله متوقف على الزاوية التي نطل منها على القضية، فـ«الداعشية» كمفهوم ثقافي واجتماعي، متعلق بمسألة تبني الحل العنيف المتطرف، للقضايا الفكرية والمجتمعية، والتي تغذي فتنة القول بالإقصاء وصولاً إلى فتنة الفعل بالقتل لو تهيأت ظروفه، وبالنظر لمواقف الشعراء العرب -وعلى رأسهم المتنبي- نجد أن جل مواقفهم كانت مع السلطة الحاكمة، مادحة مفتخرة بالفتوح والانتصارات، خوفاً وطمعاً، لا كما تفعله «الداعشية» اليوم كمفهوم متحول ومتنقل، إذ هي على طول الخط ضد السلطة والتكوين الجماعي للمجتمع والدولة، بحكم النظرة الأممية في البنية المعرفية «للداعشية».
ولا أنكر وجود أدبيات اتخذت صفة العنف بسبب موقف معرفي، إلا أنّ تعميمه على كامل الشعر العربي لا أرى صوابه المطلق، بل يقاس على ذهنية صاحبه وموقفه ورؤيته لا أكثر، إذ إن الشعر أداة بالمقام الأول للتعبير وصياغة الخطاب، ولا يمكن الحكم على خطاب الشعر العربي في زمن حرب أو دفاع ضد معتدٍ أنه خطاب عنف، وهذا يدعونا إلى استجلاب كل الظروف المحتفية بكل نص على حده لإمكانية الحكم البصير والمستنير.
أما الدكتور أحمد الهلالي فيرى أن مقالة المحمود مبررة؛ لأنها تصف الثقافة العربية، وتتخذ المتنبي أنموذجاً بارزاً عليها، وإن اختلفت معه في جزئية تعلق العرب بالمتنبي واعتباره رأس الهرم الشعري بامتياز، فمن المعلوم أن ذلك لم يتأت من تعبيره عن (العنف)؛ بل لأنه حالة شعرية مائزة في جل الموضوعات التي يطرقها، فسوائره الشعرية على ألسنة الناس في الموضوعات الحضارية أكثر من سوائره العنفية.
ويضيف الهلالي، هذا اختلاف بسيط، أما ما ذهب إليه فإني أوافقه فيه، فثقافتنا العربية تمجّد العنف، وتفرد له مساحة أكبر من العفو والتسامح والتعايش، والكشف عن تلك الأنساق، ونقدها واجب على المشتغلين في النقد الثقافي، وكثير من شعراء العربية القدامى يصلحون نماذج لموضوع العنف، وإن تمايز بعضهم عن بعض، فهم نتاج نسق ثقافي أعلى، فرضته عليهم الحياة في زمنهم، وما تزال مقولاته تغذي موضوع العنف إلى يومنا هذا، وإن لم نتصدَ لها ستظل امتداداتها تشطر الذوات، وتؤثر في المهيأة منها لموضوع العنف، فيظل كامناً فيها حتى تتهيأ الظروف لانفجاره، كما في الحالة الداعشية.
ويؤكد الهلالي أنّ في مقالة المحمود دالين: ناطق ومضمر، فالمتنبي يحيل إلى الثقافة، وهو الدال الناطق هنا، وانتقاء المحمود له يأتي في سياق (هز الأغصان العليا) في الثقافة، لمكانة المتنبي الأثيرة في الوجدان العربي، أما (الداعشية) فجزء كبير من دلالاتها مضمر، يحيل إلى الديني، والجزء الناطق منها يحيل إلى الثقافي المتوحش، والمحمود انتقاها تقريباً للصورة، كون الداعشية هي المثال الحي المعلوم لأهل العصر عن معنى (العنف والتوحش)، مضيفاً، نشاهد اليوم الحالة العربية، ونعلم ما يعانيه الإنسان العربي، وما يقاسي من ويلات تجاوزها أبناء الثقافات الأخرى، بعد أن تخلصوا من أثقالهم الثقافية العنيفة، وصاغوا واقعهم ومستقبلهم بكيفية مغايرة لما كان عليه أسلافهم، ولا أخالهم استطاعوا تلك الصياغة إلا بعد أن دفعوا ثمناً باهظاً جداً، وكم سيكون الأمر جميلاً لو استطعنا العبور إلى تلك الضفة بسلام.